إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



هل أفلست القاعدة؟

الثلاثاء 15/11/2005
محمد أبو رمان - "الغد" الاردنية

أحد أبرز الأسئلة التي استولت على اهتمام اغلب الأردنيين وهم يرون حجم الكارثة والدمار الذي نشأ عن أحداث 9/11 هو: كيف وصلت "القاعدة" والجماعات المرتبطة بها إلى هذه المرحلة المتردية من التفكير والممارسة؟ وما هي التحولات التي طرأت على هذه الجماعات لتنتقل من مبدأ مقاومة الاحتلال والهيمنة "المعلن" مسبقا في أدبياتها، إلى جماعات عدمية لا هدف لها إلا القتل والدمار؟

تبدو الإجابة عن هذه الأسئلة مقرونة بقراءة للمراحل التي مرت بها "القاعدة"، خاصة بعد تفجيرات 11/9 في نيويورك وواشنطن. إذ شعر قادة التنظيم بالزهو والانتصار بعد أن رأوا حجم الدمار والكارثة التي أدت إليها تلك العمليات، لكن من الواضح أن التنظيم لم يكن قد خطط أو رتب لما بعد الأحداث، ولردة الفعل الأميركية. ولم يكن بن لادن والظواهري يدركان أن الضربة القاسية التي وجهاها، من خلال تنظيمهما، للمارد الأميركي ستكون هي ذاتها محفزا ومبررا بيد "المحافظين الجدد" لينفذوا مشروع الهيمنة المؤجل في العالم الإسلامي، وليسددوا ضربات -لا ضربة واحدة- ويسيروا في مشاريع عالمية باسم "مكافحة الإرهاب" لتأديب "القاعدة" وأتباعها في العالم.

لم تكن الحرب الأفغانية التي محت مركز القاعدة في أفغانستان وأزالت حكم طالبان سوى رأس جبل الجليد في الحرب الأميركية العالمية على الإرهاب! فقد نشطت المخابرات المركزية الأميركية في تعقب "القاعدة" في أكثر من ثمانين دولة في العالم، واعتقلت وقتلت أغلب قادة الصف الأول والثاني، بينما البقية مطاردون يتمتعون بعصر الفضائيات التي تنقل خطابات الوعيد والتهديد منهم إلى العالم، ليزيدوا من أزمة التنظيم وكشف الخواء واليأس الذي وصل إليه!

لقد كشفت السنوات الاخيرة حجم الضعف والوهن الذي وصل إليه تنظيم القاعدة، إذ فشل هذا التنظيم في توجيه أي ضربة للقوات أو المصالح الأميركية الحيوية في مختلف دول العالم، فاتجه أنصاره وأفراده إلى الأهداف الرخوة والسهلة التي لا تصيب سوى المدنيين والأبرياء الذين لا حول لهم ولا قوة. وبقدر ما كانت عمليات قتل المدنيين والأبرياء تعبر عن حالة من اليأس والبؤس، بقدر ما حاولت القاعدة إخفاء ذلك من خلال خلق مبررات واهية ضعيفة لضرب هذه الأهداف. ومن خلال تزايد حالة العجز والضعف وانعكاس ذلك على طبيعة الأهداف المضروبة (كنائس، وفنادق، وحافلات لنقل الركاب...) تطورت الديناميكيات التي أوصلت التنظيم والجماعات المرتبطة به ليس إلى جماعات تخريب ودمار إجرامية، بل إلى فكر عدمي دموي أيضا.

لماذا وصلت "القاعدة" إلى هذه المرحلة؟ لأنها بنت تفكيرها السياسي فضلا عن الديني على أسس وفلسفة خاطئة تماما. أول هذه الأسس، أن "القاعدة" تصورت الولايات المتحدة "نمرا من ورق"، ستتراجع وترتد إلى عزلتها التاريخية بمجرد أن تتعرض مصالحها وتواجه جيوشها تحديات وضربات حقيقية! لكن الأحداث كشفت أن الولايات المتحدة نمر حقيقي، فهي تمتلك من أدوات القوة والتخطيط والرد ما لم يخطر في بال "القاعدة" ولا قادتها، وهو ما ذاقه آلاف الشباب العرب المساكين الذين جرفتهم العاطفة العمياء إلى المحرقة الأفغانية والعراقية، فاكتووا بنار معركة غير متكافئة، ليكون مصيرهم القتل والسجن وذوق مرارة ما بعدها مرارة!

كذلك، تصور قادة "القاعدة" ومفكروها أن المعركة مع مشروع الهيمنة الأميركية هي معركة عسكرية محضة، النصر فيها عسكري؛ فبنوا مقاومتهم على هذا الأساس الواهن، ولم يدركوا أن المقاومة قبل أن تكون سلاحا يُحمل هي مشروع سياسي-ثقافي، وأن لها شروطها التاريخية والاجتماعية التي تعطيها المشروعية وتصوغ أهدافها، وتبني مصداقيتها. أما المقاومة "عابرة الحدود" التي تتجاوز مفهوم الوطن وإمكانات الشعوب، فهي مقاومة لا تبقى ولا تحقق شيئا، هذا إن لم تكن ذات أثار سلبية مدمرة!

أما الخطأ الثالث والخطير الذي وقعت فيه "القاعدة"، فهو دمجها بين معركتها مع الولايات المتحدة وبين النظم العربية، وتعاملت مع الطرفين وكأنهما طرف واحد، فخلطت بين معارك التحرير ضد الاستعمار وبين شروط النهوض والتنمية الوطنية، وهو خلط خطير وكبير أفقدها كل معاني التوازن، وأدخلها في حرب أمنية وعسكرية وثقافية مفتوحة، ليس مع الولايات المتحدة والنظم العربية وحدها، بل مع الشعوب العربية وأطياف المقاومة الوطنية الأخرى، وهي مواجهة تخلق المناخ الحقيقي للتحول إلى الفكر العدمي والأعمال التخريبية التي نشاهدها اليوم.

والمفارقة هي أن الذي مازال يمد مشروع "القاعدة" -رغم قصوره وتهافته- بالحياة هو الاحتلال الأميركي للعراق والسياسة الخارجية الأميركية وممارسات الاحتلال الصهيوني، إذ تخلق حالة من الغضب والإحباط التي تنعكس في كثير من الأحيان على الشباب العربي المسلم. فما بين فشل المشروع الذاتي للقاعدة وإفلاسه، وما بين الشروط الموضوعية للبيئة المنتجة له يتحدد مستقبل "القاعدة"، مما يؤثر على سيناريوهات المجتمعات العربية مستقبلا.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر