عوامل كثيرة ستحسم مصير حزب "كديما"الثلاثاء 29/11/2005 برهوم جرايسي- المشهد الاسرائيلي
*حتى الآن شكل شارون قيادة الحزب، وهو بحاجة لبناء جهاز تنظيمي *شارون سيكون ضعيفا في الصراع على صوت ابناء الطوائف الشرقية اليهودية، التي ستتقاسمها احزاب "العمل" و"الليكود" و"شاس" *ملفات الفساد ومعسكر اليمين المتطرف سيلاحقان شارون، ويحرجانه في الحملة الانتخابية*
تتسارع في هذه الأيام "الاهتزازات الارتدادية"، التي أعقبت مفاجأة انتخاب عمير بيرتس رئيسا لحزب "العمل" الإسرائيلي، التي بدورها قادت إلى تقديم موعد الانتخابات البرلمانية، وإسراع رئيس الحكومة الإسرائيلية، أريئيل شارون، في الانشقاق عن حزبه الليكود، وتشكيل حزب جديد، "كديما" (إلى الأمام)، يضم شخصيات سياسية وعسكرية وأمنية، موجها بذلك ضربة قاصمة لليكود، على الأقل حسب ما تشير إليه استطلاعات الرأي حتى الآن. وإذا ما اعتبرنا أن جملة هذه الأحداث هي "مفاجآت"، فإن أمرا أساسيا واحدا كان متوقعا وطبق على أرض الواقع، هو أن الخارطة الحزبية في إسرائيل لم تعد على ما كانت عليه قبل تطبيق خطة إخلاء مستوطنات قطاع غزة، وما هذه الهزات إلا نتيجة حتمية للصراعات الداخلية في الأحزاب الكبيرة، وأيضا بين أقطاب الحلبة السياسية المختلفة. ومن يتابع سير الأمور في إسرائيل يلاحظ أن أي خطوة، مهما كان حجمها أو وزنها وأهميتها، كفيلة بإحداث ضجة سياسية، قد تنعكس على استطلاعات الرأي، التي باتت شبه يومية في الأسبوعين الأخيرين، مما حدا ببعض المراقبين إلى التشكيك في ثبات هذه النتائج حتى الانتخابات البرلمانية التي ستجري بعد أربعة أشهر، في نهاية آذار/ مارس. ولهذا فإن السؤال الأبرز الذي يدور حول حزب شارون الجديد، "كديما" هو: هل هو تجربة إضافية من سلسلة تجارب سابقة في الخارطة السياسية في إسرائيل، أم أنه حالة فريدة من الصعب توقع مصيرها مستقبلا، على الأمدين القريب والبعيد؟.
العوامل التي تحكم مصير "كديما"
حتى الأيام الأخيرة تمنح استطلاعات الرأي تفوقا كبيرا لحزب "كديما"، بحصوله على ما بين 32 إلى 34 مقعدا، من أصل 120 مقعدا، فيما يحصل حزب "العمل" في هذه الاستطلاعات على ما بين 26 إلى 28 مقعدا (21 مقعدا حاليا)، ويحصل حزب الليكود على ما بين 13 إلى 15 مقعدا (40 مقعدا حاليا، بمن فيهم جناح شارون المنشق). وهنا تجدر الملاحظة أنه حين تم انتخاب عمير بيرتس رئيسا لحزب "العمل" منحته استطلاعات الرأي حتى 29 مقعدا، ومنحت حزب شارون، الذي كان حينها في إطار فرضية، 30 مقعدا. وعمليا فإن استطلاعات الرأي تراجعت بالنسبة لحزب "العمل" حتى 10%، ولذا فإن بعض المراقبين يتوقعون تحسنا معينا لليكود في استطلاعات الرأي بعد أن ينتخب رئيسه ويشكل قائمته الانتخابية. وعمليا من السابق لأوانه الحكم على نتيجة حزب "كديما" ومدى الضرر الذي بإمكانه أن يسببه لحزب الليكود. ومن المعروف إن استطلاعات الرأي، ومعها وسائل الإعلام، تخلق جوا عاما في الساحة السياسية، وتساهم في إحداث تقلبات في جمهور المصوتين. وحتى الآن فإن الحديث عن "كديما" يجري على مستوى القيادة، وتجميع "نجوم" سياسية وعسكرية وأمنية، لكن هذا الحزب لم يصل بعد إلى الكوادر. وحسب المعلومات الصحفية فإن فروع حزب الليكود لا تزال تتخبط في حسم مسألة ولائها، ولأي من الطرفين ستلجأ، ويحاول شارون الوصول إلى شخصيات ميدانية مركزية في الليكود لضمها إليه، وبمدى نجاحه في هذه المهمة فإنه يؤمن نجاحه في الانتخابات البرلمانية. فاستطلاعات الرأي تسأل الناس وهي في بيوتها عن نواياها، لكن في يوم الانتخابات فإن كل حزب بحاجة إلى الجهاز التنظيمي القوي الكفيل بتحقيق النتيجة التي تتنبأ بها استطلاعات الرأي للحزب. وتزداد المهمة صعوبة حين يكون الحديث عن أكثر من 27% من المقاعد، والتنظيم هو عامل أساسي حاسم في يوم الانتخابات وهو 50% من مجمل العمل الانتخابي خلال الحملة الانتخابية. وتدخل في إطار التنظيم، أيضا، السيطرة على مقاولي الأصوات، الذين بإمكانهم تجنيد آلاف الأصوات لمن يدفع. وهذه ظاهرة من معالم الفساد الانتخابي المنتشرة في أوساط عديدة في إسرائيل، خاصة بين الشرائح الفقيرة والضعيفة، وبالأساس لدى اليهود الشرقيين، وأيضا لدى المهاجرين الجديد، خاصة القادمين من دول الاتحاد السوفييتي السابق، وطبعا فإن أوساطا قليلة من العرب ليست بريئة منها. الأمر الثاني سيتعلق بتركيبة القوائم الانتخابية في الأحزاب المركزية. وحتى الآن لا يوجد في حزب شارون الكثير من الأسماء اللامعة التي بمقدورها جذب المصوتين بشكل جارف، عدا شارون وحده، ولهذا فإنه يسعى إلى ضم شخصيات ذات ماض أمني كبير، مثل رئيس جهاز المخابرات الداخلية العامة، "الشاباك"، آفي ديختر، وغيره من ضباط الاحتياط في الجيش، في حين أن نجوم الليكود المركزيين، الذين لهم قواعد انتخابية، بقوا في الحزب. ومن هؤلاء مثلاً وزراء الدفاع، شاؤول موفاز والخارجية، سيلفان شالوم والتربية والتعليم، ليمور ليفنات، طبعا إلى جانب بنيامين نتنياهو. والعامل الآخر الذي سيواجهه شارون في هذه الحملة الانتخابية هو العامل الطائفي، بين اليهود الشرقيين، السفاراديم، والغربيين، الأشكناز، وهو العامل الذي يصحو من جديد في كل معركة انتخابية. وما سيؤجج هذه القضية ترشيح الشرقي عمير بيرتس على رأس حزب "العمل"، هذا الحزب الذي وصف دائما بأنه حزب النخبة الأشكنازية، الذي رسخ التمييز ضد الشرقيين في سنوات حكمه التسع والعشرين الأولى لإسرائيل. وامتد النقاش الطائفي الآن إلى الحملة الانتخابية لرئاسة حزب الليكود، بترشح شاؤول موفاز، من أصل إيراني، وسيلفان شالوم، من أصل تونسي، أمام الأشكنازي بنيامين نتنياهو. وحسب قائمة الأسماء لا توجد لدى شارون تلك الشخصية الشرقية التي بإمكانها أن تجذب أصوات أبناء الطوائف الشرقية، الذين يشعرون دوما بالغبن والتمييز ضدهم، من قبل مؤسسة الدولة الأشكنازية، حسب منظورهم. وقد يحاول شارون الدفع بالوزير مئير شطريت إلى مقدمة قائمته، لكنه ليس بوزن بيرتس أو موفاز أو شالوم، في القواعد الشعبية لدى اليهود الشرقيين. كذلك هناك عامل آخر سيلعب دورا في الانتخابات المقبلة، وهو ملف الفساد. فشارون متورط حتى أخمص قدميه بملفات الفساد، من محاولة صديقه شراء جزيرة يونانية بطرق غير سليمة، مستفيدا من علاقات شارون حين كان وزيرا للخارجية في حكومة بنيامين نتنياهو، إلى الحصول على أموال بطرق غير مشروعة من صديقه الثري اليهودي الاسترالي سيريل كيرن، وإقامة جمعيات وهمية لتجنيد أموال بشكل غير قانوني لتمويل حملاته الانتخابية، والملف الأخير تورط فيه نجله النائب عومري شارون، وأدانته المحكمة فيه وهو ينتظر الحكم عليه. وما من شك في أن شارون سيواجه حملة مضادة ومركزّة من معسكر اليمين المتطرف، الذي سيكشف الكثير من خفايا تاريخ شارون وعلاقته بالاستيطان وهذه المجموعات المتطرفة، وفي محطات معينة سيقف شارون في حالة حرجة قد يواجهها مدعيا بأنها تاريخ ماض، وأنه اثبت أن لديه برنامجًا وهو بإمكانه أن يطبقه، لكن هذه الحملة ستؤثر على قطاعات ولو كانت محدودة في جمهور المصوتين. كذلك فإن اليسار الصهيوني سيذكّر شارون بتاريخه الدموي في محاولة لاسترجاع مصوتي أطراف اليسار الصهيوني إلى حزبي "العمل" و"ميرتس". يضاف إلى كل هذا شكل التنظيم والاصطفافات في الأحزاب المتوسطة الحجم، والأحزاب الصغيرة، وكم سيكون بإمكانها الاقتطاع من كعكة المقاعد البرلمانية. فنحن نلاحظ في استطلاعات الرأي انهيارا للقائمة الوسطية الأبرز "شينوي" التي كانت "النجمة" الانتخابية، في انتخابات العام 2003، مع التأكد في حينه أنها كانت مجرد نيزك عابر في الفضاء السياسي سرعان ما سيخبو وهجه، وهذا على ما يبدو الذي يتحقق حاليا. ويبقى هناك سيناريو عام خارج السياق الانتخابي هو أن تبادر حكومة شارون الحالية إلى تصعيد أمني مع الفلسطينيين، مستغلة عملية هنا أو هناك، وليس من المعروف كيف سيؤثر مثل هذا التصعيد على فرص شارون الانتخابية.
برنامج شارون السياسي
حتى الآن يعرض شارون الخطوط العريضة لبرنامجه السياسي في ما يتعلق بالحل الدائم مع الفلسطينيين، لكنه لم يدخل إلى التفاصيل الدقيقة. وفي مرحلة ما سيكون شارون مطالبا بالرد على أسئلة تطرح عليه في هذا المجال، وحينها ستتكشف أكثر نوايا شارون وتزول عنه الهالة التي فرضتها من حوله وسائل الإعلام وبعض الأوساط السياسية، المحلية والخارجية. ولا يستطيع شارون التهرب من برنامجه الحقيقي، أمام أوساط مقربة لليسار والوسط الصهيوني، لا بل قد يتباهى به أمام أوساط اليمين الإسرائيلي. وجوهر برنامج شارون يتركز في الانسحاب من 42% من الضفة الغربية كأقصى حد، بعد تقطيع الضفة الغربية إلى قسمين مركزيين شمالي وجنوبي، بعد سلخ القدس المحتلة عن الضفة بضم مناطق نفوذ استيطانية لها، وسلخ أحياء عربية عنها، ومن ثم سيقسم القسم الشمالي من رام الله وحتى جنين إلى كانتونات، ضمن مخطط "الأصابع" الاستيطاني، وفصل منطقة غور الأردن الموسعة عن سائر أنحاء الضفة الغربية. بمعنى آخر فإن هذا أقصى ما يسعى له شارون، وحينما لن يجد شريكا فلسطينيا يوقع معه على اتفاق كهذا فإنه سيحاول فرض حل انفرادي أحادي الجانب، بطبيعة الحال لن ينهي الصراع، لا بل سيؤججه أكثر. الأمر المضمون في الحملة الانتخابية المقبلة هو أننا سنعرف تفاصيل أدق عن برنامج شارون، وهذا ما سيحدد طبيعة العلاقات مع الحكومة الإسرائيلية القادمة. في السياسة الإسرائيلية، الهائجة دوما، فإن أربعة أشهر هي مدة زمنية "ضخمة" قد تحدث فيها تقلبات شديدة، وهذا تعبير عن حالة القلاقل التي تشهدها إسرائيل منذ مطلع سنوات التسعين وحتى اليوم، بفعل الانتفاضة الفلسطينية الشعبية الأولى، وما تبعها من مسار أوسلو، وحتى يومنا هذا. ولهذا فليس مضمونا أن تبقى نتائج استطلاعات الرأي على حالها، خاصة وأن جهاز استطلاعات الرأي سجل في الأشهر الأخيرة خيبات كثيرة. فهو لم يستطع توقع فوز شارون في اللجنة المركزية لحزب الليكود في نهاية أيلول/ سبتمبر، واستبعد كليا فوز عمير بيرتس برئاسة حزب "العمل". وإذا استمرت هذه الحال فعلينا أن لا نستغرب مفاجأة فوز شاؤول موفاز، مثلا، على بنيامين نتنياهو. وفوز كهذا قد يقلب كافة أوراق شارون رأسا على عقب. وعلى الرغم من أن هذا الاحتمال شبه مستحيل كما نشهد حاليا، إلا أن تجربة الأشهر الأخيرة أسقطت الكثير من "المستحيلات" في الحلبة السياسية الإسرائيلية.
تحضير للطباعة أرسل لصديق - |
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر
|