إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



الاعتداءات الارهابية على فلسطينيي 48 تحت ستار الاخلاء

الأربعاء 22/8/2005
برهوم جرايسي- الغد

لم يشهد فلسطينيو 48 خلال عشرات السنوات الماضية، هذا المستوى وهذه الكثافة من الاعتداءات الارهابية ضدهم، التي ينفذها أفراد وعصابات ارهابية يهودية، ففي خلال اسبوعين قامت عناصر يهودية ارهابية باقتراف مجزرة في مدينة شفاعمرو راح ضحيتها اربعة مواطنين، واعتداء على مسجد في مدينة اللد الفلسطينية، حيث قام أحد الارهابيين بنثر منشورات تتضمن صور عاريات في داخل المسجد، ويوم الجمعة الأخير ألقت مجموعة عنصرية متطرفة برأس خنزير كتب عليه اسم الرسول العربي (صلعم)، الى باحة المسجد.
وبطبيعة الحال لا يمكننا استثناء المجزرة التي ارتكبها ارهابي آخر في الاسبوع الماضي، في وسط الضفة الغربية، حين قتل اربعة عمال فلسطينيين بدم بادر، ولكن هذا الاستثناء في تسلسل الاحداث ناجم عن واقع مأساوي رهيب، وهو ان ما "اعتاد" عليه ابناء الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، من جرائم المستوطنين الارهابيين، لم نشهده نحن بهذه الكثافة في بطبيعة الحال فقد وقعت في الماضي، الكثير جرائم والاعتداءات ضد الفلسطينيين في اسرائيل، منها جسدية والكلامية وعلى الممتلكات، ولكنها كانت تجري بفترات زمنية متباعدة، أما الجرائم الأخيرة فعدا عن تسارعها إلا أنها وقعت مع عدة مؤشرات على انها لن تكون الأخيرة.
وأشير الى ان المقصود في هذه المعالجة جرائم الافراد والعصابات وليس السلطة واجهزتها التي ارتكبت أخطر الجرائم والمجازر ضد العرب بدء من العام 1948 مرورا بمجزرة كفر قاسم 1956 ويوم الارض 1967 واكتوبر 2000.
فحالة الانفلات العنصري الحالية في الشارع الاسرائيلي تجري تحت ستار غبار اخلاء المستوطنات في قطاع غزة والضفة الغربية، واهتمام اسرائيل بساستها ووسائل اعلامها "بدموع الغزاة"، وكثرة الحديث عن "ألم" المستوطنين، ووقوف جنود الاحتلال عزّل امام عنف المستوطنين من باب "التفّهم"، وكل هذا خلق جوا بأن كل شيء مباح، وتقع الجرائم وسط أشبه بتعتيم اعلامي، وعلى ما يبدو بأوامر عليا.
فمثلا غالبية وسائل الاعلام الاسرائيلية انشغلت في مسألة تصفية الارهابي في شفاعمرو أكثر من الضحايا انفسهم، وهذا ما عالجناه في مقال سابق، أما المجزرة الثانية التي وقعت في الاسبوع الماضي فكانت اللامبالاة الاعلامية الاسرائيلية أخطر، ولم يحظ الاعتداءان على مسجدي اللد ويافا بأي تغطية اعلامية جدية.
بمعنى ان التعتيم الاعلامي يقود الى لامبالاة شعبية، ليلاقيه تقاعس بوليسي وامني اسرائيلي مبرمج، ففي الاشهر الأخيرة تكلمت أجهزة المخابرات الاسرائيلية بوضوح ومن دون انقطاع عن أن مجموعات متطرفة يهودية تعد العدّة لتنفيذ سلسلة من الاعتداءات قد تؤدي الى تدهور أمني، وعلى رأسها مخطط للاعتداء على المسجد الأقصى واعتداءات على الفلسطينيين في مناطق 67 و48، وقد لمسنا هذه الاعتداءات، و"تحققت" تقديرات المخابرات الاسرائيلية.
ومما يؤكد تواطوء السلطة الرسمية في اسرائيل مع المجرمين، هو ان منفذي هذه الجرائم معروفون للأجهزة الأمنية التي تدعي انها تتعقبهم، وأحدهم عيدان نتان زادة مرتكب مجزرة شفاعمرو، ولكن هذه الأجهزة ترفض ان تحرك ساكنا. ونشهد احيانا قليلة فرض اقامات اجبارية على بعض المتطرفين، ولكن سرعان ما نراهم يتجولون بحرية في شوارع اسرائيل، فعلى سبيل المثال، قبل أكثر من شهر بقليل فرض الحاكم العسكري في الضفة الغربية على أحد أخطر الارهابيين اليهود، المدعو ايتمار بن غفير، اقامة اجبارية في البيت الذي يستوطن فيه في مدينة الخليل المحتلة، ولكن هذا الارهابي نفسه شاهدناه يشارك في جنازة الارهابي نتان زادة.
لا يمكن سلخ هذه الجرائم عن اجواء العداء والعنصرية العامة في اسرائيل، فهذه الأجواء تبدأ من سلسلة تصريحات من كبار المسؤولين في المؤسسة الاسرائيلية الرسمية، وبشكل خاص في داخل البرلمان الاسرائيلي، الذي يقر بشكل دوري قوانين ذات طابع عنصري ضد العرب، وفي جميع ميادين الحياة، لترسّخ اكثر سياسة التمييز العنصري ضد العرب، اضف الى هذا ظهور ساسة وأحزاب مع برامج عنصرية واضحة دون أي يردعها أحد، وابرزها الدعوة الى طرد العرب من وطنهم.
فقد دلّ استطلاع نشر في اسرائيل قبل حوالي ثلاثة اشهر على أن ربع الاسرائيليين يؤيدون إما طرد العرب من وطنهم أو ابادتهم، فحسب ذلك الاستطلاع، ونشر في حينه في "الغد"، فإن أكثر من 20% من اليهود في اسرائيل يرون ان الحل الأمثل لانهاء الصراع الاسرائيلي الفلسطيني هو طرد العرب من وطنهم، فيما رأى حوالي 4,5% من اليهود المستطلعين، ان الحل الأمثل هو ابادة العرب، لأن "الطرد غير مجدي"، حسب ما جاء في الاستطلاع. ولكن في استطلاعات سابقة صادرة عن جامعة حيفا، وحتى عن جهات يمينية، كانت نسبة المؤيدين اليهود لطرد العرب الجماعي (الترانسفير) تصل الى 30% وأكثر.
وتعكس هذه المعطيات جوا عاما داخل الشارع الاسرائيلي ضد العرب في وطنهم، فمثلا حين يقف عضو كنيست عنصر متطرف يدعى يحيئيل حزان، من حزب "الليكود" الذي يتزعمه رئيس الحكومة اريئيل شارون، ويصف العرب بالديدان، فإن المستشار القضائي للحكومة لا يرى في هذه التصريحات ما يتعارض مع قانون "حظر العنصرية" الاسرائيلي الصوري، ويرفض تقديمه للمحاكمة.
أضف الى كل هذا تساهل جهاز القضاء في اسرائيل مع المتطرفين والارهابيين اليهود، ودلّت عدة دراسات اسرائيلية على حالة التمييز العنصري المتفشية في جهاز القضاء الاسرائيلي، وأكدت هذه الدراسات على ان العقوبة المفروضة على العربي هي اضعاف العقوبة التي تفرض على اليهودي الذي ارتكب نفس المخالفة او الجريمة وبظروف مشابهة.
ولكن هذه العنصرية في جهاز القضاء تظهر أكثر عندما يكون الأمر مرتبطا بالعنصريين اليهود، ويحدث كثيرا جدا ان المحاكم الاسرائيلية ترفض تمديد الاعتقال لمتطرفين يهود، وكانت تفرض عليهم الاعتقال البيتي، وحدث قبل عدة اشهر ان مثل هذا الأمر حدث لمعتقل ارهابي يهودي متهم بقتل فلسطيني، وحتى وإن تم تقديم لوائح اتهام فإن الاحكام تكون مخففة، ليتبعها بعد ذلك "عفو" رئاسي من رئيس الدولة الاسرائيلية.
واعرض في هذا السياق مثلا واحدا، فالارهابي عامي بوبر الذي قتل سبعة عمال فلسطينيين في العام 1990، من المفروض ان يقضي سبع مؤبدات جعلها رئيس الدولة 40 عاما فقط، بدلا من 210 أعوام، ولكنه ايضا يقيم في سجن مخملي يبيت فيه خمس ليال في الاسبوع فقط، وليليتين في بيته بعد ان سمح له بالزواج بعد اربع سنوات من جريمته، ويقضي كل ساعات النهار في أحد المعاهد الدينية، وكل المؤشرات تؤكد ان العفو التام سيصل قريبا.
إن كل ما تقدم هو عناوين عريضة لأجواء تشجع الارهابيين اليهود على مواصلة جرائمهم.


تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر