إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



الحرب الاسرائيلية الأخطر.. على وعينا وخطابنا

11/1/2005
برهوم جرايسي- الغد

حين شنت اسرائيل عدوانها الكبير على شعبنا الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة قبل اكثر من اربع سنوات، وما زال مستمرا، كان واضحا ان هذا العدوان تم الاعداد له بشكل كبير ليستمر لسنوات طوال، وليس كما كان يظهر في حينه وكأن العدوان سيتوقف بعد ان يتم وقف قذف الحجارة بداية، ومن ثم اطلاق النار.
لقد أكد جميع المحللين العسكريين الاسرائيليين من حينه، ومن بينهم زئيف شيف وامير اورن وعاموس هارئيل وغيرهم، على ان قادة الجيش الاسرائيلي كانوا في الايام الأولى للعدوان يتكلمون عن حرب ستستمر لسنوات، وهذا حين لم نكن بعد قد انهينا الشهر الأول، وسعت اسرائيل للحفاظ على الاشتعال، ولم تكن تسمح بأي هدوء، وكل هدوء كان يتم التوصل اليه ويستمر لايام واسابيع كانت اسرائيل تبادر الى نسفه لتعيد المنطقة الى دائرة التصعيد.
لقد شنت اسرائيل حربها الدموية على كافة ابناء الشعب الفلسطيني ليس فقط في الضفة والغربية وقطاع غزة بل ايضا على الفلسطينيين في داخل اسرائيل، الذين يحملون الهويات الاسرائيلية وقتلت 13 شابا من بينهم، ولكن مع بدايات هذه الحرب وضع قادة الجيش الاسرائيلي وكبار ساسة اسرائيل هدفا أخطر للحرب، وهو "غزو الوعي والعقلية الفلسطينية وفرض اجندة جديدة عليها"، ولربما ان أكثر المحللين العسكريين الذي كشف وركّز على هذا الموضوع كان كبير المحللين العسكريين الاسرائيليين زئيف شيف.
فقد توصل قادة اسرائيل الى استنتاج الى انه ما لم يتم تغيير في الوعي الفلسطيني سيكون من الصعب فرض حلول مرفوضة على الشعب الفلسطيني، وأول شيء عملت من اجله اسرائيل هو خلق البلبلة والاحباط داخل الشارع الفلسطيني، وحجب الثقة عن القيادة الفلسطينية من داخل الشعب الفلسطيني، ووجدت اسرائيل في حربها هذه شريكا اساسيا، وهي الادارة الامريكية، ولكن ليس قادة واشنطن وحدهم، بل ايضا رويدا رويدا جندت الاعلام العالمي، والاعلام العربي من حيث يعلم بعضه او لا يعلم، وهذه الحرب على الوعي ما زالت مستمرة ولربما اتسعت نحو حلبات عربية أخرى، وقسم منا يردد ما تقول اسرائيل دون ان يعلم ما هو الهدف.
بداية ركزت اسرائيل على القائد الفلسطيني ياسر عرفات والقت عليه كل مسؤولية العدوان، وحبسته في مقر المقاطعة، بداية لاسباب أخرى، مدعية انه يأوي الناشطين الفلسطينيين الذي صفوا الوزير الاسرائيلي الارهابي المعروف رحبعام زئيفي، الملقب بـ "غاندي"، ولكن سرعان ما تبين ان هذه حجة واهية وقصدها هو حبسه حتى النهاية في مقر المقاطعة، والاعلان عنه انه ليس شريكا للسلام والمفاوضات، وبقيت اسرائيل تردد هذا ومعها جوقة عالمية، وايضا عربية، ولكن ايضا من داخل البيت الفلسطيني.
ولم تكتف اسرائيل بهذا بل راحت تتحدث عن ثراء عرفات الفاحش وملياراته المزعومة، وكثفت هذا عند رحيله، حتى باتت ابواق عربية وندوات تلفزيونية تتحدث وتردد دون ان تفحص حقيقة ما تبثه اسرائيل وحدها، وتفرض الاحكام عليه.
وحين ارادت اسرائيل ان تخاطب شعبها وتقنعه بادعائها انها تريد مفاوضة الفلسطينيين، وان لديها شريك جاهز، راحت "تبيض" صورة محمود عباس "ابو مازن" وغيره من الاسماء البارزة على الساحة الفلسطينية، وبين القوائم "البيضاء" والقوائم "السوداء" التي فرضتها اسرائيل بادر البعض الى اصدار "قوائم تخوين" و"قوائم فساد"، وانشغلت الندوات التلفزيونية و"المنابر الحرة" باموال شعب يذبح يوميا دون الالتفات الى بحار دمائه، ولربما انجرت غالبيتنا وراء هذه الاجندة الاعلامية التي فرضتها اسرائيل عن سابق اصرار، وبتنا نستهجن إذا اصدر "القائد الابيض اسرائيليا" تصريحا وطنيا ليس غريبا عنه، وبتنا نسأل عن اموال "القائد الاسود اسرائيليا"، وهو محمول فوق دموع شعبه.
لقد نجح حكام اسرائيل، عن سابق تخطيط استراتيجي بعيد المدى في فرض اجندتهم السياسية والاعلامية، على المجتمع الدولي، ولم ننشغل بالمذابح والحق الشرعي للشعب الفلسطيني بقدر ما انشغلنا بتقارير تينت وميتشل وزيني وتقارير اللجنة الرباعية وخطة خارطة الطريق، واليوم الخطة الجهنمية التي تسميها اسرائيل "خطة الفصل".
وكما ذكر سابقا، فعندما رأت اسرائيل ان مشروعها هذا "اثمر" من ناحيتها، راحت توسعه، لقد وصلت البلبلة والضبابية الى حلبات أخرى، فتعالوا نحسب كم مرّة حدثتنا اسرائيل في السنوات الاربع الماضية عن اقتراب موعد عودة هذا السفير أو ذاك، او عن اقتراب موعد فتح مكتب الارتباط هذا وغيره، وكيف ان هذا البيانات الاسرائيلية احتلت مساحات شاسعة في صدارة الاعلام العربي على انواعه، وأخذ مساحات شاسعة في "حلبات التحليلات" و"الحروب الاعلامية"، وكم مرّة ظهر زيف البيانات الاسرائيلية دون ان نتذكر هذا حتى حين كنا نردد هذه البيانات للمرة الثانية والثالثة.
لست ممن يدافع عن اي سلطة حاكمة كانت، وفي اي دولة كانت، ولا أدين ولا أبرئ، وهذا ليس من واجبي، ولكن من واجبي كمن يعيش في قلب "الوكر"، ان اعرف اتجاه الريح، فحين تتحدث اسرائيل عن انفراجاتها مع علاقاتها الدولية والعربية انما تريد ان تقنع شعبها "بصدق طريقها"، على الرغم من انه يغرقه يوميا في ازمة من الصعب رؤية كيف سيخرج منها.
هناك ضرورة واهمية قصوى بأن نتركز في القضية الاساس، وان نرى الحقيقة لوحدنا، وليس كما يرسمها لنا حكام اسرائيل، وهناك ضرورة الى فحص الأمور قبل ان نصدر قوائم التخوين والتشريف على كافة الاصعدة.
إن الأمر الرهيب في الحرب التي يواجهها شعبنا الفلسطيني حين تتحول هذه الحرب الشرسة التي تشنها اسرائيل عليه طيلة سنوات لمجرد احصائيات عابرة لعدد القتلى والجرحى والمعتقلين، فقتل فلسطيني واحد في الضفة الغربية وقطاع غزة لم يعد يحظى بحيز بسيط في وسائل الاعلام، حتى في الاعلام العربي، وفقط حين يرتفع الرقم قد نحظى بعدد أكبر من الدقائق والثواني، قبل الانتقال الى مواضيع أخرى، وهذا ما يجري طيلة سنوات، والنزيف الفلسطيني مستمر.

 


تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر