فوز بيرتس لا يعكس تحولا اجتماعيا في اسرائيل
الثلاثاء 15/11/2005 بقلم: برهوم جرايسي - عن "المشهد الاسرائيلي"
مع ظهور نتيجة الانتخابات لرئاسة حزب "العمل" وفوز عمير بيرتس، رئيس اتحاد النقابات العامة، "الهستدروت"، طُرح فورا السؤال: ما إذا هذا انعكاس لتحولات في المجتمع الاسرائيلي أم لا؟، ويميل غالبية المراقبين في اسرائيل الى طرح اجابة سلبية على هذا السؤال. ويُطرح هذا السؤال على ضوء استفحال ظاهرة الفقر في اسرائيل، الى جانب البطالة التي تراجعت في السجلات الرسمية ولكنها تحولت الى بطالة مبطنة، فغالبية الخارجين من دائرة البطالة يعملون الآن إما في وظائف جزئية او موقتة، او في أجور متدنية، وقد تكون كلها مجتمعة لدى عامل واحد. وهذا ما يؤكد ان دائرة الفقر تتسع اكثر، وفي دولة طبيعية، كان من الطبيعي ان نكون قد شهدنا منذ فترة ثورة خبز وجوع، ولكن في مجتمع تطغى عليه العسكرة، ومؤسسة تفرض عليه الأجواء الأمنية والتصعيد العسكري والخوف الدائم من العدو، يختار الصمت على جوعه، لكي لا يقع "في مطب أمني"، وهذا هو الجو السائد في اسرائيل، وحتى الآن فإن المسألة الامنية السياسية هي السؤال الابرز في القرار السياسي لدى غالبية المواطنين الاسرائيليين، ونقتبس هنا، مثلا، الباحثة مينا تسيمح، التي تدير اكبر معهد لاستطلاعات الرأي في اسرائيل، معهد "داحف". بداية هناك ضرورة لفحص الظروف التي أدت الى فوز عمير بيرتس في انتخابات رئاسة حزب "العمل"، فقد شارك في هذه الانتخابات 64 الف شخص، من اصل 107 آلاف من ذوي حق التصويت في الحزب، وقد حصل عمير بيرتس على قرابة 27 ألف صوت، في حين حصل شمعون بيرس على حوالي 25 الف صوت. بمعنى ان بيرتس لم يحصل على الغالبية المطلقة من المصوتين، وانما استفاد من النظام الانتخابي في الحزب الذي يسمح للمرشح ضمن ثلاثة مرشحين واكثر بالحصول على نسبة 40% واكثر ليفوز بالانتخابات والنقطة الاساسية في هذا المجال هو ان الحديث يجري عن بضعة آلاف، لا يمكن ان تكون تعبر عن مزاج عام في اسرائيل. الأمر الآخر هو حملة الانتسابات لحزب "العمل"، فقد عاد عمير بيرتس الى حزبه "الأم" العمل، ومعه بضعة آلاف من اعضاء حزبه السابق، غالبيتهم الساحقة من موظفي الهستدروت وابناء عائلاتهم وغيرهم. وخلال حملة الانتسابات الأخيرة التي انتهت في شهر ايار (مايو) من العام الجاري، اعلن معسكر بيرتس انه نجح في تجنيد 35 ألف منتسب، ولكن اتضحت لاحقا عمليات تزوير جماعية وغير قانونية في هذه الحملة، وبالاساس من معسكر عمير بيرتس وبنيامين بن اليعيزر، وجرى الحديث عن أكثر من 30 الف انتساب مزور، وقامت لجنة خاصة في حزب "العمل" بالغاء قرابة عشرين الف انتساب، وتجري الآن تحقيقات في الشرطة حول حملة التزوير، وقد تطال التحقيقات قريبا، عمير بيرتس نفسه. وشملت حملة التزوير، التي عالجها "المشهد الاسرائيلي" أكثر من مرة، ضم اسماء من دون معرفتها، او خداعها من خلال حملها على توقيع مستندات نقابية وغيرها من الوسائل، وحصة الاسد لهذه التزويرات كانت لعرب فلسطينيين في اسرائيل، الذين اتضح أن آلافا منهم لم يكونوا على علم بمسألة انتسابهم للحزب. في يوم الانتخابات أكد العديد من المراسلين الذين اشرفوا على العملية الانتخابية ان غالبية الموظفين في الهستدروت اتخذوا عطلة لهم من العمل، وتجندوا ليوم الانتخابات لرئاسة الحزب، وفي ساعات المساء الاولى، أكد المراسلون ان معسكر بيرتس نجح في تجنيد 100% تقريبا، أو اقل من ذلك بقليل، من جمهور مصوتيه الذين ادلوا باصواتهم، وفي المقابل فقد كان تقاعس واضح في معسكر شمعون بيرس، كما ان انصار ايهود براك ومتان فلنائي، اللذين انسحابا من المنافسة لصالح بيرس بقوا في البيوت وهذا احد اسباب نسبة تصويت متدينة بالنسبة لانتخابات داخلية في حزب معين. بمعنى ان هناك اسباب تقنية واضحة جدا ساهمت بشكل اساسي في نجاح عمير بيرتس، ولا يمكن الحسم بأن فوز بيرتس هو نتيجة تحول في حزب "العمل" وبالتالي في المجتمع الاسرائيلي الذي بات يقلق من الاوضاع الاقتصادية الاجتماعية. من الضروري الاشارة الى ان الفترة الممتدة من مطلع شهر ايلول/ سبتمبر وحتى نهاية العام بنهاية شهر كانون الأول/ ديسمبر من كل عام، هي فترة مظاهرات واحتجاجات نقابية، خاصة من قبل النقابات الكبرى، وهذا في فترة اقرار ميزانية الدولة للعام القادم، وحتى الآن لا نرى مثل هذه التحركات، ولا حتى في الايام القريبة، بمعنى ان هناك تراجعا حتى في هذا المجال في الشارع الاسرائيلي. اضف الى هذا نتائج استطلاعي الرأي اللذين ظهرا يوم الجمعة الماضي في صحيفتي "معاريف" و"هآرتس"، فعمير بيرتس لم ينجح في اظهار جرف في الشارع الاسرائيلي، وقد دلت الاستطلاعات على تفوق حزب الليكود مع فجوة واضحة عن حزب "العمل" الذي حقق قفزة طفيفة، من 22 مقعدا الى 28 مقعدا، من اصل 120 مقعدا في الكنيست، وهذه القفزة ايضا نتيجة الضجة الاعلامية التي رافقت انتخاب بيرتس، ومن شأن هذه الضجة ان تتراجع في الأيام القادمة. لذلك فإن طابع الفوز الاداري لعمير بيرتس، يغلب أكثر على مقولة: فوز نتيجة تحولات اجتماعية في حزب "العمل" او المجتمع الاسرائيلي عامة. وهنا تجدر الاشارة الى انه على الرغم من خطاب عمير بيرتس النقابي المؤيد للاجيرين والشرائح الفقيرة والضعيفة، إلا انه لم يحقق في السنوات السبع الاخيرة أي مكسب لاجيري القطاع الخاص، فقد تركز عمل الهستدروت في خدمة النقابات الكبيرة في اسرائيل، التي قسما منها تحول الى مجموعات عمالية احتكارية، مثل شركات الكهرباء والاتصالات والموانئ وغيرها، فهذه النقابات تسيطر على مؤسساتها وتحتكرها لمصالحها الضيقة. ولهذا فإن عمير بيرتس سيكون مطالبا بالاجابة على اسئلة صعبة من الشرائح الفقيرة والضعيفة التي اهملها بيرتس على مدى سنوات. أضف الى هذا، أيضا، أن عمير بيرتس، وفي خطابه امام انصاره فور ظهور النتيجة، توجه الى كبار اصحاب رؤوس الاموال ليطمئنهم انه ليس ضد السوق الحر والاقتصاد الحر، بكل ما يتبع هذا من اجراءات ومفاهيم اقتصادية، وهي الخطوة العلنية التراجعية الاولى التي يقوم بها بيرتس، الذي سيكون عليه في اليوم التالي للانتخابات البرلمانية ان يترك منصبه في رئاسة الهستدروت بموجب القانون الذي يمنع رئيس الهستدروت من عضوية الكنيست، بادعاء ازدواجية المناصب. إن حسم هذا السؤال، الذي بتنا نلمح بشكل واضح الاجابة عليه، سيكون في الانتخابات البرلمانية القادمة التي ستجري إما في شهر آذار/ مارس او شهر أيار/ مايو من العام القادم.
تحضير للطباعة أرسل لصديق - |
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر
|