بعد سنوات من الحضور الكثيف للمرأة العربية وقضاياها وحقوقها على أكثر من مستوى وفي غير محفل، دولي وإقليمي ومحلي، يبدو أن الصورة على هذا الصعيد مازالت قاتمة ولا تدعو إلى التفاؤل بحسب المسح الأخير لأوضاع المرأة العربية (تحدي عدم المساواة: قيود وفرص في مواجهة حقوق المرأة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا) والذي شمل ست عشرة دولة -هي الجزائر والبحرين ومصر والعراق والأردن والكويت ولبنان وليبيا والمغرب وعُمان وقطر والسعودية وسورية وتونس والإمارات العربية المتحدة واليمن- إضافة إلى الأراضي الفلسطينية. فقد انتهى المسح إلى أنه "على الرغم من وجود أدلة على حصول تقدم على صعيد المساواة بين الجنسين (Gender) في عدد من البلدان، إلا أن نتائج المسح الرئيسة تعكس وجود فجوة منتشرة على أساس الجنس على صعيد الحقوق والحريات، وأن هناك خللا جوهريا على صعيد حقوق المرأة في جميع البلدان التي شملها المسح! وهو خلل يظهر تأثيره في الممارسة في مؤسسات المجتمع كافة (مؤسسات القانون والقضاء، والاقتصاد، والتعليم، والرعاية الصحية، والإعلام).
ومن ثم، وفي خضم فعاليات "حملة الـ16 يوما العالمية لحقوق المرأة"، يبدو من الضروري مواجهة التساؤل التالي: لماذا تفشل الحركة النسوية العربية، بمنظماتها كافة، في إحداث تغيير حقيقي وملموس في وضع المرأة العربية باتجاه مزيد من الحماية والاعتراف بحقوقها نصا وممارسة؟
بالتأكيد، فإن الإجابة عن هذا التساؤل تطول وتتشعب بالنظر إلى العوامل العديدة والمتداخلة (السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية) التي أدت إلى تراجع وتخلف وضع المرأة في الوطن العربي، وهي عوامل يتشارك المجتمع بمؤسساته المختلفة -نسوية وغير نسوية- في المسؤولية عنها، وبالتالي في مسؤولية مواجهتها ومعالجتها؛ لكن في زمن ما يمكن تسميته "الموجة العالمية لحقوق المرأة"، يبدو أحد أهم هذه العوامل (المعيقة) اليوم -رغم أنه أكثرها حداثة بالنظر إلى ارتباطه بالديمقراطية والانفتاح السياسي في الوطن العربي- مرتبطا بالحركة النسوية تحديدا دون سواها، ويتمثل في ما نعتقد أنه عزلة الحركة النسوية العربية داخل مجتمعاتها أو اعتزالها لهذه المجتمعات وقضاياها!
قد نكون مخطئين إذا ما قلنا إن المرأة العربية في معركتها من أجل حقوقها تبدو أقرب في خطابها وممارستها إلى من يخوض "حرب مواجهة" ضد المجتمع "الذي اغتصب حقوقها"، والذي هو بالتأكيد "مجتمع ذكوري"! لكن بغض النظر عن مدى صحة وجود هكذا حرب "معنوية" من عدمه، فإنه يظل صحيحا تماما، في المقابل، أن الاستراتيجية العامة للحركة النسوية، وفي أغلب البلدان العربية، تقوم على التعامل مع قضية المرأة وحقوقها لا باعتبارها قضية إحدى القوى والحركات الاجتماعية المتكاملة في نسيج المجتمع والمتفاعلة مع قضاياه ومشكلاته ككل، بل باعتبارها قضية المرأة كمرأة بمعزل عن اية مشكلات تواجه هذا المجتمع، وهذه الاستراتيجية (الموقف) تتناقض في الواقع مع الطروحات النظرية -على الأقل- التي تؤكد على أن إحدى النتائج "الإيجابية" للصعوبات الاقتصادية الناجمة عن انتهاج سياسات السوق -وتلك التي تفرضها العولمة بشكل عام- متمثلة في تعزيز الدور السياسي والاجتماعي للمرأة "انطلاقاً من كون النساء هن الأكثر اهتماماً فيما يتعلق بالصعوبات المتعلقة بظروف ومستوى المعيشة، بحيث ستشهد التنظيمات المدنية (مؤسسات المجتمع المدني) الناشئة أساساً للاحتجاج على تدهور تلك الظروف والمستويات أعداداً متزايدة من النساء، وبالتالي بروزهن على المستوى العام وتعزيز مشاركتهن السياسية في النهائية، طالما أن هذه التنظيمات ستغدو شكلاً جديداً للممارسة السياسية".
باختصار، فإن فعالية المرأة على صعيد الحياة العامة ككل، وفيما يتعلق بالقضايا المختلفة التي تمس المجتمع، ينعكس حتماً وبالضرورة على فعاليتها وتحسين أوضاعها وظروفها كمرأة في أي مجتمع، وبعبارة أخرى، فإن وكما تؤدي المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية إلى التأثير سلباً أو إيجاباً في وضع المرأة بشكل عام، فإن مدى فعالية المرأة ونشاطها يؤدي إلى التأثير في تلك المتغيرات وبشكل يتناسب طردياً مع تلك الفعالية.
manar.rashwani@alghad.jo