*شارون اتخذ القرار سرا بتزامن مع اقرار حكومته لقرار اخلاء قطاع غزة، لغرض مشاريع استيطانية ضخمة*
رويدا رويدا تتكشف الحقائق أكثر فأكثر من خلف ما يسمى بخطة الفصل، التي بادر اليها اريئيل شارون، و"جديد" اليوم هو قرار حكومي سري، اتخذه شارون بتزامن مع اقرار حكومته لخطة الفصل من اجل تنفيذ لمشروع استيطاني رهيب، يهدف الى سلب أملاك فلسطينيين في الضفة لأراضيهم وأملاكهم التي ضمتها اسرائيل قسرا الى منطقة نفوذ القدس، هذه المنطقة التي وسعتها اسرائيل لنفسها في فترات مختلفة.
فقد كشف الصحفي ميرون رابابورت، في صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية الصادرة يوم الجمعة الماضي، عن هذه المؤامرة الاحتلالية الاسرائيلية، التي حيكت سرا، لمصادرة أملاك ضخمة في القدس الشرقية المحتلة تعود ملكيتها للفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، في اطار ما يسمى بـ "قانون أملاك الغائبين"، الذي سنته اسرائيل في العام 1950، وتريد الآن تطبيقه على فلسطينيي الضفة، وحتى على الفلسطينيين في ضواحي القدس، الذين اصبحوا خلف جدار الفاصل الذي تبنيه اسرائيل.
ويجري الحديث عن مساحات شاسعة من الأراضي، وهناك من يقدرها بآلاف الدونمات، ومباني وبيوت، ويقول ربابورت، ان الحكومة الاسرائيلية اتخذت هذا القرار سرا في شهر حزيران (يونيو) الماضي، بتزامن مع اقرارها لخطة الفصل، القاضية باخلاء قطاع غزة وشمالي الضفة الغربية واعادة الانتشار حول هاتين المنطقتين، وقد صادق على القرار رئيس الحكومة اريئيل شارون، والمستشار القضائي للحكومة ميني مزوز، إلا ان حكومة شارون ابقت القرار سرا، ولم تنشره ضمن قراراتها، وعلى ما يبدو نظرا لخطورته.
وينص أحد بنود القانون العنصري، المسمى "قانون أملاك الغائبين"، ان أملاك كل من يعيش في "ارض اسرائيل"، حسب نص القانون (فلسطين التاريخية)، ولا يعيش ضمن دولة اسرائيل، بمعنى حيث لا يسري القانون الاسرائيلي، في الضفة الغربية وقطاع غزة، فإن أملاكه ستعتبر أملاك غائبين، وتكون تحت تصرف "حارس الأملاك"، الذي ينقلها بدوره لأملاك "الدولة".
وتبين ان المستشار القضائي للحكومة في العام 1967، مئير شمغار، الذي اصبح لاحقا رئيسا للمحكمة العليا، اصدر قرارا يقضي بعدم تطبيق القانون على فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة، في اعقاب ضم اسرائيل القدس المحتلة "لسيادتها"، كما ان رئيس الحكومة الاسرائيلية الاسبق يتسحاق رابين، أكد على قرار شمغار في العام 1993، وعلى الرغم من هذين القرارين، إلا ان شارون طلب قلبه بما يتلاءم مع مخططاته الاحتلالية في الضفة الغربية والقدس.
ويقول ربابورت في تقريره، انه بعد اقامة الجدار، بين القدس ومدينتي بيت لحم وبيت جالا توجه عدد من المزارعين الفلسطينيين في هاتين المدينتين وقراهما المجاورة الى سلطات الاحتلال طالبين تأمين وصولهم الى أراضيهم الزراعية، التي ضمتها اسرائيل الى منطقة نفوذ القدس، ورفضت سلطات الاحتلال هذا الطلب، بادعاء ان هذه الأراضي اصبحت في عهدة "حارس أملاك الغائبين"، ويجري الحديث ايضا هنا عن آلاف الدونمات الزراعية التي فلحها وزرعها اصحابها على مدى عشرات ومئات السنين، وقسم كبير منها كروم زيتون.
