حقق رئيس الحكومة الاسرائيلية، رئيس حزب الليكود الحاكم، اريئيل شارون، في منتصف ليلة الاثنين/ الثلاثاء، مفاجأة في اللجنة المركزية لحزبه، التي تضم ثلاثة آلاف عضو، حين تغلّب على خصومه، ورفضت اللجنة اقتراحا بتقديم موعد الانتخابات لرئاسة الحزب، الذي كان يعني حجب الثقة عن شارون.
وفي الحقيقة فإن المفاجأة كانت بالاساس لخصومه، وعلى رأسهم الوزير المستقيل ورئيس الحكومة الاسبق بنيامين نتنياهو، لأن احتمال فوز شارون كان مطروحا من قبل المحللين، ولكن كاحتمال ضئيل جدا، خاصة وأن استطلاعات الرأي كانت تنبئ بفارق كبير لصالح معارضيه، وصل في بداية الامر الى 11% وتقلص لاحقا الى ما بين 6% الى 2%، وفي النهاية فاز شارون بفارق 3%.
لقد انشغلت الساحة السياسية في هذه المسألة طيلة أكثر من شهر، ونجحت اسرائيل، كعادتها، في اشغال الرأي العام العالمي معها، وبالاساس قادة الاسرة الدولية، ووصل الأمر الى حد مطالبة الادارة الامريكية حلفائها بعدم الضغط على شارون وحكومته، "نظرا للضغوط التي يواجهها في الحلبة السياسية في اسرائيل"!.
في الحقيقة انه ما كان بالامكان الاستخفاف بالأزمة الناشئة في حزب الليكود، لأن النتيجة العكسية كانت ستقود الى بدء انهيار حكومة شارون، والاستعداد لانتخابات مبكرة، وانشقاق فوري في حزب الليكود الحاكم، على الرغم من انه من الناحية السياسية العامة فإن الوضع لن يختلف كثيرا، خاصة وان الأزمة تدور في معسكر اليمين وفي فلكه، وهذا المعسكر بكافة اطرافه يشهد توافقا حول الأهداف السياسية الاساسية، ولكن يختلف على الوسيلة الكفيلة بتطبيق هذا، الى جانب حرب الكراسي، والسباق على كرسي رئاسة الحكومة.
ففي الفترة الحالية، وحسب المعطيات الميدانية، وما تقره حكومة اريئيل شارون- شمعون بيرس، تباعا، فإنه لا أحد يستطيع أن ينافس شارون في مشاريع الاستيطان في الضفة الغربية، ولا يمر اسبوع من دون ظهور مشروع جديد يؤكد ان اسرائيل عازمة على تحويل الضفة الغربية الى كانتونات فلسطينية مغلقة وغير متصلة ببضعها، أما في ما يخص بهضبة الجولان السورية المحتلة، فإنها سقطت كليا من جدول الاعمال السياسي في اسرائيل، وينتشر الاستيطان فيها بكثافة، وحتى قطاع غزة الذي تم اخلائه من الداخل فإنه يخضع الى حصار بري وبحري وجوي، ناهيك عن العدوان الذي يواجهه.
ونعود من هنا الى الأزمة السياسية في اسرائيل، وما هو واضح فإن فوز شارون لا يمكنه انهاء الأزمة السياسية الحزبية في اسرائيل، فالأجواء السياسية العامة دخلت مرحلة ترقب لموعد الانتخابات البرلمانية المقبلة، التي موعدها الاصلي هو شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 2006، ولكن الحلبة الحزبية تتوقع تقديم هذا الموعد، وعادة حين تدخل اسرائيل في دوامة الحديث عن انتخابات مبكرة، فإن هذا يتحول الى كرة ثلجية متدحرجة، ولا يكون مفر من اجرائها، وتتوقع غالبية المحللين وحتى السياسيين، ان تجري هذه الانتخابات حتى شهر أيار (مايو) المقبل.
فشارون الذي فلت، قبل يومين من لجنة حزبه المركزية، من الصعب عليه ان يفلت من الأزمة الائتلافية التي تنتظره، فشريكه الأكبر حزب "العمل" ينتظر هو الآخر ان ينتخب رئيسه الجديد، في الاسبوع الاول من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) القادم، ليقرر بعد ذلك وجهته، وعلى الأغلب فإن حزب العمل سيبقي على رئيسه الحالي شمعون بيرس، وعلى الرغم من عشق بيرس لكرسيه المخملي، إلا انه لا يستطيع وفق الظروف القائمة ان يتوجه الى انتخابات برلمانية وهو شريك في حكومة شارون، التي عليه مهاجمتها من حلبتين، الحلبة الأولى هي الحلبة السياسية، ومحاولة الظهور ببرنامج سياسي يدعي انه يعطي دفعة للعملية السياسية، ولكن أكثر من هذا، ففي الحلبة الثانية، سيحاول حزب العمل "تفجير" الائتلاف الحكومي على خلفية الموازنة العامة للعام القادم 2006، إذ سيطالب هذا الحزب بتحويل ميزانيات أكثر للشرائح الفقيرة والمتوسطة.
وحين سيفقد شارون شريكه الحالي سيكون من الصعب عليه اقامة ائتلاف جديد ثابت وقادر على السير وفق برنامجه، اضافة الى هذا فإن شارون، وعلى الرغم من فوزه المذكور، إلا انه لم يحسم أمره بعد بشأن بقائه في حزب الليكود ومنافسته على زعامته، أم انه سيقرر اقامة حزب جديد، حسب ما يتردد في الحلبة السياسية في اسرائيل.
ولكن هذا الفوز لا شك في انه سيعيد الكثير من الحسابات لدى شارون وخصومه، وقد يعتقد شارون ان هذا الفوز يزيد من فرص فوزه مجددا في زعامة الحزب، خاصة وان مجموعات في الحزب التي ترتزق على مصالحها الذاتية ومصالح المقربين لها قد تنقل ثقلها الى معسكر شارون، بصفته المعسكر الرابح، وهذه ظاهرة منتشرة بشكل خاص في حزب الليكود، ولكن ايضا في الأحزاب الكبيرة في اسرائيل.
كذلك فإن اعادة الحسابات ستكون في المعسكر المعارض لشارون، وأكبر الخاسرين هو نتنياهو، الذي قفز مجددا على المنافسة، على الرغم من ان اليمين المتطرف الذي يقود المعركة ضد شارون، لا يأتمن جانب نتنياهو نظرا لتجربته السابقة في الحكومة التي قادها بين الاعوام 1996 و1999، وفيها فاوض منظمة التحرير الفلسطينية وانسحب من مدن فلسطينية في الضفة الغربية المحتلة.
ومن المتوقع ان يشهد معسكر نتنياهو تراجعا، إما لصالح المنافس الثالث، قائد مجموعة المتمردين على شارون في كتلة الليكود البرلمانية عوزي لنداو، او حتى لصالح شارون نفسه، الذي في الاشهر السبعة المقبلة، الى حين موعد الانتخابات لرئاسة الحزب، سيثبت شارون القول بالفعل في كل ما يتعلق بمشاريعه الاستيطانية الرهيبة في الضفة الغربية.
لقد خرج شارون منتصرا على خصومه، وهذا سيعطيه قوة اضافية في صفوف قيادة الحزب، ولا شك في انه سيقوم بحملة تصفية حسابات، خاصة مع الوزراء الذين انضموا لنتنياهو ضده، بعد ان خدعتهم الاستطلاعات، وهربوا من سفينة شارون قبل غرقها، تماما كما تفعل الفئران.
ولكن الأهم هو ان ننتبه، نحن الذين لا شأن لنا بأزمات اسرائيل الداخلية، فعلينا ان لا نغرق في أزمات شارون وحكومته، لأن حكومة بقيادة شارون او خصومه في اليمين لن تغير في الواقع السياسي الخطير، كما ان استطلاعات الرأي تؤكد ان اي انتخابات برلمانية جديدة في اسرائيل ستفرز المزيد من التصدعات السياسية وتعيد اليمين الى الحكم، خاصة وان البديل النظري لحكم الليكود، وهو حزب العمل بقيادة شمعون بيرس، ينفذ بهدوء كامل، ومن خلال مشاركته في الحكم، سياسة الاستيطان وتدمير الضفة الغربية.