حسبُ الإرهابيين الذي استهدفوا عمان باسم الإسلام ومحاربة أعدائه، حسبهم إدانة أن يقف اليوم حتى من اعتادوا غض الطرف أو حتى تبرير قتل المدنيين بأسلوب مماثل في مدن وبلدان أخرى باسم مقاومة الاحتلال، أن يقفوا في موقف الصدمة وعدم التصديق لإمكانية أن يرتكب تنظيم أو جماعة تزعم أنها "إسلامية!" فظاعة مماثلة بحق مدنيين أبرياء، وعن سابق معرفة وتصميم! وتتعمق هذه الإدانة من قبل من كانوا "يتفهمون!" سابقا عمليات إرهابية كهذه في أماكن أخرى مع استحضار ما يسمى بـ"نظرية المؤامرة"، أي القول إن جريمة كالتي شهدتها عمان لا يمكن، بالنظر إلى نتائجها التي تشوه صورة الإسلام والمسلمين على امتداد العالم بعد أن أزهقت أرواح عشرات منهم، لا يمكن إلا وأن يكون مرتكبها عدوا للإسلام والمسلمين والعرب كافة! وبعبارة صريحة، فقد غدا "تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين" الذي يزهو فخرا بتنفيذ العمليات الإرهابية في عمان، باسم الإسلام، في ذات الخندق مع إسرائيل التي تحتل فلسطين!
تلك نظرية مؤامرة بتنا نحن، في غالبيتنا العظمى، قبل غيرنا نهزأ منها ولا نلقي لها بالا، لأن المطلوب اليوم هو حلول ومعالجات حقيقية، وليس مازوشية العجز التي تزهق أرواحنا وتسمح بتدمير اقتصادنا وغير ذلك الكثير الكثير. لكن في المقابل، فإن دعاوى تلك النظرية يجب أن لا تعمينا أو تمنعنا من التنبه إلى مسؤولية الولايات المتحدة الأميركية عما حدث في عمان، وفي غيرها سابقا ولربما لاحقا -لا قدر الله- والتوقف عند هذا الدور.
المسؤولية الاميركية التي نقصدها هنا لا تتمثل في احتلال العراق، ولا في الدعم غير المشروط للاحتلال الإسرائيلي الذي يستبيح الأرواح الفلسطينية قتلا، والأرض الفلسطينية مصادرة وتجريفا، فالعمليات الإرهابية في عمان على الأقل، لا يمكن تبريرها بأي من ذلك. المسؤولية الأميركية التي نقصدها هنا تتمثل في السماح بجعل العراق أفغانستان أخرى، بل وأسوأ! فبإقرار وكالة المخابرات المركزية الأميركية (CIA) في تقاريرها التي باتت معلنة ومعروفة، غدا العراق عقب الاحتلال الأميركي مرتعا خصبا لتنظيمات إرهابية (كما العصابات الإجرامية) مختلفة المعتقدات والنوازع والأهداف، وبيئة أكثر من ملائمة للتجنيد والتدريب على كل أنواع الإرهاب والإجرام.
واستكمالا للمسؤولية السابقة، وفيما تطالب الولايات المتحدة الدول المجاورة للعراق بضبط حدودها لمنع تسلل المقاتلين والإرهابيين إلى العراق، يبدو أن أميركا -باعتبارها قوة احتلال مسؤولة عن أمن العراق- عجزت عن ضبط حدود هذا البلد ومنع تسلل الإرهابيين منه، رغم أن الإرهابيين القادمين من العراق يكونون على الأغلب أكثر تدريبا، ومزودين بأسلحة لا تبدو متاحة في اية دولة أخرى بذات السهولة الموجودة في عراق ما بعد الاحتلال.
القلق من افتقاد الولايات المتحدة لسياسة واضحة في العراق، ومطالبتنا الدائمة بإيجاد حلول حقيقية للمعاناة التي يعيشها العراق كانت حاضرة من باب حرصنا على استقرار العراق وأمن مواطنيه، وكذلك الخشية من أن يغدو العراق وكرا للإرهابيين وعصابات الجريمة المنظمة، أما وقد تحولت الخشية إلى واقع، فقد غدت تلك المطالبة حقا لنا كأردنيين بنفس القدر كعرب نحرص على اشقائنا العراقيين. وفيما الولايات المتحدة تطالبنا بالإصلاح كأسلوب أمثل للقضاء على الإرهاب الذي تقول إن الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية -ناهيك عن الثقافة- في البلدان العربية هي التي تنتجه لينتشر بعد ذلك في أرجاء العالم كافة، فنحن لا نطالب الولايات المتحدة بأكثر مما تطالبنا به، أي إصلاحات سياستها (أو الأدق وضع سياسة) في العراق، وعلى الصعد السياسية والاقتصادية-الاجتماعية إضافة إلى العسكرية، لأن الـ"لا سياسة" التي انتهجتها الولايات المتحدة منذ الغزو وحتى الآن باتت بحق المسؤولة عن جلب الإرهاب إلى عقر دارنا ليسفك دماءنا.
manar.rashwani@alghad.jo