دروس من 9/11الاثنين 14/11/2005 محمد ابو رمان- "الغد" الاردنية
أظهر الأردنيون ملحمة وطنية من تكافل وتراحم وموقف وطني موحد في أعقاب 9/11 في عمان، ما يمثل بحق إجماعا وطنيا لا خرم فيه ضد الإرهاب، وضد أي عمل يستهدف حرمة الأردن جغرافيا وسكانا ودولة. الآن، وبعد أن بدأت الصدمة بالتلاشي، وأخذنا نعود إلى حياتنا الطبيعية، لابد أن نتوقف لاستلهام الدروس والعبر من الأحداث الإرهابية للحد مستقبلا من إمكانية حدوثها من ناحية، وبما يؤدي - من ناحية أخرى - إلى بناء إدراك ثقافي-سياسي بطبيعة التحديات وكيفية مواجهتها، وفي المحصلة تحسين شروط الحياة الوطنية. أول دروس 9/11 وأهمها هو أن الإرهاب وجماعات التطرف والعنف باتت تمثل تهديدا حقيقيا للأمن الوطني ولسلم المجتمع الأردني. ومن الواضح أنّ المتضرر الرئيس والأول من عنف هذه الجماعات ليس المصالح الأميركية والإسرائيلية، ولا حتى مواقف الحكومة الأردنية، وإنما المدنيون العزل والأبرياء. وما يجعل من أحداث عمان بمثابة "النقلة النوعية"، إن جاز التعبير، هو أن منفذيها ومخططيها وافدون قادمون من خارج الحدود، وأنها حدثت بترتيب معقّد ومنظم، الأمر الذي يعني أن المرحلة السابقة في مواجهة الإرهاب المحلي قد ولت بعد احتلال العراق، وأن الفوضى في البيئة الاقليمية تخلق المناخات المناسبة لنمو وانتشار الجماعات والأفراد عابري الحدود، ما يضعنا أمام استحقاق وأولوية وطنية في بناء استراتيجية أمنية جديدة تناسب المتغيرات الإقليمية والاضطراب المحيط. أهم معالم الاستراتيجية الأمنية الجديدة يتجسد في أهمية العامل الثقافي في مواجهة حركات العنف والتطرف، بل وأولويته كحل وقائي قبل دور الأجهزة الأمنية، وهو ما يستدعي من المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، ووزارة الأوقاف والمؤسسات الإسلامية، والقوى السياسية -وفي مقدمتها الحركة الإسلامية- ومؤسسات المجتمع المدني، المسارعة إلى تحمل مسؤولياتها في مواجهة الإرهاب وشروطه. ما سبق يقودونا إلى ملاحظة في غاية الأهمية؛ فالمجتمع الأردني معروف بحسه الوطني والقومي-الإسلامي، ما جعله دوما في مقدمة كل الشعوب ضد الهيمنة والاحتلال، ووضعه دوما أيضا في موقف المناصر لقضايا الشعوب العربية والمسلمة، وهو ما أدى - في المقابل- إلى تأجج وصعود الروح المعادية للسياسة الخارجية الأميركية وممارسات الاحتلال الصهيوني، وانعكس ذلك على تأييد حركات المقاومة والنضال في العراق وفلسطين. لكن في ذروة هذه الحماسة حدث "خلل كبير"، لعب الإعلام والخطاب الأرعن فيه دورا رئيسا؛ ويتمثل هذا الخلل في الخلط بين جماعات القاعدة والعنف المنتشرة هنا وهناك، وبين حالة المقاومة الوطنية والإسلامية المشروعة التي تحمل أهدافا وممارسات واضحة واعية لا غبار عليها. من هنا، فإن على المثقفين والكتاب والقوى السياسية الأردنية فك الاشتباك بين مواقفها المؤيدة للمقاومة وبين الموقف من جماعة الزرقاوي والجماعات الشبيهة التي تسيء للمقاومة ولا تخدمها بأي حال من الأحوال. وكما ارتفع الصوت الوطني الأردني ضد عمليات هذه الجماعات في الأردن، وبالتحديد تفجيرات عمان، يجب أن يكون الصوت بنفس القوة ضد هذه الجماعات في كل مكان، وبالتحديد في العراق. فهناك فرق شاسع، بل وتناقض بين مقاومة وطنية شريفة تدرك أهدافها وتضبط ممارساتها وتمارس دورا تاريخيا وأخلاقيا وسياسيا، وبين جماعات بائسة تمثل حالة من الإحباط واليأس وتشوه صورة الإسلام والمقاومة. والرصد الأولي البدهي لدور جماعة الزرقاوي في العراق يظهر بوضوح أن هذه الجماعة -التي يقودها أشخاص محدودو الأفق والتفكير- لا تنطلق من مقومات صحيحة للمقاومة، ولا تحمل أهدافا سياسية ناضجة، ولا تمثل بأي حال من الأحوال طموح الشعب العراقي بالتحرر والنهوض؛ بل إن استراتيجية الزرقاوي - من خلال رسالته إلى بن لادن- هي إدامة الفوضى والعنف في العراق، وليس استقلال العراق، ولذلك تلجأ جماعته في كل عملياتها التي تستهدف الشيعة والمدنيين إلى خلق حالة من البلبلة، لأنها المتضرر الرئيس من استقلال العراق وقيام حكومة وطنية فيه، الأمر الذي سيحول دون تحوّل العراق إلى مركز رئيس وحيوي لهذه الجماعة في المنطقة. أما القول إن جماعة الزرقاوي قد ساهمت في نمو المقاومة العراقية المسلحة ضد الاحتلال، وفي زيادة حجم خسائره، فهو قول صحيح من ناحية، لكنه يغفل - في المقابل- ما هو أهم، أي الضرر الكبير الذي ألحقته هذه الجماعة -من خلال عملياتها الدموية وفكرها المشوه- بمنهج المقاومة وصورتها العالمية ودورها الوطني. كما أدت عمليات هذه الجماعة إلى سلبيات كبيرة امتزجت بدور المقاومة العراقية، ومن ذلك غياب الإجماع الوطني حول المقاومة، لأن ممارسات الجماعة قامت على استعداء فئات كبيرة من المجتمع العراقي، وخلق حالة من الاستنفار والاحتقان المتبادل. ويضاف إلى ما سبق التشويش الذي أدى إليه خطاب هذه الجماعة الذي يكفر ويضلل الفئات الأخرى، ويقدم أهدافا وشعارات سياسية لا تخدم الشعب والمقاومة العراقية بأي حال من الأحوال. من جهة ثانية، تقف جماعة الإخوان المسلمين الأردنية - التي ترفع دوما شعار أنها تمثل الإسلام المعتدل- على المحك، فقد كانت تقدم في خطابها - دوما- تأييدا للمقاومة العراقية يستوعب متن وصدر بياناتها وفتاواها، بينما كانت تنتقد على استحياء (في الهامش) عمليات جماعة الزرقاوي، وخطابها الفكري. ومن ثم، فعلى الإخوان الذين وقفوا بوضوح ضد تفجيرات عمان، أن يقفوا بوضوح ضد تفجيرات العراق التي تقتل المدنيين والأبرياء، وأن يتخذوا موقفا صريحا ومباشرا من جماعة الزرقاوي وخطابها ودورها. لا بل على الإخوان أن يخصصوا جزءا من خطابهم السياسي للداخل الإخواني وللمجتمع الأردني، لتوضيح الرسالة الأخلاقية للإسلام والتي تقوم على حرمة دماء المسلمين والمجتمعات العربية، وتؤصل لمعاني الرحمة والحوار والتعايش والانفتاح، وهو ما يناقض تماما رسالة جماعات العنف العدمية ودورها الحالي! m.aburumman@alghad.jo
تحضير للطباعة أرسل لصديق - |
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر
|