يُستخدم في هذه الأيام، بكثافة، مصطلح "اسرائيل ستبدأ بتنفيذ خطة فك الارتباط"، ولكن الحقيقة هي ان الخطة التي اطلق عليها هذا الاسم التضليلي بدأ تنفيذها منذ أشهر طويلة، وما نشهده في هذه الايام في عملية اخلاء مستوطنات قطاع غزة، واربع مستوطنات في شمال الضفة الغربية، هو بند واحد من مخطط اسرائيلي شامل، بعضه تنص عليه الخطة بشكل واضح غير قابل للتأويل وبعضه يتم تأكيده على لسان صاحب هذه الخطة رئيس الحكومة الاسرائيلية، اريئيل شارون.
بداية هذه ليست دعوة احباط، ولا شك في اننا نفرح لزوال الاحتلال عن كل بقعة ارض مهما كانت صغيرة أم كبيرة، ولكنها ايضا دعوة لرؤية الصورة المتكاملة، منعا للافراط بالتفاؤل، فنحن في هذه الخطة نتقدم خطوة واحدة في اتجاه كنس الاحتلال، ولكن ليس بالضرورة نحو الحل الدائم.
إن مصطلح "فك الارتباط" ليس دقيقا، فالاحتلال يكنس مستوطناته من قطاع غزة، ولكنه في نفس الوقت يبقي على حصار القطاع من البر والحبر والجو، ويمنعه من اتصال حر مع العالم الخارجي، فالمياه الاقليمية ستكون خاضعة للاحتلال الاسرائيلي وكذلك اجواء القطاع، وستشهد المعابر مع مناطق 1948 حالة تشديد غير مسبوقة، وحتى الآن ليس واضحا ما هو شكل الارتباط البري مع الضفة الغربية، كما ان المعبر بين قطاع غزة ومصر سيبقى تحت اشراف "جهة ثالثة"، كما ينشر على الاقل، مقبولة على اسرائيل، ومن المستبعد جدا ان ترفع اسرائيل يدها عن المعبر، فلها "وسائلها" لمراقبته طوال الوقت.
ولكن البند الأخطر في هذه الخطة مرتبط بالضفة الغربية، فإذا قبلنا بمصطلح "فك الارتباط عن قطاع غزة"، فإن الخطة تنص على توطيد الاستيطان و"الارتباط" بالضفة الغربية، ففي البند الثالث من الجزء الأول من الخطة جاء ما يلي: "في كل حل دائم مستقبلي لن يكون استيطان اسرائيلي في قطاع غزة. وفي المقابل فمن الواضح انه في منطقة يهودا والسامرة (الضفة الغربية) ستبقى مناطق تكون جزءا من دولة اسرائيل، وفي داخلها كتل مركزية للاستيطان اليهودي، مستوطنات مدنية ومناطق أمنية وأماكن لدولة اسرائيل مصالح أخرى فيها".
وما يعينه هذا النص ان اسرائيل تريد الاحتفاظ بالكتل الاستيطانية الضخمة، ومناطق تعتبرها مناطق أمنية إستراتيجية مثل قمم الجبال، خاصة المشرفة على منطقة الساحل في اسرائيل، ومنطقة غور الأردن، أما تعبير "مصالح أخرى"، فهذا يسري ايضا على أماكن يزعم اليهود انها دينية لهم، ويندرج في هذا، مثلا، الحرم الابراهيمي والبلدة القديمة في مدينة الخليل، والمدخل الشمال لمدينة بيت لحم حيث مسجد بلال بن رباح الذي تزعم اسرائيل انه يأوي قبر راحيل اليهودية، وهكذا، وستجد اسرائيل في كل بقعة من الضفة الغربية "أذن الجمل"، لتعطي لنفسها "الحق" في البقاء فيها.
وهذا النص ليس مجرد حبرا على ورق، فعلى الرغم من أن مشاريع الاستيطان لم تتوقف منذ العام 1968 وحتى اليوم، إلا أن مشاريع الاستيطان المرتبطة بهذا البند تشهد وتيرة متسارعة في الأشهر الأخيرة، وعلى رأس هذا بناء جدار الفصل العنصري في سائر انحاء الضفة الغربية، وخاصة في مدينة القدس المحتلة، التي يحولها الجدار الى مجموعة غيتوات، واحياء تاريخية تفقد الاتصال بمركز المدينة.
كذلك فإن الحكومة الاسرائيلية، برئاسة شارون، تعمل بشكل مكثف لتنفيذ أخطر مشروع استيطاني في الضفة الغربية، ويقضي ببتر الضفة الغربية الى قسمين شمالي وجنوبي، بحزام استيطاني يمتد من غرب مدينتي القدس وبيت لحم، عند التكتل الاستيطاني "غوش عتسيون"، مرورا بالقدس المحتلة، ووصولا الى مستوطنة "معاليه ادوميم" شرقا، التي اطرافها الشرقية تشرف على البحر الميت.
فقط في الايام الأخيرة سمعنا تصريحين من اريئيل شارون، فقد زار اكبر مستوطنة في جنوب منطقة نابلس، مستوطنة "اريئيل"، وقال بوضوح: "جئت لافحص واقرر كيف يمكن توسيع هذه المستوطنة"، وفي مقابلة مع صحيفة "يديعوت احرنوت" قال شارون بوضوح: "رفضت طيلة الوقت تحديد حدود الكتل الاستيطانية التي ستضم لاسرائيل في الحل الدائم"، والمقصود هنا رفضه للمطلب الامريكي منذ أكثر من عام بأن يحدد حدود المستوطنات، وان يمتنع عن توسيعها، وكان شارون قد التزم بهذا امام الرئيس الامريكي جورج بوش عند تسلمه رسالة الضمانات الامريكية في نيسان (ابريل) 2004، ومنذ ذلك الحين ليس فقط ان اسرائيل لم "ترسم حدود المستوطنات"، بل انها وسعتها بأكثر من 3 آلاف بيت استيطاني.