درس في الترحيل- فعالية لا منهجية حول تراث زئيفيالجمعة 2/12/2005 هشام نفاع- الاتحاد الحيفاوية
عندما سمعت، هذا الأسبوع، بتهديد وزيرة التربية والتعليم الاسرائيلية ليمور ليفنات لمديرة الوزارة، ركبني الخوف و "دندلَ" رجليه على طرفيّ ظهري. كيف لا وقد أشهرت ليمور حربتها في وجه المديرة رونيت تيروش متوعّدة إياها برميها من منصبها إذا سوّلت لها نفسها الانضمام الى حزب اريئيل شارون.. فمهما بلغت جرأة الواحد، سيظلّ من الصعب عليه الحفاظ على النظام العادي لدقّات قلبه وقوّتها أمام هكذا سياسية حازمة. لكن ما علاقتي ولهذا التهديد، قلت لنفسي محاولا لملمة ما تبقى لديّ من شجاعة، فلا أنا تيروش، ولا حتى مجلي وهبة – الذي ظلّ نائبًا لليفنات رغم أنه أيضًا نطّ متعلـّقـًا بأذيال شارون من سفينة الليكود التي بدأت بالغرق! – ثم أن تيروش تركت وظيفتها لاحقـًا وانضمت لشارون وانتهت القضية، فلماذا الفزع؟ المسألة ليست بسيطة. ففي نفس هذا الأسبوع ردّت وزارة ليفنات، بحزم الجبابرة المغاوير، على النائب محمد بركة الذي استجوبها بشأن نيـّة "تطبيق قانون احياء ذكرى رحبعام زئيفي على المدارس العربية في اسرائيل". صحيح ان الرد على الاستجواب تأخّر لمدة أربعة أشهر، ولكن ما علينا، فالوزيرة مشغولة بطبيعة الحال بأمور أهمّ، ليس أقلها مستقبل المقعد السلطوي الذي سيتشرّف بحضرتها البهيّة، وهو مما يستدعيها السهر على المؤامرات والصفقات وحملات النفاق الضرورية وفق معايير الثقافة السياسية الاسرائيلية. المهم، جاء رد الوزارة الى النائب بركة كالتالي: "بما ان هذا القانون مسجل في كتاب قوانين اسرائيل فإنه سيطبق على جميع مواطني اسرائيل". ولمن لم ينتبه فالعرب في هذه الحالة يصبحون جزءًا لا يتجزّأ من مواطني اسرائيل، سبحان الخالق، وهذا على الرغم من خطورتهم الديمغرافية ذائعة الصيت التي لا ينام بسببها موظفو الأمن فيظلّ جلـّهم ساهرًا الليالي وهو يذرع غرف المكاتب والأوكار الرسمية جيئة وذهابًا، يسارًا ويمينًا، وهو يحكّ رأسه ويمسح أرنبة أنفه ويهرش مؤخرته بحثًا عن السبيل الأمثل لتفكيك عبوة الخطر هذه. وهنا، أمام رهبة القانون، والحزم الوزاري بتنفيذه، وتكشيرة ليفنات التي أنشبت مخالبها في دماغي، لم يكن أمام فرائصي سوى أن ترتعد وقد رافقها على الإيقاع اصطكاكٌ مسموع التكتكات لأسناني، وليكتمل مشهد رعبي من ليمور الى درجات تحاشر ما رأيناه مرة في سينما هيتشكوك. وبينما أنا أواجه غدد خوفي التي راحت تعمل ساعات إضافية، جاءني صوت خفيّ من مكان مغمور بين السماء والأرض وهو يأمرني: إجلس يا هشام وحضّر اقتراحًا لحصة مدرسية للطلبة العرب حول موروث زئيفي. فلم يزدني ذلك سوى خشية، وركضت نحو أوراقي متعثـّرًا وقد صارت ساقاي تلتويان فزعًا الواحدة على الأخرى، وكدت أتعثـّر بمجسّم بنيته كي أصلـّي له كل فجر، دليلاً على إخلاصي للدولة، وجلست لأكتب الاقتراح التالي:
*تثقيف طوعي على نسق الترانسفير الطوعي*
حضرة السيّد نبيه أبو صالح المحترم، رئيس لجنة متابعة قضايا التعليم العربي، تحية تنقط منها المواطنة الصالحة أمّا بعد، فقد أمرني صوت رسميّ بصياغة اقتراح لحصّة تدريسية في المدارس العربية حول موروث الراحل رحبعام زئيفي، أرجو منكم اعتماده في مدارسنا وإلا فلن يصيبنا سوى أكره المكروه جرّاء تبعات حزم فخامة وزيرتنا ليفنات، ذات السّطوة والصلاحيّات. فيما يلي التفصيل:
مدة الحصة: خمس وأربعون دقيقة، بالامكان تمديدها ومصادرة الفرصة من الطلاب، وحصص اللغة العربية والحاسوب والرياضيات، اذا استدعى الأمر، لشدّة أهمية الموضوع.
"راتسيونال" الفعالية: جعل الفتية العرب يفهمون ويذوّتون مكانتهم المدنيـّة الرسمية المشتقـّة من موروث زئيفي الذي يحميه القانون بل ويلزم بتدريس هذه الحصة عنه، عملا بمبدأ المواطنة وسيادة القانون الذي جرى سنّه لقوننة شرعنة طرد من يجب أن يتعلموه لأنهم مواطنون (يمكن تجاوز هذه الشّربكيّة – لأسباب تربوية)..
كلمات التدريس: يُنظر الى البند التالي.
سير الفعالية: يجلس الطلاب كل على مقعده، أما معلمة أو معلم الحصة فيمسك بيده منديلا يجفف به دموعه بسبب ورطته هذه، بينما يفهّم الطلاب أنه حزين على زئيفي، ويروحون يقرؤون بالتناوب فقرات من موروثه من أوراق عمل تكون قد وُزّعت عليهم مسبقًا (نصوصها مرفقة). وسائل إيضاح: صور من نكبة 1948، يتم تعليقها فوق اللوح ويظهر فيها بشر ينفّذون الترانسفير الطوعي من وطنهم، ودموع الفرح وملامح التأثّر تغطي وجوههم. أوراق العمل: بالنسبة لأوراق العمل، يمكن أن تحتوي على الفقرات التالية التي يجب قراءتها بالترتيب والتسلسل كي تكون نتيجتها رواية متينة تتطور بالشكل الدرامي المطلوب وصولا الى النتيجة المتوخـّاة من هذه الفعالية التربوية:
1. "نحن اليهود تربينا على أن حياة الانسان هي قيمة عليا (...) بالمقابل فإن جيراننا العرب يتعاملون مع حياة الانسان بشكل مختلف. فهم يربـّون أطفالهم وفتيتهم على الموت والقتل". (مقال بقلم زئيفي، في صحيفة معاريف، 26.8.2001).
2. "اليهودي الواحد يساوي ألف عربيّ". (قالها زئيفي لوسائل الاعلام وبثّتها مرارًا لكنه نفاها، وقد عاد وتناولها أستاذ الفلسفة المرموق أفشالوم أليتسور في مقال له حين قُتل زئيفي، وكتب: تعالوا نقبر هذه المقولة ومعها فكرة الترانسفير الى الأبد، مع زئيفي - ونحن طبعًا نستنكر أقوال اليتسور، وندين الارهاب، ونؤكد ثانية: إحنا مع السّلام!).
3. "هناك من يحاججنا بالقول إن العرب عاشوا في أرض إسرائيل على مرّ أجيال طويلة، ولذلك لديهم حق بهذه الأرض. ولكن معظم عرب أرض اسرائيل، هم أو آباؤهم، جاءوا الى هذه البلاد في آخر مئة عام فقط. ولكن حتى لو عاشوا هنا مئات السنين، فهل يعطيهم هذا أي حق على البلاد؟". (مقال بقلم زئيفي، في مجلة موليدت، أيار 1992).
4. "لقد ذاع صيت زئيفي عندما قارن الرئيس الفلسطيني (الراحل) ياسر عرفات بهتلر، وعندما دعا إلى طرد الفلسطينيين، في سياق سياسة الطرد التي أسماها سياسة الترحيل، من مناطق الضفة وغزة التي تحتلها إسرائيل منذ عام سبعة وستين. كما ازدادت شهرته المثيرة للجدل عندما شبّه العمال الفلسطينيين الذين يعملون في إسرائيل دون تراخيص بـ "القمل" وطالب بوقف انتشارهم الذي "يشبه انتشار السرطان بيننا". (محطة بي. بي. سي. البريطانية، 17.10.2001)
5. "فلنستبق الأمور من خلال الترحيل الذي هو نقل عرب الضفة الغربية وقطاع غزة إلى الدول العربية. الحل للنزاع الإسرائيلي - العربي، والسلام بينهما لا يتحقق إلا من خلال الفصل بين الشعبين. اليهود في أرض إسرائيل والعرب في الدول العربية (...) الآن يجب العمل من أجل نقل السكان العرب من مناطق الضفة الغربية و قطاع غزة إلى الدول العربية" . (نشرة تثقيفية صدرت في التسعينيات عن حركة موليدت التي أسسها زئيفي).
6. "إرتبط إسم رحبعام زئيفي بقضايا متعلقة بالإجرام المنظّم في اسرائيل. في نهاية السبعينيات اتهمه ايهود اولمرت بتوفير الدعم لعناصر الاجرام المنظّم"، كتبت صحيفة "هآرتس". وهي تورد اقتباسات من تسجيل لمحادثة يتضح منها أن زئيفي وجه تهديدات لأولمرت. حيث يقول زئيفي لأولمرت أنه اذا لم يتراجع عن اتهاماته "فإن ذلك سيكون ضوءًا أخضر للتحرّك". أولمرت: أي تحرّك تقصد، هل التوجه مثلا بدعوى الى المحكمة ضدي؟ زئيفي: "أؤكد لك أن هذا ليس هو الاسلوب الذي أفكر به، بل أن هناك طرقًا فعـّالة أكثر"! (هذا الدليل على بطولة وحزم زئيفي نشرته صحيفة "هآرتس"، 18.10.2001).
*round table للنقاش*
حتى هنا أوراق العمل التي يجب على الطلاب أن يقرأوها بصوتٍ عالٍ. بعدها بالإمكان عقد نقاش حول القيم التالية: طرد العرب وتهجيرهم من بيوتهم كحل سلمي، التعامل معهم كقمل وكسرطان وكمن لا حق لهم بالعيش في هذه البلاد – بلادهم، القول أنهم يربون أولادهم على الموت خلافًا لليهود ولذلك فإن قيمة العربي تساوي بالكسر العشري ما يعادل 0,001 من قيمة اليهودي. لأهمية الموضوع بالامكان التوسّع والصلاة وقوفًا عبر الخشوع فيما يكون المعلم/ة يتلو قانون دولة اسرائيل الذي يأمر بتعليم تاريخ من أوصى بالقيم السامية أعلاه وروّج لها، وبالامكان استغلال حصة الانشاء لكتابة رسالة جماعية يوقع عليها الطلاب والطالبات، وتوجيهها الى وزارة المعارف ليتم فيها التعبير عن "الشكر والإمتنان على هذه الحصة التي تلزموننا بتعلـّمها كمواطنين لا نختلف عن غيرنا، وكأصحاب حق بمعرفة مصيرنا الذي تريدونه لنا مؤلفـًا من الطرد والترحيل، لا تزيد قيمتنا فيه عن القمل والسرطان والهمج الذين لا يعرفون قيمة للحياة، وتفضّلوا بقبول فائق الإحترام". وبالامكان أيضًا تخصيص الرحلة السنوية لزيارة متحف تخليد ذكرى زئيفي كي يتعرّف الطلاب عن قرب على من وضعهم بمرتبة الحشرات التي يجب التخلـّص منها، وربما يضيئون شموعًا لذكراه علّ قيمتهم الإنسانية المنحطـّة تتحسّن. وبالإمكان، بقليل من الجهد، جعل الطلاب المشاكسين يتنازلون عن محاولة حلّ "حزّيرة اسرائيل 2005"، التي يتم من خلالها اجبارهم على تعلـّم تاريخ من دعا الى طردهم من وطنهم، بالاستناد الى القانون واستنادًا الى كونهم مواطنين، مع أن معنى هذا التاريخ الذي يتعلمونه حسب نفس القانون هو تشجيع ترحيلهم وبالتالي شطب مكانتهم كمواطنين وكأصحاب حق في هذه البلاد. بالإمكان الكثير، الكثير، والأمر مرتبط بمدى إبداع كل معلم/ة وشدة اخلاصه لدولة اسرائيل، الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط (لمن نسي!).
*خاتمة غير تربوية - درس في المحفوظات*
لقد ظلّ أمامنا بند واحد في الفعالية التربوية، وهو بند الوظائف البيتية. وعملا بمقولة الأديب والناقد اللبناني مارون عبود: إقرؤوا ثمّ إقرؤوا ثم إقرؤوا، يقوم المعلم/ة بتوزيع ورقة العمل التالية على الطلاب. وهذا نصّها:
"كأننا عشرون مستحيل في اللّد، والرملة، والجليل هنا.. على صدوركم، باقون كالجدار وفي حلوقكم، كقطعة الزجاج، كالصبّار وفي عيونكم، زوبعة من نار.. هنا.. على صدوركم، باقون كالجدار نجوع.. نعرى.. نتحدى.. ننشد الأشعار ونملأ الشوارع الغضاب بالمظاهرات ونملأ السجون كبرياء ونصنع الأطفال.. جيلاً ثائراً.. وراء جيل كأننّا عشرون مستحيل في اللّد، والرملة، والجليل .. إنا هنا باقون فلتشربوا البحرا.. نحرس ظل التيّن والزيتون ونزرع الافكار، كالخمير في العجين برودة الجليل في أعصابنا وفي قلوبنا جهنّم حمرا اذا عطشنا نعصر الصخرا ونأكل التراب ان جعنا .. ولا نرحل!! وبالدم الزكي لا نبخل.. لا نبخل.. لا نبخل.. هنا.. لنا ماضٍ.. وحاضر.. ومستقبل" (القصيدة المتمرّدة "هنا باقون"، توفيق زياد).
حتى لو كنا ضدّ أسلوب التربية البائد المتمثل بإجبار الطلاب على الحفظ والمحفوظات، فيمكن هنا الخروج عن القاعدة وتدريب الطلاب على أن يحفظوا القصيدة الوقحة أعلاه عن ظهر قلب. وحتى هنا، إنتهت الحصة (وبدأ الدّرس!).
تحضير للطباعة أرسل لصديق - |
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر
|