عودة إلى شارونالثلاثاء 29/11/2005 انطوان شلحت- المشهد الاسرائيلي
يتواصل الانشغال في إسرائيل بمداليل الخطوة التي أقدم عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي، أريئيل شارون، الأسبوع الماضي، حين أعلن انشقاقه عن "الليكود" الذي كان وراء تأسيسه وإنشاءه حزبًا جديدًا تردّد بداية أن اسمه سيكون "المسؤولية الوطنية" وسرعان ما استقر الرأي على أن يكون اسمه "كديما" (إلى الأمام). وسبق أن أشرنا إلى أنه منذ إعلان أريئيل شارون عن "قبوله" لرؤيا الرئيس الأميركي جورج بوش لحل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني المعتمدة على "مبدأ الدولتين" (أعلنت في 24 حزيران 2002)، وأكثر فأكثر بعد إنجازه لخطة "فك الارتباط" عن قطاع غزة وبعض مستوطنات شمال الضفة الغربية، ثمة انشغال غير مسبوق في إسرائيل بما اصطلح على توصيفه بـ"صورة شارون الجديدة"، مقارنة بصورته "القديمة" التي ارتسم وفقًا لها، فيما يتعلق على وجه التحديد بسيناريوهات تسوية النزاع المذكور، باعتباره من أشدّ الأعداء الألدّاء لفكرة قيام دولة عربية أخرى بين النهر والبحر، وبكونه أكثر المتمسكين إن لم يكن "المبتكر" لمفهوم "الأردن هو الدولة الفلسطينية". وما من شك في أن هذا الانشغال مرشّح للتصاعد في غضون الفترة القليلة المقبلة حتى يوم الانتخابات في 28 آذار 2006، على ضوء نتائج استطلاعات الرأي التي تمنح حزب شارون مكانة الحزب الأكبر وعلى ضوء الاحتمال القوي بأن يلتحق شمعون بيريس بركب هذا الحزب، مضيفًا "هزّة سياسية" أخرى إلى الحلبة السياسية والحزبية الإسرائيلية التي أضحت تمسي وتصبح على وقع الهزّات. غير أن ما يلفت النظر من ركام هذا الانشغال هو ميل أكثرية الخائضين فيه إلى ناحية إعادة إنتاج المزاعم التي تكرّس "الصورة الجديدة" لشارون. وبالتالي فسيكون إخراج الحقائق من هذه المزاعم، مرّة أخرى، أشبه بعملية استخراج الكستناء من النار. فقد أصبح شارون محاطًا أكثر من ذي قبل برأي عام يدقّ له الطبول.. والأهم من كل ذلك أن وسائل الإعلام الإسرائيلية أصبح أداؤها منذ زمان مفارقًا لماهية الدور المفترض بوسائل إعلام الدول الديمقراطية أن تؤديه. حتى الآن فإن المستأنفين على هذه "الصورة الجديدة" ينطلقون من منطلقين، وإن بدا أن الأول يتعاكس مع الثاني، إلا أنهما يكملان بعضهما البعض: المنطلق الأول يقول إن شارون في إجراءاته الأخيرة يضمر من الأشياء الخفية أكثر مما هو معلن في الظاهر، على حدّ ما يؤكد المعلق في "هآرتس"، عوزي بنزيمان، أحد أكثر الكتّاب الانتقاديين لسيرة حياة شارون. فقد أشار بنزيمان، غداة خطوة شارون تلك، إلى أن رئيس الوزراء لم يطرح خطة سياسية واضحة ولم يعلّل بصورة أيديولوجية مقنعة الأسباب التي دفعته إلى تشكيل حزبه الجديد. وخلص إلى القول إنه في الأحوال جميعًا يحتاج الإطار السياسي الجديد الذي يقوم شارون بتشكيله إلى مضامين. فمن حق الجمهور أن يعرف لماذا يطلب منه شارون أن يعطيه ثقته مرة أخرى. وإن رفع خريطة الطريق كشعار سياسي ليس كافيا لأنه شعار عدمي ومُبهم جدا. ومضى يقول: بعد أربعة أشهر سيحاول شارون الجلوس مرة أخرى على كرسي رئاسة الوزراء. فما الذي ينوي فعله لتطوير علاقاتنا مع الفلسطينيين وتخليص إسرائيل من وِزر الاحتلال؟ هل سينتظر مراوحا في مكانه إلى أن يبادر الطرف الآخر بنفسه؟ وما هي حدود الدولة التي يقوم بترسيخها؟ وما هو حجم "الكتل الاستيطانية" و"المناطق الأمنية" التي يتحدث عنها؟ وهل سيقوم بتكريس الوضع القائم إذا لم تفِ السلطة الفلسطينية بالشروط التي يطرحها عليها؟ لماذا يرفض القيام بانسحاب آخر مسبقا حتى بصورة أحادية الجانب؟. أما القائلون بالمنطلق الثاني فيرون أن شارون يمتلك رؤية كاملة وأن كل ما فعله إلى الآن يخدم هذه الرؤية. وفي هذا الشأن فإنه من المثير قراءة ما يقوله الأستاذ الجامعي أفيعاد كلاينبرغ: عندما لا تسبينا غمزات شارون يمكن أن نرى خطا واضحا يوجه سياسته، وهو خط الانسحاب من غزة لا يعتبر شاذا عنه بل جزء غير منفصل منه. في يوم صافٍ يمكن أن نرى إلى أين يقود الانفجار الكبير: إنه يقود إلى استكمال تأسيس مشروع الاستيطان وإغلاق نافذة الفرص الضيقة لحل ثابت بيننا وبين الفلسطينيين. لا توجد لدى شارون أية رغبة في الوصول في الزمن المنظور إلى تسوية دائمة. كان هدفه ولا يزال كسب الوقت لمنع الحل. اقرأوا مرة أخرى الأقوال الصريحة لدوف فايسغلاس عن رؤيا شارون السياسية. إن دولة إسرائيل لن تتعرّض مرة أخرى لإجراء لامع من طرف شارون. إنها تحتاج إلى تغيير منظومي، تغيير يكون المجتمع والديمقراطية والسلام متضافرين فيه. وشارون لا يستطيع ولا يريد أن يقترح إجراء كهذا. منذ فترة طويلة كتب المعلق السياسي لصحيفة "هآرتس" ألوف بن، تحت العنوان "فرحة البلدوزر"، يقول إن من اعتقد بأن شارون تحول إلى يساري وبدأ الاهتمام بـ"حقوق الفلسطينيين"، يكون قد ارتكب خطأ جسيمًا. فشارون لا يزال يعتقد أن البلدوزرات والشقق السكنية هي التي تحسم الحدود، بتأييد ودعم من أميركا. وأضاف أن سياسة الكتل الاستيطانية التي اتبعها شارون تُصيب قلب الوسط السياسي في إسرائيل. فإن الجميع يحبون معاليه ادوميم وأريئيل، باستثناء حركة السلام الآن وبعض الزاعقين من اليسار. في ضوء هذا كله ستكون المطالبة بنقاش معمّق حول القضايا الأساس التي لا ينبغي بـ"الخطوة الشارونية الأخيرة" أن تغيّبها من نصيب قلة ضئيلة- القلة نفسها التي لا تنفك تقول إن من يعتقد بأن شارون قد تغيّر يرتكب خطأ فادحًا. غير أن قولها هذا سيضيع وسط الزحام وفي غمرة الانشغال الذي لا يكلّ بتفاصيل أخرى عديمة القيمة في... "صورة شارون الجديدة"!
تحضير للطباعة أرسل لصديق - |
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر
|