إن قلنا ان كل ما نراه اليوم في ما يتعلق بلجنة التحقيق الدولية بشأن اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الاسبق رفيق الحريري، كان متوقعا، فقد نُفهم خطأ، او نبرر سلفا، او ندين سلفا، وفي كل الحالات ليس هذا المقصود.
فاولا اسم سوريا كان حاضرا منذ اللحظة الأولى لتلك الجريمة الارهابية، فهي المتهمة ضمنا من قبل الكثير من الجهات، من اعدائها الطبيعيين في الولايات المتحدة واسرائيل، وايضا من ضحايا سيطرتها القسرية على لبنان على مدى السنوات الماضية، ودخل اسم سوريا في معادلات الربح والخسارة، وكان الجو السائد انه فقط نظاما اراد الانتحار يختار جريمة كهذه لتنفيذها، لتكون حبل مشنقته، ولا يبدو ان القيادة السورية قررت قبل فترة اسدال الستارة على حكمها بهذه السرعة، خاصة وانها تعرف ان وقوع جريمة كهذه ستجعلها متهمة فورا، وهي ليست بهذه البحبوحة الدولية التي تجعلها تتجرأ على فعل جريمة كهذه.
والأمر الثاني هو ان الحبكة التي تفرجنا عليها من خلال ذلك الشريط الذي يعلن فيه شخص ما مسؤولية تنظيمه الأصولي، "حسب الموضة"، ليس فقط انها حبكة من الممكن ان تحيكها سوريا، وانما ايضا اعداؤها من خارج لبنان.
والأمر الثالث هو انه نعم، هناك عقل اجرامي في سوريا قرر الاقدام على الجريمة بأي ثمن.
نحن الشعوب المقهورة كل ما يهمنا هو معرفة الحقيقة، وإن كانت القيادة السورية او اذرعها هي التي اجرمت بالفعل، فلن تجد من يحميها.
ولكن المشكلة هي ان تجربتنا قاسية جدا مع "الحقيقة" الصادرة عن الهيئات الدولية، او عن "عدالة قرارات" مجلس الأمن الدولي، الذي باتت قيمته اقل من فردة حذاء بالية على قارعة الطريق امام الغطرسة والعربدة الامريكية.
فها هو النظام العراقي السابق سقط في حرب عدوانية استندت على "حقائق" كاذبة، ولكن هذا النظام لم ينجح في اقامة الحامية الشعبية التي تحميه، لأنه قهرها وداس عليها على مدى ثلاثة عقود.
والنموذج العكسي رأيناه قبل سقوط العرش الصدامي بعام واحد في فنزويلا، فقد خططت عصابة البيت الابيض انقلابا ضد الرئيس الفنزويلي شافيز، ولم يصمد الانقلاب العسكري لأكثر من 48 ساعة، واسقطته الحامية الشعبية (الشعب) من دون سلاح، وسقطت المؤامرة الواشنطنية.
إننا مقبلون على مستقبل خطير، والأخطر هو ان تتم محاكمة القيادة السورية استنادا الى تقرير مفبرك وكاذب، وانه حين تدق ساعة المؤامرة ستختفي الحامية الشعبية من شوارع دمشق مرّة اخرى.
فإذا كانت القيادة السورية متأكدة من نظافة كفها من هذه الجريمة فعليها الاسراع في بناء الحامية الشعبية على أسس نظيفة ومتينه، فالشعب لا يمكن خداعه. ولترى هذه القيادة كيف ان الشعب الاعزل في الفيتنام وفنزويلا قهر القوة الاعظم، لأنه حامية بنيت على اسس سليمة.
أما وإن صدقت حيثيات التقرير وتبين ان هذه القيادة متورطة، فتكون هي التي اختارت بنفسها انتحارها، وفي هذه الحالة لا أسف.