إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



ما يهم اسرائيل هضبة الجولان وليس الحقيقة

الاثنين 24/10/2005
برهوم جرايسي- "الغد" الاردنية

منذ اللحظة الأولى لاغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق، رفيق الحريري، أدانت اسرائيل سورية فورا، من خلال "مصادرها السياسية" و"المحللين السياسيين". ولاحقا، بدأ ساسة اسرائيل –لا سيما على لسان وزير الحربية شاؤول موفاز، ووزير الخارجية سلفان شالوم، ومن ثم قادة أجهزة الاستخبارات الاسرائيلية العسكرية والمخابرات العامة "الشاباك"- بالظهور في وسائل الاعلام للتحدث عن أن "سورية متورطة في اغتيال الحريري".
وكانت العبارة المكلمّة المباشرة لهذه الاتهامات هو "مصير" القيادة السورية، ومستقبل هذه القيادة، وما هو مقبل على المنطقة، وكيف ستتعامل الولايات المتحدة مع هذا الملف؟ وراح بعض الاسرائيليين يقرعون طبول الحرب، ويبحثون في مسألة وضعية اسرائيل في حال شنت الولايات المتحدة حربا "لتحرير" سورية.
بطبيعة الحال فإن الاهتمام الاسرائيلي بملف اغتيال الرئيس الحريري لم يكن بحثا عن الحقيقة، وانما من باب تبعات هذه القضية على الملف الاسرائيلي-السوري، وضمنه هضبة الجولان السورية المحتلة، التي يعلن رئيس الحكومة الاسرائيلية، ارييل شارون، جهارا ودون أي تلعثم، انه غير معني بالانسحاب من أي شبر من هذه الهضبة، وانه لا يرى ضرورة لإجراء مفاوضات مع سورية! لا بل انه انتقد جميع الحكومات الاسرائيلية السابقة التي بدأت حوارا مع سورية، ومنها حكومة بنيامين نتنياهو التي كان شارون وزيرا فيها، في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي.
في الشهر الأخير، ومع اقتراب موعد تقديم المحقق الدولي تقريره بشأن جريمة اغتيال الرئيس الحريري، كثفت "المصادر السياسية" الاسرائيلية "تسريباتها" للصحف الاسرائيلية، وكان الدور الابرز في هذا المجال لصحيفة هآرتس، صحيفة النخبة الاسرائيلية. إذ ذكرت الصحيفة في تقرير لها: "ان اسرائيل والولايات المتحدة شرعتا بحوار حول الموقف من القيادة السورية حينما يعلن المحقق الدولي ميليس تقريره... وقد جرى الحوار بين مسؤولين كبار، وظهر للاسرائيليين ان الولايات المتحدة تبحث عن وريث للقيادة السورية القائمة. وقد سأل المسؤولون الاميركيون نظراءهم الاسرائيليين ما إذا كانوا يقترحون مرشحا للقيادة؟ إلا ان الجواب الاسرائيلي كان ان اسرائيل ترغب في اضعاف القيادة السورية الحالية وليس استبدالها".
ويقول التقرير: في حين ان ما يقلق واشنطن هو حدود سورية مع العراق وتسلل المجموعات المسلحة إليه، فإن ما يقلق اسرائيل هو دعم سورية لحزب الله اللبناني والفصائل الفلسطينية المسلحة؛ "حتى ان الاميركيين لم يلتفتوا في هذا الحوار الى الملف السوري اللبناني"، بحسب الصحيفة.