ويؤكد الاهالي الفلسطينيون انهم يواجهون حملة سلب أراضي تقوم بها سلطات الاحتلال، ويتخوفون من ان تنفذ سلطات الاحتلال على أراضيهم مشاريع استيطانية وتحرمهم من أراضيهم. كما حذرت مصادرة قضائية في حديث للصحفي المذكور من تنفيذ هذا القرار، وقالت، "ليس من المعقول حرمان شخص من أملاكه، لأنه اصبح محروما من الوصول اليها بفعل الجدار الفاصل".
ونأتي هنا على مقاطع واسعة، وبتصرف، من التقرير الذي اعده الصحفي ربابورت، ونلفت النظر الى انه في الفقرات اللاحقة سيظهر احيانا مصطلح "شرقي القدس" بدلا من القدس الشرقية، ويستخدم هنا من باب الدقة في ترجمة تصريحات بعض المسؤولين الذين يصرحون للصحفي المذكور.
بجرة قلم يخسر الفلسطينيون أملاكهم
بالمختصر، فبجرة قلم في قرار واحد فقد آلاف الفلسطينيين، ولربما اكثر، أملاكا بقيمة مئات ملايين الدولارات، لقد حولت اسرائيل نفسها الى الملاّك الرسمي لهذه الأملاك الضخمة، ولا شيء غير ذلك. دون ان يكون بامكان الملاكين الحقيقيين الاستئناف او الحصول على شيكل واحد تعويض، لأنه في نظر اسرائيل فإن هؤلاء الناس الاحياء، الذين يعيشون في بيت لحم وبيت ساحور، أو في رام الله، ولهم كروم زيتون أو أراضي أو بيوت داخل منطقة نفوذ القدس هم ليسوا احياء، بل هم غائبون.
إن نص قرار اللجنة الوزارية لشؤون القدس، الذي اقرته الحكومة، هو قرار فظ وبيروقراطي، فهو "فقط" يوسع صلاحيات حارس أملاك الغائبين، وجاء في القرار: " قررت اللجنة الوزارية ان توضح بأن صلاحيات حارس الأملاك ستكون سارية ايضا على شرقي القدس" (القدس الشرقية).
لقد تم سن قانون أملاك الغائبين في العام 1950، ويعرّف الغائب بأنه الشخص الذي في الفترة ما بين 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 1947 وحتى الاول من ايلول (سبتمبر) 1948 موجود في أي بقعة من ارض اسرائيل (فلسطين التاريخية) ولكنه لا يعيش ضمن دولة اسرائيل، بمعنى في الضفة الغربية وقطاع غزة، او في دول عربية اخرى، تنقل أملاكه الى حارس أملاك الغائبين، دون اي حق بالاستئناف او التعويض، ثم توسّع القانون ليشمل الأملاك التي نقلها اللاجئون الفلسطينيون لفلسطينيين مواطني اسرائيل، أولئك الذين اطلق عليهم لقب "الحاضر غائب"، وتم نقلها لملكية دولة اسرائيل.
بعد نحو اسبوعين من انتهاء عدوان حزيران في العام 1967 التي احتلت خلالها الضفة الغربية وقطاع غزة وهضبة الجولان، قررت حكومة اسرائيل، في الثامن والعشرين من الشهر نفسه فرض القانون الاسرائيلي على القدس الشرقية. وتستخدم اسرائيل مصطلح "شرقي القدس" وليس القدس الشرقية، وهذا المصطلح الاسرائيلي فيه الكثير من التلضليل، فالقدس الشرقية قبل 1967 كانت تمتد على 38 كيلومترا مربعا، وشملت البلدة القديمة والاحياء المجاورة لها، إلا ان القدس الشرقية التي ضمتها اسرائيل لنفسها تمتد على 108 كليومترات لتشمل 28 قرية فلسطينية، لم تكن تابعة للمدينة من قبل.
ويقول مستشار رئيس بلدية القدس الغربية الاسبق امير حيشين، إن رسم خارطة القدس جرى بشكل فظ، فقد وضعوا نقاطا على الخارطة، ووصلوا في ما بينها بخطوط، ولم تكن خرائط مفصلة للقدس، وهذا ما يؤكده ايضا مستشار آخر لرئيس البلدية الاسبق تيدي كوليك، وهو ميرون بنبنستي.
ومع فرض القانون الاسرائيلي على القدس الشرقية، تم فرض قانون أملاك الغائبين، وهنا نشأت المشكلة، فحسب القانون فإن كل مواطن مقدسي لم يكن خلال حرب 1948 داخل دولة اسرائيل جرى اعتباره غائبا، وبذلك فقد أملاكه، وحاولت اسرائيل بداية سلب جميع أملاك الفلسطينيين في القدس المحتلة، ولكن المعارضة كانت بالذات في داخل الحكومة في حينه.
ويقول بنبنستي: "لقد كانت محاولة لعدم تكرار تجربة 1948، وان تقلل اسرائيل قدر الامكان من اضرار ضم القدس لاسرائيل، ومحاولة خلق اساس للتعايش". وجرى تغيير القانون لكي لا يسرى على مواطني القدس، ولكن من جهة أخرى فقد بقيت وضعية أملاك فلسطينيي الضفة الغربية في القدس بضبابية، فمثلا جرى نزع 15 الف دونم من بيت لحم وضمها لمنطقة نفوذ القدس، حسب الخريطة الاسرائيلية الاحتلالية. وطوال الوقت كان الملاكون الفلسطينيون تحت تهديد حارس الأملاك الاسرائيلي، الذي كان يعتبرهم غائبون، ولهذا لم يتجرأوا على تسجيل أملاكهم في الطابو الاسرائيلي لكي لا يفقدونها رسميا، وهذا هو السبب لكون عدد الأملاك المسجلة في الطابو لاسرائيل اكثر من أملاك الفلسطينيين، ولكن عمليا فإن عدم التسجيل لم يمس بملكيتهم.
في سنوات اواخر الستينيات، اصدر المستشار القضائي للحكومة الاسرائيلي مئير شمغار، الذي اصبح لاحقا رئيس المحكمة العليا (وتقاعد)، تعليمات تقول ان مواطني الضفة الغربية بامكانهم الوصول في كل لحظة الى القدس، ليثبتوا انهم موجودون، وان يطلبوا أملاكهم، ولن يتم اعتبارهم غائبين. وجاء في القرار: "يتم تحرير الأملاك غير المنقولة في القدس التابعة لمواطني يهودا والسامرة لهم"، وحصلت هذه التعليمات على موافقة وزير القضاء الاسرائيلي في حينه يعقوب شمشون شبيرا، الذي كان يرأس اللجنة الوزارية لشؤون القدس، واستمرت هذه التعليمات سارية طيلة 37 عاما، الى ان تم الغاؤها بهدوء في جلسة الحكومة قبل نصف عام.
ويؤكد مستشارا رئيس البلدية الاسبق تيدي كوليك، حيشين وبنبنستي على ان كوليك كان على علم بامكانية تطبيق قانون الغائبين على الأملاك في القدس، إلا انه رفض ذلك، ويقول حيشين، في التقرير الصحفي، في العام 1990 اكتشف انه كان ساذجا، "فقد عملت وزارة الاسكان في عهد وزير الاسكان في حينه اريئيل شارون كثيرا من اجل السيطرة على أملاك في البلدة القديمة وفي سلوان من خلال الاعلان عن أملاك الفلسطينيين كأملاك غائبين، وكانت شبهات بأن بعض الاجراءات لم تكن سليمة، وقد وجدت لجنة تحقيق برئاسة مدير عام وزارة القضاء في حينه حاييم كلوغمان الكثير من الاخطاء والاجراءات غير القانونية، فقد تمت السيطرة على أملاك بعد ان حصلت جميعات يهودية على تصريحات ادعت ان اصحاب هذه الأملاك غائبين"، وقالت اللجنة في تقريرها، "لم يفحص حارس الأملاك، ابدا، مدى صدق هذه التصريحات والبيانات، كما ان حارس الأملاك لم يزر الأملاك للتأكد منها، ولم ير مقدموا التصريحات، ورغم ذلك اعلن عن الأملاك كأملاك غائبين".
في اعقاب تقرير اللجنة تشبث كوليك بموقفه الرافض لتطبيق القانون، وجاء في تلخيص لقاء له مع رئيس الحكومة الاسبق يتسحاق رابين، "لقد اعرب رئيس الحكومة عن موافقته بأن لا يطبق القانون ولا يخلي مواطنين من بيوت في شرقي القدس". وكان من المفروض ان تنص المدعية العامة في حينه، دوريت بينيش، قرارا بروح التلخيص، كما جرى الحديث عن تغيير القانون لكي لا يسري على مواطني الضفة الغربية، ولا يتم اعتبارهم غائبين بالنسبة لأملاكهم في القدس الشرقية.
من خلف التبريرات الامنية
ما الذي أدى الى تغيير موقف الحكومة؟ لقد رفض ديوان رئيس الحكومة تقديم تفسيرات واكتفى باعلان موجز. ويقول مصدر قضائي مشارك في تحديد السياسة في هذا المجال، إن تطبيق قانون أملاك الغائبين على القدس مرتبط ببناء الجدار الفاصل، وقال: إن "أملاك هؤلاء الناس اعتبرت دائما على انها أملاك غائبين، ولكن طوال الوقت الذي لم يكن فيه جدار، كان بامكانهم الوصول الى أملاكهم، واقامة الجدار يستوجب تطبيق عدد من القوانين، مثل قانون أملاك الغائبين، وقانون الدخول الى اسرائيل، الذي بموجبه يحظر على مواطني المناطق الفلسطينية الدخول الى القدس".
وكالعادة فإن كبار ساسة اسرائيل ومسؤوليها يتذرعون دائما بحجج "الأمن"، ويدعي مسؤول كبير في التقرير الصحفي قائلا: "إن الجدار هو نتيجة "للارهاب" ومقتل 130 (اسرائيليا) شهريا، وحين نبني الجدار تنشأ عدة اوضاع. صحيح انه ليس من المنطق ان يتحول شخص الى غائب، لأن طريق الوصول الى ارضه تم قطعها، وليس بذنبه، ولكن الاخلاق هنا هي شيء، وما يكتب في قوانيننا شيء آخر".
وحسب اقوال نفس المسؤول الاسرائيلي، فإن "احد التخوفات" هو انه إذا ما تقرر ابقاء ملكية الفلسطينيين في القدس، فإن هذا سيضع جميع أملاك الغائبين في اسرائيل كلها تحت علامة سؤال، ولا توجد نية لتغيير القانون او منح تعويضات، "فمن المتوقع ان تكون لامر كهذا انعكاسات كثيرة، وهذا يعيدنا الى كل مسألة اللاجئين".
ويعتقد مستشار رئيس بلدية القدس الغربية شالوم غولدشتاين، ايضا، ان قرار الحكومة الأخير مرتبط بمسألة الجدار، ولكنه لا يعرف ما حاجة هذا القرار اليوم، ففلسطينيي الضفة كانوا دائما في اعتبار الغائبين، ويرفض غولدشتاين هذا، تأكيد الفلسطينيين انهم دائما كانوا يعملون في أراضيهم ويزرعونها ويفلحونها، ويعتبرها "ان هذا ليس مبررا"، ويقول: إن "الأمر الاساسي انهم غائبين، فهم تابعون لكيان آخرين، ومن الفشل ان لا تطبق اسرائيل القانون طوال السنوات، من المفضل ان تضع اسرائيل يدها على أملاك الغائبين، من ان يسيطر عليها الجنائيون العرب الذين ينشطون في شرقي القدس، نعم من الافضل ان تأخذ الدولة الارض وتعمل بها من ان يسيطر عليها جنائيون".
ويدعي غولدشتاين، وهو ضابط عسكري سابق، انه في القدس الشرقية هناك الكثير من العرب الذين يسلبون أراضي فلسطينيين غيرهم الذين يعتبرون غائبين، ويقول ان الدولة لم تتدخل، ولم تعمل على تسجيل نفسها كمالكة لهذه الأراضي، على الرغم من ان سجلات الأراضي بأيديها، وكان الأمر ممكنا، ويصف غولدشتاين عدم اقدام الدولة على هذا بأنه "اهمال اجرامي"، ونقص بالميزانيات، وليس لاسباب مالية.
إلا أن آخرين يعتقدون انه ليس الجدار وحده يقف في صلب القرار الحكومي الجديد، بل ايضا بسبب النية لتوسيع احياء يهودية، وفصل الاحياء العربية المقدسية عن البلدات العربية المحيطة بالقدس وخلق تواصل بنياني سكاني بين القدس ومستوطنات غوش عتسيون، التي لها علاقة بالمشروع، والاعمال الميدانية تثبت هذه الأمور.
