انقلاب حزب "العمل" الاسرائيلي يعمّق أزمتهالجمعة 11/11/2005 برهوم جرايسي- "الغد" الاردنية
مرّة أخرى تحطمت استطلاعات الرأي في اسرائيل، صباح أمس الخميس، حين أظهرت نتائج الانتخابات لرئاسة حزب "العمل" انقلابا هشا على رئيس الحزب التاريخي شمعون بيرس، الذي هزمه رئيس اتحاد النقابات الاسرائيلية، "الهستدروت"، عمير بيرتس، بفارق ضئيل، وفاز برئاسة الحزب. فقد دلّت استطلاعات الرأي طيلة الأشهر الماضية، وحتى الساعات الأخيرة قبل بدء عملية الاقتراع، على تفوق سهل لشمعون بيرس، وحتى بفارق كبير جدا، واستبعد المراقبون حصول مفاجأة في هذه النتائج نظرا لتجارب الماضي وطبيعة حزب "العمل"، حزب النخبة الاشكنازية (يهود اوروبا)، التي لا تتقبل بسهولة قائدا من اليهود الشرقيين لها. للوهلة الأولى امامنا مشهد غريب، فللمرّة الأولى يتفوق شخص ذو طابع اجتماعي، مثل النقابي بيرتس، على شخصية سياسية لها ماضي أمني "غني"، مثل شمعون بيرس، فعسكرة المجتمع الاسرائيلي اعطت دائما افضلية للجنرالات في مختلف الاحزاب الصهيونية في اسرائيل، ولكن من السابق لأوانه الحديث عن انقلاب اقتصادي اجتماعي في اسرائيل، أو ثورة فقراء في الطريق، لأن فوز عمير بيرتس لم يكن نتيجة تحول سياسي في حزب "العمل" الاسرائيلي، وانما نتيجة لحملة انتسابات غير طبيعية لهذا الحزب، تخللتها عمليات تزوير جماعية، وبالاساس من معسكر الفائز عمير بيرتس. فقد أكدت نتائج التحقيقات حول التزويرات في حملة الانتسابات لحزب "العمل" ان نحو 30 ألف انتساب من مجموع 80 ألف انتساب جديد، كانت انتسابات مزّورة، والمتهم الأكبر في هذه التزويرات هو معكسر الفائز عمير بيرتس، فحتى الايام الاخيرة تواصل تكشف الفضائح عن هذه التزويرات، وأن جهاز الموظفين في اتحاد النقابات كان ينسب الاشخاص للحزب من دون معرفتهم، وهناك تأكيدات ان الشرطة الاسرائيلية لم تقل كلمتها الأخيرة بشأن التحقيقات، وقد تصل الى باب عمير بيرتس والتحقيق معه. وعلى الرغم من ان الحزب الغى اكثر من 20 الف انتساب مزوّر، غالبيتها الساحقة من فلسطينيي 48، الذين تم نسبهم للحزب من دون معرفتهم، فقد بقي في سجل الناخبين اكثر من 25 الف منتسب من انصار عمير بيرتس، وقد عمل موظفو اتحاد النقابات يوم الاربعاء على جلبهم الى صناديق الاقتراع، ويقول المراقبون ان معسكر عمير بيرتس نجح في جلب جميع انصاره الى صناديق الاقتراع خلافا لمعسكر شمعون بيرس، وقد وصلت نسبة الاقتراع الى اكثر بقليل من 60%، من اصل نحو 100 الف عضو في حزب "العمل". وعلى ما يبدو فهذا السبب الذي حقق لعمير بيرتس تفوقا طفيفا، فقد حصل في حدود 42% من الاصوات مقابل 39% لشمعون بيرس، الذي اعلن انه سيتوجه الى الجهاز القضائي في الحزب، وقد يكون الجهاز القضائي العام، لالغاء النتائج وفحص عمليات التزوير التي جرت يوم الانتخابات، بمعنى ان فوز عمير بيرتس ليس بالضرورة يعبر عن مزاج غالبية اعضاء الحزب، فلو ارتفعت نسبة التصويت قليلا لكان الفوز حليف شمعون بيرس. ومن السخرية ان شمعون بيرس شجع قبل نحو عامين عمير بيرتس على حل حزبه "عام إحاد"، ليعود الى حزبه الأم الذي نشأ فيه، حزب "العمل"، وأشيع في حينه ان بيرس سعى في حينه الى كسر التكتلات في حزبه، وتوسيع معسكر انصاره من خلال معسكر عمير بيرتس، الذي كان من المفروض ان يدعم شمعون بيرس، إلا ان "المسخ تمرّد على خالقه"، حين قرر عمير بيرتس منافسة شمعون بيرس.
يواجه قادة الحزب والمؤسستين العسكرية والاقتصادية
الى جانب شمعون بيرس، الذي اعلن انه لا يتقبل النتيجة، فإن قادة الحزب على مختلف تنوعاتهم سيكون من الصعب عليهم تقبل قيادة عمير بيرتس، على الرغم من قناعات بعضهم، فهم على قناعة بأن بيرتس اغتصب قيادة الحزب من خلال حملة انتسابات مزّورة ومنتظمة، ولهذا فإن العقبة الاساسية التي سيواجهها بيرتس ستكون قيادة الحزب، فهو لا يحظى إلا بتأييد ثلاثة نواب، هو احدهم، من اصل 21 نائبا في كتلة حزب "العمل" البرلمانية، ويقف الى جانب المرشح الثالث بنيامين بن اليعيزر نائب واحد فقط، بمعنى ان 16 نائبا في الكتلة يؤيدون شمعون بيرس، وهؤلاء سيشكلون حاجزا منيعا امام عمير بيرتس ليتحرك بحرية كزعيم للحزب. لقد تسرّع عمير بيرتس، حتى مساء يوم الاربعاء، حين اعلن انه في حال فوزه فأنه سيهاتف رئيس الحكومة اريئيل شارون فورا، ويبلغه ان حزب "العمل" في طريقه الى خارج الائتلاف الحكومي، وسيدعوه للاتفاق على موعد لانتخابات برلمانية مبكّرة، ولكن بيرتس يعرف تماما انه إذا فاز في هذه الانتخابات المفتوحة لجميع اعضاء الحزب، فإنه لا يحظى بأغلبية في هيئات الحزب المسؤولة، وسيدرك ان انتخابات مبكرة خلال ثلاثة اشهر من الآن، ستربك حزب "العمل" اولا، قبل ان تربك حزب الليكود المنشق على نفسه. كذلك فإن بيرتس حين سيتربع على كرسيه في رئاسة الحزب، وإذا وصل نظريا الى كرسي رئاسة الحكومة، وهو أمر مستبعد، بعد أي انتخابات برلمانية قادمة، فإنه سيصطدم بالمؤسستين العكسرية الامنية والاقتصادية، هاتان المؤسسات الموجهتان للسياسة العليا لاسرائيل، وفق مصالح الحركة الصهيونية، وكبار اصحاب رؤوس الأموال، الى جانب التقييدات الاقتصادية الداخلية والخارجية لاسرائيل. فاسرائيل ليست برازيل دي لولا، ولا فنزويلا شافيز، فهي دولة العسكر بالاساس، وإن كان توجهات عمير بيرتس السياسية افضل بكثير من توجهات منافسه شمعون بيرس، فإن هذه التوجهات لن يكون بامكان بيرتس فرضها على الشارع الاسرائيلي، كما ان توجهاته على الصعيد الاقتصادي الاجتماعي ستبقى حلما في داخله، حين يرى ان كبار اصحاب العمل يهددونه بتصدير رؤوس اموالهم الى الخارج، والى اسواق العمل الرخيص في العالم لقد انتبه عمير بيرتس جيدا في آخر ايام حملته الانتخابية الى اصوله الشرقية، ولهذا فإنه ركّز في خطابه الأخير على ضرورة نسف الطائفية من المجتمع الاسرائيلي، او كما يقول بيرتس "عفريت الطائفية"، ولكن عمير بيرتس لم يكن الشرقي الاول الذي يصل الى رئاسة حزب "العمل، فقد سبقه بذلك بنيامين بن اليعيزر الذي لم يصمد في رئاسة الحزب سوى 11 شهرا، كما انه ليس الحمائمي الاول الذي يصل الى زعامة الحزب فقد سبقه بذلك عمرام متسناع الذي لم يصمد هو الآخر لأكثر من ستة اشهر في رئاسة الحزب. إن بيرتس يدرك تماما ان من سيلاحقه من الآن فصاعدا ليس "عفريت الطائفية" وانما "عفريت شمعون بيرس"، الذي من الصعب التخيل انه سيتركه يعمل لوحده، فقد اثبتت التجربة ان شمعون بيرس كان وراء فشل قادة الحزب الثلاثة متسناع وبن اليعيزر وايهود براك، على الرغم من انه لم ينافسهم في الانتخابات لرئاسة حزب "العمل". ولهذا فإن الملامح الأولى التي ظهرت في حزب "العمل" مع ظهور نتائج الانتخابات لرئاسته، تؤكد ان هذا الحزب، الذي بنى وأسس اسرائيل، الدولة العسكرية، أبعد من ان يخرج من أزمة القيادة التي يعاني منها منذ اكثر من خمس سنوات.
تحضير للطباعة أرسل لصديق - |
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر
|