لاحقا، ظهرت سلسلة من التقارير الصحافية التي تؤكد ان انشغال الحكومة الاسرائيلية، واذرعها الامنية والاستخباراتية، بمسألة احتمال حدوث "انقلاب" في سورية، وتأثير هذا على مستقبل احتلال اسرائيل لهضبة الجولان السورية. ويقول المحلل السياسي البارز في صحيفة هآرتس، ألوف بن: إن السؤال الدائر في اروقة الحكم في اسرائيل هو ما إذا كان الضغط على القيادة السورية سيفيد اسرائيل؟، و"الجو العام في سدة الحكم في اسرائيل يقول انه إذا خسر الاسد الحكم فإن هذا سيكون حدثا سلبيا بالنسبة لاسرائيل، لأنه طالما استمر الضغط على القيادة السورية فإن ذلك يجعلها ضعيفة، وسيبعد عن اسرائيل أي ضغط دولي يتعلق بإجراء مفاوضات سياسية مع سورية بشأن هضبة الجولان المحتلة".
ويقول المحلل بن في مقاله الذي جاء تحت عنوان "الاسد جيد لملف الجولان": إن الشروع بمفاوضات مع سورية سيضع شارون تحت ضغط دولي يتطلب منه تقديم تنازلات، مثل اعادة هضبة الجولان لسورية". ويضيف: "من المفضل لاسرائيل استمرار الوضع القائم في سورية؛ بوجود رئيس معزول ومعرّض لضغط دولي دائم. أما إذا سقط نظام الاسد فإن بديله سيطلب من الاميركيين استئناف المفاوضات مع اسرائيل بهدف اعادة الجولان، والحكومة الاسرائيلية ليست متحمسة لمسار كهذا، إذ إن ارييل شارون يعارض بشدة أي انسحاب من هضبة الجولان".
وكان ألوف بن أول من طرح هذه القضية، ثم تبعه عدد من المحللين الذين عادة ما يحملون في جعبهم رسائل سياسية موجهة الى الساحة الداخلية في اسرائيل، كما إلى الرأي العام العالمي.
فالرسالة الداخلية الموجهة إلى الرأي العام الاسرائيلي تأتي من باب "حرب رفع المعنويات" لدى الاسرائيليين، وجعلهم يطمئنون أكثر لقيادتهم السياسية، والا يشعروا بحرج في ممارساتها الاحتلالية. وهذا نهج قديم جديد يمارسه قادة اسرائيل على مدى عشرات السنوات الماضية؛ فهم يطلبون اقناع جمهورهم بأن مستقبل الارض التي يحتلونها مرهون بقرار اسرائيلي فقط، وان مكانة اسرائيل في الاسرة الدولية قوية بمدى يضمن لها استمرار السيطرة على مستقبلها.
أما الرسالة الموجهة إلى العالم فمفادها انه أيا كان مصير القيادة السورية، فإن اسرائيل لن تكون "كبش الفداء" لأي برنامج اميركي في سورية، وان اسرائيل "لن تدفع الثمن" من خلال انسحابها من هضبة الجولان السورية.
ومنذ ان وصل ارييل شارون الى رئاسة الحكومة في شتاء العام 2001، وضع على رأس اولويات حكمه توسيع الاستيطان في هضبة الجولان المحتلة، والتي تشهد في هذه المرحلة مشاريع استيطانية وبنى تحتية ضخمة -خاصة في النصف الغربي من الهضبة- الى جانب حملات دعائية حكومية تشجع على الاستيطان هناك من خلال محفزات مالية ضخمة لكل مستوطن وعائلته. وكانت إسرائيل قد ضمّت هضبة الجولان اليها في العام 1981، بضغط من مجموعة وزراء ونواب -على رأسهم ارييل شارون- على رئيس الحكومة حينها مناحيم بيغن، "كتعويض" عن الانسحاب من صحراء سيناء المصرية، إلا ان السوريين في هضبة الجولان، باستثناء بعض الافراد، مازالوا يرفضون الجنسية الاسرائيلية حتى اليوم.
إن شعور الارتياح السياسي الذي يتملك قادة اسرائيل، وخاصة شارون، في ظل الادارة الاميركية الداعمة بزعامة جورج بوش، يدفعهم إلى وضع الأسس كافة التي تضمن نسف أي امكانية لسلام عادل وشامل. وفيما يتم اليوم نسف المسار السوري من خلال هضبة الجولان، يجري الأمر ذاته في الضفة الغربية لتدمير المسار الفلسطيني.


تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر