إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



دورة برلمانية اسرائيلية جديدة لن تنتهي كما بدأت

الأربعاء 5/10/2004
برهوم جرايسي- المشهد الاسرائيلي

يعود الكنيست الاسرائيلي (البرلمان) يوم الاثنين القادم الى عمله، بعد العطلة الصيفية التي استمرت قرابة الشهرين ونصف الشهر، حاول فيها رئيس الحكومة اريئيل شارون "تنفس الصعداء"، بغياب المناورات البرلمانية التي تحاول اسقاط حكومته، كونها تفتقر للاغلبية البرلمانية (59 نائبا من اصل 120 نائبا)، وهو ما اضطره في الشهرين الأخيرين للدورة البرلمانية للشروع بمناورات حزبية موازية، في اطار البحث عن "شريك" يوسع قاعدة حكومته الائتلافية، وهو ما فشل به شارون وما ظهر هو ان شارون نفسه لم يكن معنيا بتوسيع الائتلاف طالما ان حكومته لم تسقط.
يعود شارون الى الكنيست بعد أن انهى الاعياد العبرية، وإذا كان من المسموح لنا ان نستعين بأمثالنا الشعبية فلا نجد سوى المثل القائل "راح العيد وفرحاتو"، فشارون الآن امام مهمتين صعبتين، وحتى وإن اجتازهما، فإن هذا لن يحدث دون هزات جدية في حكومته تساهم في تقصير عمرها.
المطلوب من شارون في هذا الشهر ان يقر في الكنيست الاطار العام لميزانية اسرائيل للعام 2005، والأمر الثاني هو تنفيذ ما وعد به، إلا وهو اقرار قانون الانسحاب من قطاع غزة وبعض مناطق شمالي الضفة الغربية وقانون "التعويضات" للمستوطنين حتى مطلع الشهر القادم، تشرين الثاني/ نوفمبر.

مشروع الميزانية

مشروع الميزانية هو أمر قانوني لا يمكن لشارون أن يتجاوزه من ناحية العامل الزمني، وهو يواجه مشكلة اصبحت مزدوجة في الايام الأخيرة بعد قرار للمحكمة العليا الاسرائيلية. فالجانب الاول للمشكلة انه لا يوجد لشارون اغلبية برلمانية تضمن له اقرار الميزانية، ولكن شارون على ما يبدو توصل الى صيغة تفاهم مع كتلة "يهدوت هتوراة" المتدينة الاصولية (5 اعضاء)، التي قد تمتنع عن التصويت، كنوع من التحييد الذي يجعل القاعدة الائتلافية ذات أغلبية امام المعارضة.
ولكن المطلوب من شارون هو دفع ثمن مالي زائدا لجمهور المتدينين الاصوليين، وهو أمر من المفروض ان يثير حفيظة الشريك الأكبر لشارون في حكومته، كتلة "شينوي" العلمانية المتشددة. ولهذا فعلى شارون ان يضمن سكون "شينوي"، من منطلق "المصلحة العامة"، وتغليب "الأهم" على "المهم"، و"الأهم" الذي سيتذرع به شارون اليوم هو خطة الانسحاب من قطاع غزة.
إذا ما وافق شارون على تسديد الفواتير لـ "يهدوت هتوراة"، فإن هذا قد يفتح "شهية" حركة "شاس" المتدينة الاصولية (11 نائبا)، وقد يربح شارون حيادها هي الأخرى.
لقد علمت التجربة عند الاقرار الاولي للاطار العام للميزانية (التصويت بالقراءة الأولى)، انه يتم نثر الوعود شمالا ويمينا، ويتم الاتفاق مبدئيا على اقرار الميزانية مبدئيا، ومن ثم تبدأ مفاوضات حتى أواخر العام الحالي، تنتهي قبل الدقائق الأخيرة لموعد الاقرار النهائي للميزانية، وهو ما يعني تأجيل الأزمة، وليس حلها.
الجانب الآخر للمشكلة، هو ما يسمى بقانون التسويات، وهو قانون سنوي تفرضه الحكومة ويشمل الكثير من الاجراءات التي تضمن تطبيق القانون، ولكن هذا القانون اشكالي من الدرجة الأولى إذ يفرض الكثير من الاجراءات غير الديمقراطية، التي تأخذ طابع "قانون الطوارئ"، وفي أواخر شهر ايلول/ سبتمبر الماضي اصدرت المحكمة العليا قرارا، ردا على التماس مربي الطيور، يتضمن انتقادات شديدة للحكومة لسنها هذا القانون، وطالبت المحكمة بايجاد صيغة اخرى له وحتى شطبه. وسارعت قوى سياسية وايضا جهات رسمية في المؤسسة الحاكمة والمعارضة للقول ان على الحكومة ان تأخذ بعين الاعتبار قرار المحكمة، وإذا ما اصرت الحكومة على القانون فإنها ستضع نفسها امام مشكلة قضائية نوعا ما.

قانون الانسحاب والتعويضات

لقد اعلن اريئيل شارون في الشهر الماضي جدولا زمنيا لتطبيق خطة الانسحاب من قطاع غزة وبعض مناطق شمالي الضفة الغربية، وحسب هذا الجدول فإنه حتى اوائل الشهر القادم، تشرين الثاني/ نوفمبر، سيكون على الكنيست اقرار قانون الانسحاب ودفع "التعويضات"، وليس من الواضح الى اي مدى سيلتزم شارون بما تعهد به من جدول زمني، خاصة في ظل الحملة العسكرية الشرسة التي شنها جيشه على قطاع غزة في الايام الأخرى، إذ ظهرت الكثير من الاجتهادات للمحللين العسكريين التي قالت ان الحملة العسكرية ستؤجل خطة الانسحاب.
ما زال شارون يواجه معارضة واسعة داخل الليكود لخطة الانسحاب من قطاع غزة، والائتلاف الذي يسيطر عليه شارون اليوم هو 59 عضوا من اصل 120 عضوا، ولكن حين سيتم طرح قانون الانسحاب، فإن قاعدته الائتلافية ستخسر 4 اعضاء كنيست من كتلة "المفدال" الدينية اليمينية، الذين بقوا في الائتلاف بعد خروج زميليهم منه، كما ان شارون لن يضمن تأييد النواب الـ 40 الذين يشكلون كتلة "الليكود"، وهنا لا شك في انه ستكون حالة تمرد، إما التصويت علنا ضد الخطة، أو الهروب من جلسة التصويت، وهي ظاهرة مألوفة في البرلمان الاسرائيلي.
وامام صورة كهذه سيكون على شارون الاستعانة بالمعارضة، وهناك شك في ان يحصل على تأييد الكتلتين الدينيتين بالكامل، وهما تضمان 16 نائبا (11 لكتلة شاس و5 لكتلة يهدوت هتوراة)، فكتلة شاس كانت قد صوتت قبل 11 عاما على اتفاق اوسلو الاول، وهناك نقاش بين الاوساط الدينية حول ما إذا قطاع غزة جزء من "ارض اسرائيل الكاملة" أم لا.
كذلك قد يكون شارون بحاجة الى تأييد من حزب "العمل" وكتل صغيرة اخرى، ولربما يقف شارون امام واقع فيه ان غالبية مؤيدي خطته للانسحاب من قطاع غزة هم من المعارضة، تماما كما جرى في اوائل شهر ايلول/ سبتمبر الماضي، حين انقذت المعارضة الحكومة في التصويت داخل اللجنة البرلمانية لشؤون المالية على تحويل ميزانية للطاقم الحكومي الذي سيشرف على الشؤون المدنية لخطة الانسحاب ومن ضمنها دفع "تعويضات" للمستوطنين.
إن ارتكاز شارون على المعارضة لتمرير برنامجه سيضعه مجددا امام سؤال حول الخيار الذي سيختاره، هل يبحث مجددا عن شريك دائم وثابت في حكومته، ام ان يقرر الاتفاق مع كبرى احزاب المعارضة على التوجه الى انتخابات برلمانية جديدة مبكرة.

الكتل الفاعلة في الوسط العربي لا تؤمن بخطة شارون

في الكنيست، وللحقيقة هناك سد يسقط من حسابات شارون في قضايا التأييد والدعم ويتشكل من 14 نائبا، وحتى بالامكان القول من 16 نائبا، في مركزه الكتل الثلاث الفاعلة بين العرب في اسرائيل، كتلة "الجبهة الديمقراطية والعربية للتغيير"، وحزب "التجمع الوطني الديمقراطي"، والقائمة العربية الموحدة، وهذه الكتل الثلاث لها 8 مقاعد، يضاف اليهم 6 مقاعد من كتلة "ياحد" (ميرتس) سابقا، وهناك امكانية ايضا لضم عضوين من كتلة "عام إحاد" (3 اعضاء بالاصل) بزعامة رئيس الهستدروت عمير بيرتس يعارضان الانضمام لحكومة شارون ودعمها في اي مسألة لاسباب اقتصادية اجتماعية.
وقد توجه "المشهد الاسرائيلي" لاستطلاع آراء الكتلة الثلاث الفاعلة بين العرب حول ما يجري في الساحة البرلمانية واحتمالات تأييدهم لخطة شارون للانسحاب من قطاع غزة.

الدورة ستنتهي ليس كما بدأت

على اي حال بالامكان التلخيص انه لا يمكن لهذه الدورة البرلمانية ان تنتهي في الربيع القادم كما ستبدأها في الاسبوع القادم، ولا شك اننا مقبلون على نوع من التغيير الملموس على الخارطتين البرلمانية والحزبية، وسيكون لهذا انعكاس هام على السياسة الاسرائيلية من الصعب تحديده منذ الآن، خاصة وان الكثير من المؤثرات المحلية والاقليمية والعالمية ستلعب دورا في المجريات على الحلبة الاسرائيلية الداخلية.

 


تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر