يقوم الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ابو مازن، في هذه الايام بجولة في دول العالم لالتقاء قادتها السياسيين، ومن ضمنها سيكون لقاء الرئيس الامريكي جورج بوش في البيت الأبيض، وبما اننا نعيش في عالم وحيد القرن، تتسلط عليه الامبراطورية الامريكية، فهناك من يرى ان هذه الزيارة هي صلب جولة ابو مازن، مع أنه التقى في الأمس الرئيس الفرنسي جاك شيراك، وتبقى فرنسا بمواقفها اقرب الى مواقف الشعب الفلسطيني.
من المبالغ فيه ان نطلب من القيادة الفلسطينية اهمال الباب العالي الامريكي، من باب التحدي، ولكن بنفس الوقت من مصلحة الشعب الفلسطيني اعطاء وزن أكبر للدور الاوروبي الداعم حاليا للسلطة الفلسطينية، على الرغم من ان اوروبا، بدولها الكبيرة، لن تبادر حاليا الى مواجهة مع الولايات المتحدة بشأن القضية الفلسطينية، لأن المعركة الأهم بين الدول العظمى تبقى تقاسم العالم اقتصاديا، وكل موقف سياسي هنا وهناك ينصب في نهاية الأمر في خدمة هذه المعركة.
ولهذا فإن لقاء الرئيس الفلسطيني بنظرائه الاوروبيين تبقى له أهمية كبيرة، ولا شك ان هيبة السلطة الوطنية الفلسطينية تدعم الرئيس ابو مازن في مساعيه لتجنيد اوروبا أكثر الى جانب القضية الفلسطينية.
ولكن للأسف، ومللنا من كثرة الاعراب عن أسفنا، فهناك من يقرر في شارعنا الفلسطيني انه هو السلطة، ويريد ان يفرض اجندته السياسية، وعندما تسوء الاحوال وتتدهور، فإن هؤلاء يفطنون بوجود سلطة ويطالبونها بالعمل على تحسين الاوضاع.
بعد يوم واحد من مغادرة الرئيس ابو مازن الوطن، قرر من قرر يوم الاحد الأخير تنفيذ عملية اسقطت ثلاثة من المستوطنين الغزاة في الضفة الغربية، وجاءت هذه العملية في وقت تجري فيه اتصالات بين الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني، بهدف دفع بعض القضايا الى الأمام، على الرغم من اننا لا نثق بالنوايا الاسرائيلية.
وبات الرئيس الفلسطيني، اينما يحط الركاب، "ملزما" صحافيا، بتقديم رأيه في عملية الأحد، وانتزاع تصريح منه يدين قتل المدنيين، فالمستوطنين الغزاة يبقون امام الرأي العام العالمي مجرد مدنيين!، وتصريح كهذا يأتي على حساب لفت النظر لمآسي شعب بأكمله، لا بل إن حاول ابو مازن استكمال العبارة والحديث عن عذابات شعبه سيظهر كمن يبرر القتل.
يخطئ من يعتقد ان اسرائيل تعيش في بحبوحة، على صعيد مسار القضية الفلسطينية، وهي مطالبة دوليا بتخفيف الخناق على الشعب الفلسطيني، وكل تقدم ولو كان يسيرا يتم رغما عنها، ولهذا فهي تبحث عن وسيلة للهرب، وبطبيعة الحال فإن عملية كهذه تعطيها ذريعة، امام العالم على الأقل، لوقف كل تحرك، على الرغم من انه في نفس يوم الأحد، ارتكبت قوات الاحتلال جريمة اغتيال لأحد الناشطين الفلسطينيين، الى جانب جرائم التنكيل والتعذيب على الحواجز وفي الحصار المفروض على شعبنا. ولكن العالم وباعلامه المنصاع امريكيا بغالبيته، لم يعد يسمع صوت الرصاص الاحتلالي، وبات أكثر حساسية للرصاص الفلسطيني.
لقد اعلنت اسرائيل فورا، وقبل ان تدفن قتلاها، ان سترسل رسالة سريعة للادارة الامريكية "تشتكي" فيها عدم سيطرة السلطة الفلسطينية على الشارع الفلسطيني وترفض نزع سلاحه، وهذا على الرغم من ان العملية وقعت في الضفة الغربية الخاضعة كلها للسيطرة الامنية الاسرائيلية الكاملة، وحيث يحظر على أي شرطي فلسطيني ليس فقط ان يحمل مسدسا او عصا، وانما ان يلبس بزته الرسمية.
لا نعلم الى أي درجة سيكون الباب العالي الامريكي بعقلية صاحبه الصهيونية بحاجة الى رسالة الحكومة الاسرائيلية، لكي يركز جورج بوش في خطابه امام الصحفيين والى جانبه ابو مازن عن ضرورة ان تحارب السلطة الفلسطينية ما تسميه اسرائيل وحلفاؤها "ارهابا".
إن أخطر ما نواجهه اليوم كشعب فلسطيني هو جعل قضية شعبنا مجرد "قضية ارهاب"، ومن ثم يجري الحديث عن "حق" أو "دولة".