السفارة في العمارةالسبت 12/11/2005 محمد ابو رمان- "الغد" الاردنية
يمثل "السفارة في العمارة" أحد أبرز الأعمال الفنية التي قدمها النجم الكوميدي المصري عادل إمام، خاصة في الفترة الأخيرة، التي شهدت هبوطا ملحوظا في مستوى العديد من أعماله، ومن ذلك مسرحية (البودي غارد) التي تعرّضت لانتقادات فنية كبيرة، ومنعت من العرض في الكويت. ويكمن وراء تميز هذا العمل الفني- السياسي أسباب متعددة منها السيناريو الذي قدّمه الكاتب المصري يوسف معاطي. ويأتي هذا الفيلم بعد فترة قصيرة من كتابة معاطي لفيلم "معلش إحنا بنتبهدل" للفنان أحمد أدم والذي أثار بدوره جدلا سياسيا وفنيا كبيرا. واهم ما يجمع بين "السفارة في العمارة" و"معلش إحنا بنتبهدل" أنهما من قبيل "الكوميديا السوداء" على قاعدة "شر البلية ما يضحك". ففيما كانت تنهال دموع المشاهدين ضحكا من الأحداث المثيرة، فإنّ هذه الدموع كانت تأتي مغموسة بمرارة السياسة العربية ومفارقاتها المبكية! إلا أن ما يميز فيلم "السفارة" هو الحضور الكبير والطاغي لعادل إمام وقدرته المعروفة على خلق التفاعل مع المشاهد. تستغرق فيلم "السفارة" الرسائل والإشارات السياسية، لكن الرسالة الأبرز التي يحاول معاطي تقديمها في هذا الفيلم - في تقديري- هي أنّ الموقف الشعبي والاجتماعي العربي من إسرائيل ومن "التطبيع" أبعد من مواقف سياسية وأيدلوجية ومن صدام بين القوى السياسية العربية المعارضة والحكومات، فالموقف هو "إنساني محض" يستمد مشروعيته ومنطقه العام من ممارسات الكيان الصهيوني "اللا إنسانية" التي لا تقيم وزنا لكرامة الإنسان العربي وحياته وحرماته، وهي التي تجعل من معاهدات السلام الموقعة بين العديد من الحكومات العربية وإسرائيل عبئا على هذه الحكومات وسببا في أزماتها مع شعوبها التي يصعب عليها القبول بأن تطبع مع إسرائيل وهي ترى شعبا عربيا يعاني الويلات من هذا الكيان، وهي ذات الملاحظة التي يلتقطها بذكاء المفكر الأميركي شبلي تلحمي في كتابه "المخاطر". تناولت كثير من التغطيات الإعلامية قصة "السفارة في العمارة"، وتتلخص بمهندس مصري مغترب يعيش أكثر من عشرين عاما خارج وطنه، في مدينة دبي، كان جل اهتمامه في نزواته الجنسية، ولا تمثل لديه السياسة وما يحدث في المنطقة العربية أدنى اهتمام، بل هو حريص بأن ينأى بنفسه عن هذه القضايا. وعندما يعود إلى وطنه يعود مكرها على غير رغبة منه، ليتفاجأ بوجود السفارة الإسرائيلية في عمارته، وهنا تبدأ مشكلاته مع التشديد الأمني من ناحية، وبالموقف الشعبي من السفارة الإسرائيلية من ناحية أخرى. لينقلنا الفيلم إلى أحداث ومفارقات ومواقف مثيرة تصقل الوعي السياسي للمهندس وتدفعه إلى تزعم الموقف الشعبي الرافض للتطبيع في نهاية الفيلم. على الرغم من نجاح إمام في استفزاز الجمهور وجدانيا وفكريا، وعلى الرغم – كذلك- من الرسالة الأخلاقية العالية التي يقدمها هذا الفيلم كعمل فني متميز في هذه الفترة السياسية الحرجة. إلاّ أن الفيلم انزلق إلى فخ الحرص على عدم الصدام مع السلطة المصرية وتمثل ذلك من خلال "الموقف المزدوج"؛ انتقاد التطبيع وإسرائيل من ناحية. وانتقاد المعارضة المصرية وتسخيف منطلقاتها السياسية والفكرية من ناحية أخرى. ولعل هذا "التحايل" السياسي هو أبرز المآخذ التي صدرت عن النقاد على الفيلم. ولم يختف من الفيلم "الموقف المؤدلج" الذي نجده في كثير من أعمال إمام الفنية ضد الإسلاميين، هذا الموقف الذي يصر على إظهار الحركات الإسلامية والمتدينين في حالة من السخف والسذاجة والتسطيح في محاولة لبناء صورة فنية نمطية "تشيطن" هذه الظاهرة، وهو ما ينزل بمستوى الفيلم ويضعف من الرسالة التي يقدمها للجمهور العربي. ولعل هذا المنزلق هو ذاته الذي وقعت فيه كثير من الأعمال الفنية العربية - في الفترة الأخيرة- التي تناولت الإرهاب إذ قدمت إدانة غير مشفوعة بإطار تفسيري مقنع لهذه الظاهرة ولمبررات الحركات الأصولية وذرائعها مما ابتعد بها عن الهدف الذي نفترض أنها قدمت من أجله وهو المساهمة في معالجة هذه الظاهرة والحد من انتشارها في المجتمعات العربية! m.aburumman@alghad.jo
تحضير للطباعة أرسل لصديق - |
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر
|