خذوا قرية الولجة كمثال، فهذه القرية في جنوب غرب القدس، جنوب سكة الحديد، نصفها في منطقة نفوذ القدس ونصفها الآخر في الضفة الغربية، ويقول المحامي ايتان بيليج، انه على مدى سنوات طوال، لم ينتبه احد الى ان قسما من القرية تابع للقدس، وان المواطنين تلقوا الخدمات من بلدية بيت لحم، ولم تقدم بلدية القدس الغربية لهم اي خدمات، في خرائط العام 1967 لم تظهر القرية بتاتا، ولهذا تم تسجيل المواطنين في بيت لحم.
في منتصف سنوات الثمانين "اكتشفت" السلطات القسمة في قرية الولجة، ثمانون بيتا في داخل منطقة نفوذ القدس، ولكن المواطنين بقوا مع بطاقات هوية من التي يحصل عليها مواطنو الضفة، ويعاني الاهالي من الوضعية الضبابية التي يعيشونها، بيوتهم في منطقة تفرض اسرائيل عليها القانون الاسرائيلي وليس لديهم هويات اسرائيلية، ومن مشاهد الغرابة، ان قوات ما يسمى بـ "حرس الحدود" كانت تأتي بين الحين والآخر الى القرية وتعتقل اهالي البيوت بادعاء انهم متواجدون في "الأراضي الاسرائيلية" من دون ترخيص، حتى انه تمت مصادرة حافلة للركاب لانها أقلت طلابا "متواجدين بدون ترخيص على أراضي اسرائيلية"، وهم اطفال القرية، وكانت الحافلة تقلهم للدراسة في بيت جالا.
وسيمر الجدار قرب البيوت، ولم تتورع وزارة الداخلية الاسرائيلية عن التهديد بهدم البيوت، بادعاء انها اقيمت من دون ترخيص اسرائيلي، ويؤكد اهالي القرية ان نحو 10 آلاف دونم تابعة لهم ستبقى خارج الجدار، بين القرية وبين حديقة الحيوانات "التوراتية" في القدس (حديقة حيوانات اقامتها اسرائيل تضم حيوانات كانت فصيلتها موجودة قبل آلاف السنين)، وتخطط شركة مقاولات كبيرة لبناء حي ضخم يضم 13 ألف وحدة سكانية، على ثلاثة آلاف دونم من هذه الأراضي، ويقدر اهالي بيت جالا أملاكهم المهددة، واصبحت في منطقة نفوذ القدس وخلف الجدار الفاصل، بحوالي اربعة آلاف دونم زراعي، وهذه الأراضي هي مصدر رزق لحوالي 200 عائلة، واكثر من الف انسان.
مخططات بناء واسعة
خربة مزمورية، تلة صغيرة، وشكلها "يستدعي البناء"، تقع في الزاوية الجنوبية للقدس، امام بيت ساحور، وهذا ما يوضح الأمر اكثر. ففي اقتراح الخارطة الهيكلية لبلدية القدس الغربية الذي نشر مؤخرا تم وضع علامات لحي سكاني يهودي جديد سيكون متصل بالحي الاستيطاني "هار حوما"، الواقع على جبل ابو غنيم، وعلى أراضي تابعة لاهالي قرية بلدة بيت ساحور المجاورة.
وحين سأل الفلسطينيون، كيف من الممكن اقامة حي يهودي على أراضيهم، كان جواب السلطات الاسرائيلية واضحا، بأن هذه أملاك غائبين، وبالامكان البناء عليها، وليس هذا فقط بل هناك حي آخر سيبنى على أراضي بوضعية مشابهة وهي مجاورة لبلدة بيت جالا.
ويؤكد بنبنستي، على "ان هذا محاولة للوصل بين مستوطنة افراتا والقدس، وبين مستوطنة جيلو ومستوطنات غوش عتسيون"، ويقول بنبنستي، إن مشكلة اصحاب الأراضي (يقول مشكلة من باب التهكم)، "ان أراضيهم جيدة زراعيا، ولا يمكن الاعلان عنها كأراضي دولة، كما جرى الحال مع أراضي البور التي في الضفة الغربية وتم بناء المستوطنات عليها، لهذا تم الاعلان عنها كأملاك غائبين تمهيدا لاستخدامها لغرض الاستيطان.
ويقول المحامي شمعون دولان، "إن القانون قاسي ويطرح الكثير من التساؤلات، من كل جوانبه، إن كان بوجوده اصلا وصيغته، ومدى صلاحيته في هذه الايام"، ويضيف، "إن الاشكالية هنا انهم يسحبون من الدُرج قانون منذ 55 عاما من اجل ان يفقد الشخص بيته في القدس".
نستذكر تصريحات شاؤول موفاز
نجح الصحفي ميرون رابابورت في كشف هذه المؤامرة لأول مرّة، وعالجه بالشكل التضامني المطلوب، وهذا التقرير يجعلنا نستذكر تصريحات وتحركات لوزير "الأمن" شاؤول موفاز، في اليوم التالي لاقرار حكومة شارون، في مطلع شهر حزيران (يونيو) الماضي، فقد اختار موفاز في صبيحة اليوم التالي التوجه الى مستوطنات غوش عتسيون، وعقد مع قادة المستوطنات لقاء مغلقا، تسربت بعض تفاصيله الى الخارج، وابرزها ان اسرائيل تعتزم مصادرة 50 الف دونم في هذه المنطقة الواقعة بين منطقة القدس ومنطقة بيت لحم وبيت جالا، وان يتم ضم هذه المساحة لمستوطنات غوش عتسيون لتوسيعها.
وفي حينه لم يتم التركيز على تفاصيل هذا المخطط الاستيطاني، ولم يكشف موفاز كل اوراقه، الى ان كشف عن المشروع الآن، وهو مشروع خطير، ولكنه واحد في سلسلة مشاريع أخرى تعد لها حكومة شارون، بشكل مواز لاخلاء قطاع غزة واعادة الانتشار حوله، وبشكل خاص الربط بين القدس المحتلة ومستوطنة معاليه ادوميم بتواصل بنياني سكاني.
وهذه ليست المرّة الأولى التي يعمل فيها شارون على الحصول على ثمن ضخم مقابل اي تحرك سياسي، ففي العام 1981، وحين كان وزيرا للحربية، كان رئيس الحكومة في حينه مناحيم بيغن بحاجة له لكي يتم اخلاء مستوطنة يميت في شمال صحراء سيناء تمهيدا لاعادتها لمصر، ولكن في المقابل فإن شارون وقف على رأس مجموعة طلبت ضم هضبة الجولان السورية المحتلة الى اسرائيل، وهذا ما تم.
خصصت صحيفة "هآرتس" كلمة العدد، الصادر يوم الجمعة الأخير، لهذه القضية، وجاء فيها: "لا يمكن التطرق لقرار الحكومة، إلا باعتباره قرارا بدافع السلب والنهب، وانه قرارا احمق من الدرجة الأولى، فاسرائيل أخذت من الفلسطينيين مساحات أراضي وأملاكا ، طوال سنوات الاحتلال، وضيّقت عليهم الحياة وفرص العيش، من اجل اقامة المستوطنات في القدس والضفة وقطاع غزة، وكان مسؤولا عن قسم كبير من هذه المشاريع اريئيل شارون اثناء توليه مناصب مختلفة في الحكومات السابقة، وهو الذي اشترى لنفسه بيتا في قلب الحي العربي في البلدة القديمة في القدس، وكان من الممكن الاعتقاد ان هذا النشاط سيتوقف عند اعتراف شارون بضرورة تقسيم البلاد بين الشعبين، ومصادرة الأراضي حتى من دون تعويضات تتناقض مع هذا الموقف".
وتضيف هآرتس في كلمتها، "إن النية بمصادرة الأراضي من دون تعويضات، حتى في ايامنا هذه، بعد عشرات السنوات على اقامة الدولة، وهو قرار للاسف حصل على مصادقة المستشار القضائي للحكومة ميني مزوز، لا يزيد من الهيبة للدولة، كذلك يجب عدم الموافقة على السرية التي تتخذ فيها قرارات مليئة بالاخطاء وتمس بالعلاقات بين الاسرائيليين والفلسطينيين من دون حاجة، إن قانون أملاك الغائبين، الذي ربما كان بالامكان تحمله عند اقامة اسرائيل وخلال حرب الاستقلال، ليس قانون مناسبا بعد 55 عاما".