إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



هل يصمد النظام العربي أمام رياح التغيير؟

الاثنين 31/10/2005
محمد ابو رمان- "الغد" الاردنية

يواجه النظام الرسمي العربي -بشقيه الإقليمي والداخلي- أسئلة مصيرية حول مدى قدرة بنيته وسماته العامة على الصمود مستقبلا أمام عوامل التغيير. أحد أبرز هذه الأسئلة هو سؤال الشرعية؛ ولا يقصد بالطبع الشرعية السياسية - وهي محل نظر أساسا- بل شرعية بقاء النظام العربي واستمراره مع سقوط قاعدة التحالفات الداخلية والخارجية التي حملته خلال الحرب الباردة، ومع ذبول مبررات وجوده وشعاراته السياسية والأيديولوجية التي خبّأ وراءها أمراضه من فساد وطغيان ومصادرة للديمقراطية وحقوق الإنسان... الخ.
إرهاصات سقوط النظام العربي بدأت منذ انتهاء الحرب الباردة وانهيار الكتلة الشيوعية وزوال أحد قطبي النظام العالمي الذي كان يدعم ويساند استراتيجيا ما سمي بـ"الدول العربية التقدمية" حينذاك. لكن كثيرا من الدول العربية تمكنت من سلوك مسار المراوغة والتحايل على استحقاق المتغيرات الجديدة. ولم تكن الإدارة الأميركية قد وصلت بعد إلى انتهاء صلاحية النظام العربي إلى أن وقعت أحداث 11 سبتمبر، والتي أكدت للخبراء والسياسيين الأميركيين أهمية تغيير الحالة العربية بأسرها، بما في ذلك الدول الحليفة أو التي تسمى بـ"المحافظة".
يؤكد النتيجة السابقة عدد من الخبراء والسياسيين والكثير من الأدبيات والوثائق الأميركية. فمارتن إنديك يرى أنّ الخطأ الرئيس للولايات المتحدة -ما قبل 11 سبتمبر- أنها دعمت نظما عربية "أتوقراطية" على حساب قيم الديمقراطية والمثل الأميركية، ظنا منها أن ذلك كفيل بحفظ مصالحها في المنطقة، لتتبين من خلال 11 سبتمبر أن هذا الدعم كان أحد الأسباب في تصدير أزمة تلك النظم إلى العالم الغربي. وفي الوقت الذي حصل فيه إجماع داخل مراكز السياسة والفكر الأميركية على ضرورة التغيير البنيوي في العالم العربي، فإن هناك اختلافا كبيرا حول دور الولايات المتحدة في التغيير والطريق المؤدية إليه؛ في هذا السياق يقول شبلي تلحمي: الديمقراطية أمر جيد بحد ذاتها، لكن الطريق إلى الديمقراطية تمر بمرحلة عدم استقرار. لذلك، يرى تلحمي أن الطريق الأفضل للديمقراطية هي الإصلاح المتدرج بعيد المدى. إلا أن هناك اتجاها نافذا في الإدارة والسياسة الأميركية لا يمانع في انهيار للنظام العربي الحالي، حتى لو كانت النتيجة هي "الفوضى" فإنها ستفرز مخرجات إيجابية في المحصلة.
لقد استمد النظام العربي جزءا كبيرا من شرعيته "الواقعية" من تحالفاته الخارجية والداخلية في ضوء غياب شرعية الديمقراطية وصناديق الاقتراع. ولا يقف السقوط عند التحالفات الخارجية وحدها، إذ هناك تداع في أسس شرعيته الداخلية من عدة نواح رئيسة؛ الأولى، صعود "ثورة الانفوميديا" التي حدت من قدرات النظام العربي في السيطرة على الإعلام والمعلومات وفي التحكم بالرأي العام، فبرزت أدوات ونوافذ أهم وأخطر من الوسائل التقليدية تُمكِّن النشطاء والمعارضين السياسيين من التعبير عن رؤاهم وأفكارهم ومواجهة السلطات الحاكمة. هذا التطور آذن بانهيار مفهوم السيادة التقليدية، والذي ناقشه ولتر ب. رستون في كتابه المعروف "أفول السيادة".
كذلك، ألقت "ثورة الأنفوميديا" بظلالها على المزاج الشعبي العربي وقدرته على التحمل، وفي قبوله للدعاية الرسمية للنظام العربي التي لم تعد تحظى بأية مصداقية، حتى لدى جيل المدارس الصغير! فأصبح الجميع يتلقى الرسائل الإعلامية من مختلف أنحاء العالم. ووفرت شبكة الانترنت ومنتدياتها ومعلوماتها مجالا فسيحا للأفراد والجماعات، خاصة الكتلة المتحركة والفاعلة ممثلة بفئة الشباب الغالبة في تكوين المجتمعات العربية. وقد ترافق ذلك كله مع نمو مؤسسات المجتمع المدني وشركات القطاع الخاص، التي بدأت تنجح في الاستيلاء على "الحيز العام" من يد الحكومات والسلطات العربية شيئا فشيئا. 
لم يقتصر الأمر على الانهيارات السياسية، إذ حدثت انهيارات فكرية وأيديولوجية أخطر. فشعارات القومية وتحرير فلسطين والوقوف في مواجهة الولايات المتحدة، أو ادعاءات التنمية الوطنية والعدالة الاجتماعية لم تعد ذات قيمة أمام المؤشرات الواقعية، وتدهور الأحوال الاقتصادية، وفشل المشاريع التنموية، والتهافت أمام قوة إسرائيل والرضوخ للولايات المتحدة. ويكفي أن تصدر "شهادة الإدانة" على الحالة السياسية العربية من خلال تقرير التنمية الإنسانية العربي الأخير (حول أوضاع الحرية وحقوق الإنسان في العالم العربي)، والذي هو بمثابة الدعوة إلى التغيير والإصلاح السياسي والانعتاق من الحالة السياسية الراهنة.
أبرز علامات وصول النظام العربي الراهن إلى الرمق الأخير تمثلت في سقوط النظام العراقي بطريقة مذلة. وهذا السقوط ذو دلالة خطيرة ألقيت في روع الجماهير العربية، التي طالما نظرت إلى هذه النظم وكأنها نظم حديدية متينة وإذا بها نظم كارتونية لا تجيد سوى التلويح بالعصا للداخل، وتوشك على الرحيل عند أول رياح عاتية! كما مثلت ثورة الأرز في لبنان، ثم تقرير ميليس ووصول الحبل إلى عنق النظام السوري، علامة أخرى على الحالة السياسية العربية.
في المقابل، يعبر صعود حركات المعارضة العربية وارتفاع الأصوات المطالبة بالتغيير إشارة أخرى على تدهور النظام العربي، ولعل الحالة المصرية هي الشاهد الأكبر على ذلك. كذلك، ومن ناحية أخرى، تبدو الجماعات المسلحة الإسلامية وتنظيم القاعدة بمثابة التعبير المباشر والأوضح عن عجز النظام الرسمي العربي عن مواجهة التحديات، وعن القدرة على السيطرة على معادلاته الداخلية والديناميكيات الاجتماعية-الأمنية.
على العموم، فإن احتضار النظام العربي بادٍ للعيان؛ إذ تعيش المجتمعات والدول العربية اليوم مرحلة انتقالية. إلاّ أن معالم المرحلة القادمة لا تزال ضبابية ومتعددة الاحتمالات: فإما أن نتجه على الصعيد القطري الداخلي إلى مزيد من التأزم والتفتيت "نموذج الدويلات الطائفية والقبلية"، أو إلى الإصلاح والتغيير السياسي "النموذج الديمقراطي". أما على الصعيد الخارجي- الإقليمي، فيرجِّح برهان غليون أن تعيد الدول العربية إنتاج تحالفاتها الخارجية من خلال الاندماج والمشاركة في "الحرب على الإرهاب" والوصاية الأميركية، أو الانهيار كما حصل مع النظام العراقي السابق. لكن هذا لا يعفي هذه النظم من وصول رياح التغيير إليها، والتي قد لا تطال النخب الحاكمة في كثير من الدول، لكنها بالتأكيد ستضرب سمات النظام العربي الحالية، إقليميا وداخليا
m.aburumman@alghad.jo


تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر