إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



مشروع شارون السياسي لن يجد شريكا فلسطينيا

الاثنين 5/12/2005
برهوم جرايسي- الطريق

*الانجراف وراء حزب شارون وحزب "العمل" يؤكد تعطش الشارع الاسرائيلي لأكثر ما يعرض عليه ولكن جعبة شارون خاوية من حل واقعي*


اعلن رئيس الحكومة الاسرائيلية، اريئيل شارون، في اليوم الأول من الشهر الجاري، في تل ابيب في لقاء مع رؤساء تحرير الصحف ووسائل الاعلام الاسرائيلية، انه "يأمل" بالتوصل الى حل سياسي مع الفلسطينيين في ولايته القادمة، إذا ما تحققت نتائج استطلاعات الرأي التي تشير الى تفوق حزبه الجديد "كديما"، وفي نفس اليوم ونفس المدينة، ولكن من على منبر آخر، في ندوة حقوقية، قالت وزير القضاء الاسرائيلية تسيبي ليفني، وهي من اقرب المقربين لشارون، ومرشحة للحصول على حقيبة رفيعة في الحكومة المقبلة، "إن الجدار الفاصل سيكون الحدود المستقبلية لاسرائيل"، لتوضح بذلك جانبا أساسيا من "الحل" الذي يسعى له شارون.
وتأتي تصريحات شارون لتكمل الصورة التي تحاول فرضها وسائل الاعلام الاسرائيلية، وغيرها، والى جانبها الساحة السياسية الاسرائيلية، وكأن "شارون أقام تحالف السلام الذي سيجر اسرائيل الى بر الامان"، ولكن معرفة حقيقة "بر الامان" و"الحل"، الذي يسعى له شارون، تتطلب تجميع مختلف تصريحاته المتناثرة لتجميعها على شكل لعبة بازل، لتوضح الصورة المتكاملة.
بداية فإن شارون يتربع على كرسي رئاسة الحكومة الاسرائيلية منذ خمس سنوات متواصلة، وهي أطول فترة لأي رئيس حكومة اسرائيلية في السنوات الخمسة عشر الأخيرة، بعد هزيمة سلفه في حزب الليكود يتسحاق شمير، الذي حكم اسرائيل منذ العام 1986 وحتى العام 1992، وعمليا فإن كل ما يجري ميدانيا، في هذه المرحلة، هو بمسؤوليته الكاملة وتطبيقا للسياسة التي يسعى لها، ونقصد هنا بالذات سياسة الاستيطان في الضفة الغربية وجدار الفصل العنصري، ناهيك عما يجري في هضبة الجولان السورية المحتلة، فهناك شارون "صريح" للغاية ويعلن جهارة انه يرفض أي انسحاب من الهضبة.
ونستعرض هنا النقاط المركزية لموقف شارون من الملف الفلسطيني، ومن سير العملية السياسية وأفق الحل من وجهة نظره.
أولا: يعلن شارون أن خارطة الطريق هي الخطة الوحيدة المطروحة على الساحة، وأن اسرائيل متمسكة بها، ولكن حين يتكلم شارون عن هذه الخطة، على الرغم من عوراتها ومخاطرها، فإنه يقصد الخطة حسب التفسير الاسرائيلي لها، والتحفظات الاسرائيلية الأربعة عشر عليها، التي تتعلق أساسا برفض أي تقييد على الاستيطان.
كما يعلن شارون انه لن يشرع بخطة خارطة الطريق قبل ان تنفذ السلطة الفلسطينية التزاماتها الأمنية، ومحاربة ما يسميه شارون "ارهابا"!!، وانهاء فوضى السلاح، ويكفي هنا للتذكير بما قاله شارون في الماضي بأن قيام طفل فلسطيني بالقاء حجر فهذا "ارهابا".
وفي المقابل فإن شارون يتجاهل كليا الالتزامات الاسرائيلية في هذه الخطة، وأولها إخلاء البؤر الاستيطانية العشوائية، التي بلغ عددها في الضفة الغربية حوالي 120 بؤرة، وتؤكد التقارير الاسرائيلية، الصحفية منها والرسمية، استمرار تواطؤ مختلف أذرع الحكومة الاسرائيلية في إقامة هذه البؤر وحرأستها ومدّها بالبنى التحتية، والنية لتحويل بعضها لمستوطنات ثابتة.
ثانيا: تواصل اسرائيل بناء جدار الفصل العنصري، في جميع انحاء الضفة الغربية، وهي عازمة على البدء ببناء الطرف الشرقي منها، لعزل الضفة عن منطقة غور الاردن كليا، التي يعتبرها شارون "منطقة أمنية" لاسرائيل، "لا يمكن التنازل عنها، يضاف الى هذا بناء الجدار في قلب القدس المحتلة، واعتراف النيابة الاسرائيلية العامة، امام المحكمة العليا الاسرائيلية بأن بناء الجدار في القدس، على وجه الخصوص، له دوافع سياسية، وليس فقط امنية، ليكمل تصريح وزيرة القضاء الاسرائيلية الصورة، بأن بناء كل الجدار في سائر انحاء الضفة الغربية يرسم الحدود المستقبلية لاسرائيل.
ثالثا: إن تصريحات شارون بشأن "الحل" تترأفق مع مخططات استيطانية رهيبة في سائر انحاء الضفة الغربية، نلخصها: بمشروع بتر الضفة الغربية الى قسمين شمالي وجنوبي، بمعنى تعزيز الاستيطان في التكتل الاستيطاني غوش عتسيون في غرب الضفة الغربية مرورا بالقدس المحتلة ووصولا الى مستوطنة معاليه ادوميم شرقا، بما في ذلك الاحياء المترامية لمعاليه ادوميم، التي تصل الى مشارف منطقة اريحا والبحر الميت، ثم مخطط "الاصابع" الذي يحول شمال الضفة الغربية، من رام الله وحتى جنين، الى ثلاث كانتونات منفصلة، وفصل الضفة الغربية كلها عن غور الأردن من جهة، وعن القدس المحتلة من جهة اخرى، بما في ذلك ما يجري داخل القدس.
وعمليا فإن شارون يطبق على ارض الواقع برنامجه، القديم الجديد، الذي في صلبه انسحاب ليس أكثر من 42% من الضفة الغربية.

شارون يجند رأيا عاما ويبحث عن شريك

إن ما يجري اليوم على ارض الواقع هو استكمال بناء الهالة التي بنيت من حول شارون "داعية السلام" الجديد، حسب ما قاله الرئيس الامريكي جورج بوش، معتمدا على انه الوحيد الذي استطاع إخلاء مستوطنات قطاع غزة، وعمليا فإن شارون الواثق، حتى الآن، من تربعه على عرش رئاسة الحكومة الاسرائيلية لولاية أخرى من اربع سنوات، يريد تجنيد الرأي العام المحلي والعالمي من حوله، تحت شعار "فقط شارون قادر"، وهو شعار ردده، أيضا، أحد الزعماء العرب في الآونة الأخيرة.
وسيستفيد شارون من هذا التجنيد في محاولة لممارسة الضغوط على القيادة الفلسطينية
لتكون "شريكة" له في المفاوضات على الحل الذي يريده شارون، ورسُمت ملامحه الجغرافية العريضة هنا، وطبعا من دون أي حديث عن القدس أو حق العودة، وهو يفرض أسس هذا المشروع ميدانيا، وحين لن يجد شارون، بطبيعة الحال، "شريكا" فلسطينيا يقبل بالتوقيع على اتفاق كهذا، فإنه سيفرض حلا احاديّ الجانب، على الرغم من أنه يعلن باستمرار انه لن يُقدم على مشروع جديد احادي الجانب، فحينها سيعلن شارون انه حاول البحث عن شريك "ولكن القيادة الفلسطينية ليست جديّة في التحرك"، وهي من الصياغات التي تتردد كثيرا في الحلبة السياسية في اسرائيل.
ولا يمكن فصل أجندة شارون في ما يتعلق بالقضية السياسية، عن مجمل الأجندة السياسية التي يطرحها، فسلسلة التصريحات التي يطرحها شارون والمقربون منه، ومن بينهم رئيس الحكومة الأسبق شمعون بيرس، تؤكد أن الملف الايراني سيلعب دورا بارزا في تحرك الحكومة الاسرائيلية المقبلة، وعادة ما تستغل اسرائيل الملفات الخارجية الاخرى لحرف الانظار عن الملف الفلسطيني.
فقد ركز شارون جل لقائه مع الصحفيين الاسرائيليين، السابق ذكره، على الملف الايراني، أكثر من الملف الفلسطيني، كذلك فإن شمعون بيرس، حين عقد مؤتمرا صحفيا ليعلن فيه انسحابه من حزب "العمل"، أعلن انه حين لخص مع شارون نقاط التعاون ذكر الملف الايراني بأنه سيكون ملفا أساسيا في النشاط المستقبلي للحكومة.


