يحيي ابناء الديانة اليهودية في العالم، اليوم الخميس، يوم الغفران، وهو يوم الصيام الاساسي لليهود، فهناك ثلاثة او اربعة ايام صيام اخرى، ولكنها ليست ملزمة، وليست بهذا القدر من الاهمية الدينية كيوم الغفران.
وفي هذا اليوم يسعى اليهود الى طلب المغفرة من بعضهم البعض، ولكن السياسة لم تبرح حتى هذه النقطة الدينية. فقد ابرزت الصحافة الاسرائيلية، امس الاربعاء، ان عددا من الجنود وضباطهم طلبوا المغفرة من المستوطنين الغزاة الذين تم كنسهم من قطاع غزة في الصيف المنصرم، وان عددا من المستوطنين يرفضون حتى منحهم المغفرة.
وهذا ليس مجرد سجال بين مستوطنين وجنود، وحتى نشر الموضوع، يؤكد ان اسرائيل الرسمية والشعبية ليست على قناعة انه عليها الخروج من الاراضي المحتلة منذ العام 1967، وهي بقناعة داخلية، وخاصة لدى ساستها وعلى راسهم اريئيل شارون، انهم بادروا الى "تنازل مؤلم" عن "اقليم من ارض اسرائيل الكبرى"، فهذا ما قاله "حمامة السلام" شارون، حسب وصف زعيم الارهاب الدولي جورج دبليو بوش.
فقد اعلن شارون للعالم بأسره ومن على منبر الأمم المتحدة ان ما يسمى بـ "ارض اسرائيل" هي ارض الميعاد لليهود، وكل شبر فيها تابع لليهود "بموجب أمر من الله"، ولكن "اسرائيل ستتفهم وجود شعب آخر له حق في هذه الأرض"، ولكن هذا الحق سيكون مبني اساسا على ان الحق اولا هو لليهود دينيا، وكل اتفاق يجب ان يسري على هذا الأساس، وحسب ما تمنّه اسرائيل على "الشعب الآخر".
غالبيتهم اليوم تسعى لطلب المغفرة، وليس من الطبيعي تجريم شعب بأكمله، فهذا الشعب هو ايضا ضحية لحكامه على مدى عشرات السنين، الذين وضعوا شعبهم في دفيئة تحريض على الشعب والشعوب "الأخرى"، وربوهم على انهم "الاسمى والاقوى"، ولكن عليهم ايضا أن يخافوا من الغير.
شعب بأكمله خاضع لجوقة اعلامية سلطوية واحدة، وغالبيته الساحقة ليس بامكانها سماع اعلام آخر بسبب اللغة، شعب يسير يوميا وفق اجندة مبرمجة تفرضها عليه السلطة من خلال اعلامها المجنّد، مهما قالوا عنه انه حر أو انه تجاري.
الشعوب دائما ضحية حكامها، حتى وإن حافظت هذه الشعوب على هؤلاء الحكام، لقد رأينا كيف ان الشعب في اسرائيل لديه قول آخر حين كانت الأجواء بلون آخر، حين كان يصدر صوت اقرب للسلام في هذه البلاد، بغض النظر عن مفاهيم هذا السلام وجوهره.
اليوم يذهبون لطلب المغفرة من بعضهم البعض، في حين أن جريمتهم الكبرى انهم يقتلون يوميا شعبا باكمله بالقتل البطيء، فمنه لن يطلبوا المغفرة ولا الغفران، لأنهم يعتقدون انهم ايضا يقتلون بأمر من الله.