أي صدمة شعر بها الأردنيون جميعا ليلة أمس وهم يشاهدون عشرات الجثث ومئات الجرحى الذين سقطوا جراء العنف الأعمى العدمي! ما وقع أمس يستدعي منا جميعا المراجعة الحقيقية لما يحدث حولنا، كما لأولوياتنا ولمصادر التهديد التي تحيط بأمننا ومصالحنا الوطنية؛ إذ لا مجال بعد اليوم لأن نمارس ترف الحديث السياسي الذي يدفع إلى العنف والتطرف، وأن نترك الأجهزة الأمنية تواجه وحدها استحقاق ظروف سياسية وأمنية عالمية وإقليمية موبوءة، تفرض ذاتها على العديد من دول العالم ودول هذه المنطقة بالتحديد.
9/11/2005 هو يوم تاريخي في حياة الأردنيين، يوم لن ينسى! لكن ستكون هذه الأحداث الإجرامية محفزا لجميع الأردنيين لكي يتكاتفوا ويحملوا معا، بروح مشتركة، مسؤولية صيانة أمن الأردن وحماية المستقبل بحيث لا يكون بأيدي جماعات عدمية يقودها أشخاص محدودو الأفق ممن فقدوا بصيرتهم؛ جماعات تتلاعب بها دول أو أجهزة أمنية أخرى، وتتقاطع مصالحها (هذه الجماعات) مع أعداء الأردن، ومع مصالح أطراف خارجية، لتضرب الحالة الأمنية والسياسية الأردنية المتقدمة على مستوى المنطقة ككل. فهذا إن حدث –لا قدر الله- فسيؤدي إلى خسارة كبيرة لبلد مثل الأردن، يمثل استقراره وأمنه أحد أبرز موارده السياسية والاقتصادية، والتي تجعل منه القلب السليم في منطقة مريضة بالكوارث والأزمات السياسية.
ما تهدف إليه تلك العمليات هو النيل من النموذج السياسي والثقافي والاجتماعي الأردني الذي يتميز بقدر كبير من الوعي، والحس الوطني والقومي، وبالتسامح السياسي الداخلي، وعلاقة منفتحة متراحمة في المجتمع، وبوحدة وطنية وثيقة. لذلك، يجب الدفاع عن النموذج الأردني وتطويره، وأن يصبح منذ اليوم شأنا لكل الأردنيين. فالصدمة فتحت عيون كثير من الغافلين عن نعمة الأمن والاستقرار التي يعيشون فيها، وأشعرتهم بمدى أهمية ممارسة أقصى درجات المسؤولية الوطنية والتاريخية في هذه المرحلة الحرجة التي تعصف بالمنطقة بأسرها، وتهدد الإنسان العربي أينما وجد. والأردن ليس بمنأى عما يحدث حوله، بل هو اليوم مستهدف رئيس في دوامة العنف والفوضى التي تحوم في المنطقة.
أحداث أمس أثبتت أن الأردن انتقل إلى مرحلة جديدة، تتطلب وعيا استثنائيا على المستويين السياسي والأمني، بحيث نقرأ من خلاله الرسائل والإشارات السياسية من حولنا بطريقة صحيحة، ونقدر أيضا عواقب التطورات التي يجب أن نقرأها من منظور المصلحة الوطنية الأردنية. وعلى هذا الأساس، لا يمكن تصور أن تلك "العمليات الإجرامية" هي رسالة إلى الولايات المتحدة، بل هي رسالة إلى الإنسان العربي، تستهدف أمنه وسلامته في الأردن والعراق ومصر وكل مكان، وكأن هذا الإنسان لا يكفيه ما يلاقي من الاحتلال الأميركي والإسرائيلي في العراق وفلسطين، ليقع ضحية هذه الجماعات، ويفقد الإحساس بالأمن وهو في بيته وبين أبنائه!
بل على النقيض من ذلك، فإن هذه الأعمال الإجرامية تخدم تماما إسرائيل، وتوفر لها مبررا كبيرا وقويا لتتمسك بالحجة الأمنية للاستمرار بمسلسل الاعتداء على الشعب الفلسطيني بدعوى أن أمنها مستهدف من هذه الجماعات، وأن من حقها اتخاذ جميع الإجراءات والسياسات الوقائية، الأمر الذي يذكرنا بالاستثمار الإسرائيلي لأحداث أحداث 11 سبتمبر 2001 التي وظفتها إسرائيل بشكل كبير.
وأيضا، تعطي هذه الأعمال "المشروعية" للعمليات التي يشنها الجيش الأميركي في العراق، ويسقط فيها مدنيون وأبرياء بحجة ملاحقة جماعات العنف والإرهاب. ومن المعروف أن أعمال ما يسمى بجماعة الزرقاوي قد شوهت المقاومة العراقية، وضربت شرعيتها، وخدمت بدرجة رئيسة الدعاية الأميركية التي تحاول تصوير كل المقاومة العراقية بأنها جماعات إرهابية تستهدف المدنيين والأبرياء.
هذه العمليات تؤكد أيضا أن الاحتلال الأميركي للعراق أصبح بؤرة توتر وقلق، تنتقل منه روح التطرف والعنف والتمرد، وأن هذا الاحتلال يخلق حالة سياسية وأمنية متشنجة في مختلف دول المنطقة بما يساهم، وبدرجة رئيسة، في توفير البيئة المناسبة التي تخدم التجنيد السياسي للجماعات الإرهابية. لذلك، فإن على الجماعات والحركات السياسية الأردنية المعارضة أن تعي هذه الحقيقة، وأن تتحرز في ممارساتها وفي خطاباتها السياسية، وهو ما يلقي مسؤولية مضاعفة على المؤسسات الإعلامية والثقافية الإسلامية للقيام بمهمة التنوير الديني للتخفيف من تداعيات وآثار الظروف السياسية المحيطة.
يمكن تعلم الكثير من الدروس من أحداث 9/ 11 في عمان، أما قلب الأردن النابض الحي الشجاع فهو قادر دوما على الحياة والعطاء، وتجاوز الظروف الحرجة.
m.aburumman@alghad.jo