تحالف شارون المستقبلي


من السابق لأوانه حسم نتائج الانتخابات البرلمانية الاسرائيلية التي ستجري في نهاية آذار/ مارس، على الرغم من استطلاعات الرأي التي تتنبأ بتفوق كبير لحزب شارون، "كديما"، فهناك الكثير من العوامل التي قد تنعكس مباشرة على نتائج الاستطلاعات، وبالتالي نتائج الانتخابات، وتغير في الصورة الظاهرة اليوم، التي تشير الى انهيار حزب الليكود.
وإذا ما اعتمدنا استطلاعات الرأي الحالية، فإنها تؤكد ان شارون بحاجة لأكثر من حزبين يشاركانه الحكم ليقيم حكومة ثابتة تضم أكثر من 70 نائبا من أصل 120 نائبا، ومن المستبعد أن يلجأ شارون لحزب "العمل" ولكتل يسارية أو من "الوسط" فقط، واهمال اليمين كليا وعلى رأسه الليكود المتهاوي، فشارون لم يخرج من الليكود لأنه اصبح يساريا، و"ريش حمام السلام" الذي ينثره على جسده لا يمكنه أن يغطي تاريخه وحاضره الدموي، كما ان شركاءه في حزب "كديما"، أبناء "حيروت" والليكود" لن يسمحوا له بإقامة تحالف مع كتل اليسار والوسط دون اليمين والمتدينين، وحينها سيتضح ما إذا لهذه الزفة التي يحظى بها شارون أساس، أما انها قرقعة اضافية نحو دوامة جديدة، وإقامة سدود جديدة في طريق العملية السياسية.
وعلى الرغم من كل هذا، فإن النقاش الدائر في اسرائيل، والانجراف الشعبي وراء حزب "كديما" و"العمل"، يثبتان أن الأجواء العامة وغالبية الرأي العام الاسرائيلي تريد خروجا من الأزمة، وهي جاهزة لأكثر مما يعرضه شارون عليها، وفي معادلة ما بامكان حزب "العمل" الاستفادة أكثر من الهزّة التي أحدثها انتخاب عمير بيرتس في الساحة السياسية، وان يزيد من قوته الانتخابية أكثر مما تعطيه استطلاعات الرأي اليوم، ما بين 26 الى 28 مقعدا.
فنحن لا نستطيع تجاهل حقيقة أن انهيار الليكود هو تصويت شعبي رافض لمجموعة التمرّد في الحزب، التي رفضت إخلاء مستوطنات قطاع غزة، على الرغم من التحفظ الشديد من مجمل تفاصيل الخطة المسماة "خطة الفصل".


تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر