يظهر شمعون بيرس، الزعيم الاسرائيلي التاريخي، في الكثير من المحافل الدولية وكأنه "رجل سلام"، لا بل أقام لنفسه مركزا اطلق عليه اسم "مركز بيرس للسلام"، وينجح في استقطاب شخصيات في العالم تلتف من حوله، ولكن الى أي مدى يسعى بيرس الى السلام الحقيقي والثابت القادر على الحياة.
في شهر آب (اغسطس) القادم سينهي بيرس عامه الـ 82، ولكن هذا لا يمنعه من مواصلة عمله السياسي، وأي عمل سياسي؟!، فهو اليوم يخوض الانتخابات الداخلية في حزب "العمل"، لانتخاب رئيس جديد للحزب لولاية اربع سنوات، وليقود حزبه في الانتخابات البرلمانية القادمة، ايضا لولاية برلمانية من اربع سنوات، وتشير استطلاعات الرأي الى تفوقه وفوزه شبه المؤكد على منافسيه، ولضمان هذا الفوز شجع شخصيات في الحزب على المنافسة، لانشاء سد منيع يمنع رئيس الحكومة السابق ايهود براك من العودة الى رئاسة الحزب، وتشير التوقعات الى ان المتنافسين عمير بيرتس، رئيس اتحاد النقابات الاسرائيلية، الهستدروت، والوزير متان فلنائي سينسحبان من المنافسة في اللحظة ما قبل الأخيرة ليدعما بيرس، أو انهما سيستمران في المنافسة لدعم بيرس في الجولة الثانية من الانتخابات، إذا لم تحسم في الجولة الأولى.
ويلوح بيرس في حملته الانتخابية بسلسلة من الخطابات، وكل خطاب موجه للجمهور الذي امامه، فإذا كان أمامه عرب فليس لديه سوى الحديث عن السلام مع الفلسطينيين وعن مساواة الحقوق لفلسطينيي 48، أما إذا كان جمهوره من اليهود فهذه مناسبة "لطيفة" ليتباهى فيها بماضيه العسكري، كما حدث في لقاء له مع مؤيديه في مدينة بئر السبع في الايام الاخيرة، حين تباهى بدوره المركزي والاساسي في بناء مفاعل ديمونة النووي، وهو يعتبر باني المعاني، وراح يشرح لهم كيف ان مئات العاملين عملوا في هذا المفاعل، حافظوا على السر على مدى سنوات طوال، ومنهم من توهّم ان اسرائيل تبني مصنع نسيج متطور الأول من نوعه في العالم.
ومن الأمور التي يتميز بها بيرس، هو انه في جميع حروب اسرائيل كان في دائرة اتخاذ القرار، باستثناء حرب لبنان في العام 1982، ولكنه دعم هذه الحرب بقوة.
وفي السنوات العشر الأخيرة وقع بيرس في امتحانين كشفا عن جوهر السلام الذي يسعى له مع الفلسطينيين، الأول حين شارك في قيادة حكومة يتسحاق رابين، وتولى رئاسة الحكومة بعد اغتيال الأخير، ففي تلك المرحلة تقدمت اسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية كثيرا في المفاوضات، وكانت ترد في تلك المرحلة معلومات مفادها ان هناك خلافات بين بيرس ورابين، بدعوى ان رابين ذهب بعيدا في اتجاه الفلسطينيين، وان بيرس لم يرض بهذا، وخاصة في ما يتعلق بمنطقة القدس المحتلة.
وتأكدت هذه المعلومات في صيف العام 2000، خلال قمة كامب ديفيد التي جمعت رئيس الحكومة براك والرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، بحضور الرئيس الامريكي السابق بيل كلنتون، ففي اللحظة التي أشيع فيها وكأن ايهود براك وافق على الانسحاب من 96% من اراضي الضفة الغربية، لم ينتظر بيرس الاستيضاح بل ركض الى الاعلام ليهاجم هذه "النية" المعلنة، وقال بوضوح انه لو هو الذي قاد المفاوضات لما كان ينسحب من أكثر من 80% من الضفة الغربية من دون أي حديث عن مدينة القدس المحتلة واللاجئين.
أضف الى هذا فإن بيرس معروف على الساحة السياسية الاسرائيلية كمن مشروعه الأول هو الحفاظ على وجوده في حلقة اتخاذ القرار في اسرائيل بمعنى الحكومة، بغض النظر عن المكانة، وعلى هذا الاساس جرّ حزبه للائتلاف مرتين في حكومتي اريئيل شارون، في الحكومة السابقة التي قاد فيها الحزبان، "العمل" والليكود"، العدوان الشرس على الضفة الغربية، وفي الثانية الحالية لتنفيذ خطة الفصل، التي قبل بيرس بأهدافها المبطنة، فمن خلف اخلاء مستوطنات قطاع غزة واربع مستوطنات في شمال الضفة الغربية تريد اسرائيل السيطرة كليا تقريبا على الضفة الغربية، ولم يبد بيرس أي تحفظ من كل ما ينشر ويقال على لسان رئيس الحكومة اريئيل شارون، وكبار مسؤولي الحكومة في هذا المجال.
الى جانب كل هذا فإن فوز بيرس بزعامة حزبه ستوطد من جديد أزمة القيادة في الحزب، وهي الأزمة التي اثقلت عليه، وكانت مساهما اساسيا في تراجع قوة الحزب، من اكبر حزب في اسرائيل على الاطلاق الى الحزب الثاني، وحتى ان قوته البرلمانية تساوي نصف قوة الحزب الأول "الليكود"، وهذا ما يضمن اختفاء البديل لحكومة "الليكود"، حتى في الانتخابات البرلمانية القادمة، التي قد تجري في غضون عدة اشهر، واقل من عام.