ما القضية والمبادئ التي يمكن خدمتها بقتل المشاركين في حفل عرس، أو رواد فندق من الزوار والمواطنين؟ ما الرسالة التي وصلت بمقتل أطفال ونساء ورجال وعابري طريق؟ هل يمكن لأية محاولة متعاطفة مع القتلة ومؤيدة لهم أن تجد علاقة بين عمليات القتل التي جرت ليلة أمس في حفل عرس وفي ردهات الفنادق، وبين أي قضية سوى الإضرار بالمواطنين ومصالحهم، واستهداف الاستقرار والأمن؟ هل يمكن لأعداء الأردن والعرب والمسلمين والمصالح الوطنية والقومية والإسلامية الكبرى أن يجدوا وسيلة أفضل ليلحقوا الأذى والضرر من مثل هذه الأعمال الشاذة المخالفة، والعصية على الفهم والتحليل؟ أية قضية يمكن ربطها بمقتل طفل يحضر حفل عرس، أو عامل فندق يسهر لأجل لقمة العيش؟
لو كان القتلة أصحاب قضية أو مبدأ ما، فإن قضيتهم هي استهداف المواطنين وأمنهم ومصالحهم، والإضرار بالعرب والمسلمين، وإظهارهم بمظهر من يفقد الأمن والاحترام؛ وليس من نتيجة أخرى للعملية، ولا يمكن أن تكون أكثر من ذلك، أيا كان اعتقاد القاتل وتفكيره.
وإذا كان القاتل يظن نفسه يعمل بدوافع دينية أو وطنية أو قومية، فإنها لا يمكن أن تجيز له، حتى في أسوأ حالات العداء والحرب، أن يقتل أطفالا وزوارا وضيوفا ومواطنين وعمالا يسهرون لأجل لقمة العيش. هذا القاتل لا يفقه كرامة الإنسان وقيمة حياته مهما كان انتماؤه وبلده، والتي أكدها الإسلام وأجمعت عليها الأمم والشرائع، وهو لا يفقه أيضا معنى الجهاد وقتال الأعداء، وشروطه وكيفيته، ولا يدرك حدود التزامه مع بلده ومجتمعه وأمته ودولها، حتى لو اختلف معها في الفهم والموقف، ومهما كانت سعة الاختلاف وحجمه، ولا يعرف أن مسؤولية عمله وتبعته سيدفعها بلده وشعبه، وكل بلاد العرب والمسلمين وشعوبهم في كل مكان.
إن أي عمل يحكم عليه بجدواه ومشروعيته؛ فإن لم يكن مشروعا، فلا يحق ارتكابه مهما كانت جدواه، وإن لم يكن مجديا أو كانت عواقبه وأضراره أكثر من جدواه فلا يجوز فعله مهما كانت مشروعيته وأخلاقيته. لكننا نتحدث عن عمل ليس له أي مبرر، ولا مشروعية، ولا جدوى، ولا يملك صاحبه قدرا من الخُلق أو العقل أو التفكير، ولا يمكن تصنيفه إلا في خانة الإجرام المَرضي.
لقد ألحق القاتل عارا ببلده وشعبه وبكل العرب والمسلمين، ولن ينقذنا من العار والحرج إلا أن يتبين أنه ليس أردنيا ولا عربيا ولا مسلما، أو أنه يعمل لحساب أعداء الأردن والعرب والمسلمين، أو أنه مريض مهووس بالقتل والإجرام.
ولكن لنحاول في هذه اللحظات، التي يصعب التفكير فيها بهدوء، أن ننظر إلى المسألة على النحو التالي:
أصبح الإرهاب مثل أنفلونزا الطيور، لا يستهدف بلدا أو شخصا بذاته، ولا يمكن فهمه أو تحليله وفق معلومات وسياسات ومدخلات وطنية محلية، وكأن الحالة الجديدة تقدم فهما جديدا للآية الكريمة "فكأنما قتل الناس جميعا"؛ فهم لا يتعلق فقط بحجم الجريمة وبشاعتها، ولكنها أيضا تدل على أن "القتل" أمر يخص الناس جميعا، ويجب التعامل معه ومواجهته على أنه قضية العالم كله. فالأردن يبدو في مواجهة مع جماعات معولمة، لا تستهدف سياساته ومواقفه بالتحديد، ولكنها حالة عالمية متداخلة، ولا يمكن مواجهتها إلا بإصلاح العالم الذي أصبح أقرب إلى بلد واحد، وأن العالم كله يتحمل بالتضامن مسؤولية الظلم والاحتلال والهيمنة. وقد يكون من العجلة إسناد التهمة إلى جماعات ينصرف إليها الذهن تلقائيا، وقد تكون دول وجماعات ومصالح قريبة أو بعيدة تدفع إلى الفوضى والابتزاز والضرر والجنون، ويجب ألا تحمي حالة الإغراق الإعلامي السائدة المجرمين الحقيقيين. وإذا كان مقبولا في مرحلة ما أن
يقدم الإعلاميون أفكارا ومقابلات وتحريات تقع في سياق الإثارة، فإن الظاهرة اليوم، بالنسبة إلينا على الأقل، تمثل تحديا يجب فهمه، ولم نعد نملك ترف التسلية والتحليل الكسول للعنف في سياق ميثولوجي، وتوظيف سياسي وإعلامي واستثماري.
ibrahim.gharaibeh@alghad.jo