يعتقد غيرهارد شرودر المستشار السابق لألمانيا أن أوروبا تواجه تحديات كبرى مستمدة من القوة السكانية والاقتصادية الآسيوية، إذ إن شنغهاي في رأي شرودر لا تمثل رمزاً للتجديد المعماري لحاضرة الثقافة والتجارة القديمة فحسب، بل إنها تجسد أيضاً القوة الدافعة الاقتصادية والاجتماعية التي تتمتع بها الصين ومعها كل آسيا.
إن القوة الاقتصادية الناشئة في آسيا ليست موجهة ضد أحد، بل على العكس تماماً، تمثل بالنسبة لأوروبا فرصة عظيمة، ولكن ثمة ظواهر اقتصادية وتقنية واجتماعية، ستقلب النظام العالمي الذي نعرفه رأساً على عقب، ففي السنوات العشر القادمة - على سبيل المثال- سيكون عدد سكان شنغهاي أكبر من عدد سكان البلدان الإسكندنافية مجتمعة.
ولكن أوروبا تخطو خطوات واسعة في مواجهة التحديات، من أهمها توسيع الاتحاد الأوروبي ليشمل 25 دولة، وإذا انضمت تركيا إلى الاتحاد الأوروبي فإنه سيصبح قوة سكانية كبرى، تتوغل في آسيا والشرق الأوسط، وتحقق مكاسب جيوسياسية وجيوإستراتيجية، وربما تحظى بقبول إسلامي واسع.
وتسير أوروبا في برنامج ديمقراطي- اجتماعي يقترب من الاشتراكية والعدالة الاجتماعية بخلاف البرنامج الأميركي الاقتصادي القائم على الخصخصة والليبرالية الاقتصادية التي تقلل كثيرا من مستوى الرفاه والتماسك الاجتماعي.
ويتوقع أن يكون النموذج الاجتماعي الأوروبي هو الحلم العالمي الذي يجمع بين الحرية الاقتصادية والالتزام الاجتماعي في الوقت نفسه، فلا تطغى الشركات والمصالح الاقتصادية على حقوق المجتمعات والطبقات الوسطى والفقيرة.
ويشير شرودر إلى إعصار نيو أورليانز الذي علم الأوروبيين، والبريطانيين، أنهم لا يريدون ولا يستطيعون خصخصة الجوانب الحيوية من حياتهم، وما يريدونه هو دولة ترافقهم دون أن تأخذهم من أيديهم.
والنهضة الآسيوية تمثل قوة دفع حضارية واقتصادية للنموذج الأوروبي وتتحدى النموذج الأميركي، فهي تقتبس كثيرا من النموذج الأوروبي وتقدم فرصا للتبادل والتفاعل الاقتصادي الآسيوي تتجاوز النموذج الأميركي الذي أصبح يرمز إلى الاستهلاك والشره والهيمنة، ويسمى أحيانا "ثقافة الموت".
فالوحدة الأوروبية تمثل نموذجا مبدعا وخلاقا لدول وشعوب المنطقة، لا يلغي الدول وسيادتها ومصالحها والثقافات واللغات بل يتجاوزها جميعا في وحدة تجمع بينها نحو المصالح والأفق الإقليمي والعالمي.
والتجربة الأوروبية القائمة على السلام ونبذ الحروب ثم النجاح العملي الباهر على نحو يبشر بانتهاء الحروب كما انتهى الرق على سبيل المثال يجعلها حلما آسيويا وعالميا. والتركيز الأوروبي على المجتمعات والتنوع يمثل بديلا معقولا أو طريقا ثالثا بين نموذجي الدولة الجامد والاستبدادي، ونموذج الشركات والقطاع الخاص المتوحش والإقطاعي الفظ.
يعتمد النجاح الأوروبي - في رأي جوزيب بوريل- على تركيا والعالم الإسلامي وبخاصة حوض البحر المتوسط، واستيعاب التحدي الإسلامي في داخل أوروبا نفسها. إن تركيا بثقلها السكاني والحضاري وامتدادها الإقليمي سيكون انضمامها تحولا كبيرا في المؤسسة الأوروبية، إذ تصبح المجموعة التركية في البرلمان الأوروبي هي الأكبر، وفي الوقت نفسه فإن الامتداد الآسيوي والإسلامي لتركيا سيجعل أوروبا قوة عالمية تتمتع بالثقل الجيوسياسي والمصداقية الحضارية. وستساعد تركيا أوروبا على النمو، وتوفر لها الطاقة، وتدحض فرضية صراع الحضارات، وقبل كل شيء ستوقف شيخوختها السكانية التي تهددها.
أوروبا تشيخ، ومعدلات الذين تتجاوز أعمارهم 60 عاماً ستواصل ارتفاعها حتى 2030، عندما يتقاعد أبناء جيل طفرة المواليد التي أعقبت الحرب العالمية الثانية. في ذلك الوقت سيكون عدد الأطفال في أوروبا أقل منه اليوم بـ18
مليون طفل، وسيكون عدد العمال الذين تتراوح أعمارهم بين 55 و64 عاما 24 مليون عامل وعدد السكان الذين تزيد أعمارهم على 80 عاما 34 مليوناً مقابل 18 مليونا في هذا العام.
ومعدلات الولادة في البلدان الأوروبية كلها تقريبا هي أقل من عتبة تجدد الأجيال الطبيعي، ويمكن للشيخوخة الأوروبية أن تقلص "النمو الكامن" السنوي في إجمالي الناتج المحلي من 2%-2.25 % حاليا إلى 1.25% في عام 2040.
ويتوقع أن يصل عدد السكان المسلمين في الدول الأوروبية الـ15 (نواة الوحدة الأوروبية قبل انضمام عشر دول من أوروبا الشرقية) إلى 35 مليون نسمة.
ibrahim.gharaibeh@alghad.jo