فساد السلطة يترسخ في اسرائيلالاربعاء 7/12/2005 برهوم جرايسي- "الغد" الاردنية
يجمع الكثير من المحللين والمراقبين الاسرائيليين، مع انتهاء الولاية البرلمانية (الكنيست) في هذه الأيام، على أن هذه الدورة السادسة عشرة تميزت باستفحال ظاهرة الفساد وتدني المستوى السياسي والاخلاقي لدى قسم جدي من اعضاء الكنيست، الذين رسخوا الانطباع اللاخلاقي السائد في السنوات الأخيرة عن العمل البرلماني في اسرائيل. ومن المثير للسخرية ان رئيس الحكومة الاسرائيلية، اريئيل شارون، ذاته، قال امام وسائل الاعلام في الاسبوع الماضي، "إن اسرائيل ليست فاسدة، بل فيها بعض الفاسدين وهذا ما يجب ان نعالجه"، مع أن أكثر عضو كنيست جرى التحقيق معه في ملفات الفساد في السنوات الأخيرة، هو شارون ذاته ونجليه عومري غلعاد، لا بل أن عومري اعترف امام المحكمة الاسرائيلية، قبل ثلاثة اسابيع، بواحد من ملفات الفساد، وهو في انتظار الحكم عليه، الذي سيقرر مصيره السياسي. ويقول عضو الكنيست البارز يوسي سريد، الذي قرر اعتزال السياسة في الاسبوع الماضي، في مؤتمره الصحفي الأخير، إن شارون هو الاكثر فسادا من بين السياسيين في اسرائيل، وهو لم يبالغ بهذا، نظرا لحجم الملفات التي وقفت ضده، واختفت بظروف أكثر فسادا ليتورط بها آخرون. فهناك ثلاث ملفات اساسية تطارد شارون، ابرزها واضخمها، هي قضية تلقيه ملايين الدولارات من صديقه الثري اليهودي الاسترالي سيرل كيرن بطرق غير مشروعة، لتمويل عدة حملات انتخابية لشارون، بدءا من العام 1999، حين نافس على زعامة حزب الليكود، ثم في العام 2001 حين نافس على رئاسة الحكومة وغيرها. ويتعلق الملف الثاني باقامة جمعيات وهمية لتجنيد أموال خارجية لتمويل حملات شارون الانتخابية، وهو الملف الذي تطوع نجله عومري "بابتلاعه" وأخذ على نفسه المسؤولية بمزاعم أن والده لم يكن على علم بهذه القضية، والملف الثالث يتعلق، أيضا، بمحاولة شارون مساعدة صديق ثري يهودي اسرائيلي آخر، دافيد آبل، المتورط في سلسلة من ملفات الفساد، ليشتري جزيرة يونانية بطرق غير شرعية، ويجعلها منتجعا سياحيا، حين كان شارون وزيرا للخارجية في حكومة بنيامين نتنياهو في العام 1998، وفي هذا الملف تورط نجل شارون الثاني غلعاد. ولكن ما هو أكثر فسادا هي طريقة معالجة هذه الملفات، ففي قضية سيرل كيرن لا تزال التحقيقات جارية، تغفو وتصحو حسب المواسم السياسية، وتتعرقل التحقيقات سياسيا في اسرائيل ودول العالم، ومنها كندا واستراليا والولايات المتحدة، ويتساءل الكثير من المختصين في اسرائيل عن سبب المماطلة في هذا التحقيق الجاري منذ سنوات عديدة. أما في ملف الجمعيات الوهمية، الذي تورط به نجل شارون عومري، فأولا هناك عدم قناعة لدى المحللين بمزاعم أن شارون الأب لم يكن على علم بمسالة الجمعيات، ومن يراقب كيف يدير شارون حكومته، وتدخله في كل تفصيل كبير وصغير، لا يستطيع تصديق مزاعم كهذه، خاصة وان الحديث يجري عن ملايين الدولارات. ويتجلى الفساد أكثر في الملف الثالث، حينما قرر المستشار القضائي للحكومة، وهو في منصب المدعي العام الأعلى، عدم تقديم شارون للمحاكمة في قضية تلقي رشوى من رجل الاعمال دافيد آبل بخصوص الجزيرة اليونانية، فقد قرر في نفس الوقت تقديم لائحة اتهام ضد آبل بتهمة تقديم الرشوى، بمعنى لائحة اتهام ضد من دفع وتبرئة من تلقى، وحينما تم التركيز على دور النجل الثاني غلعاد، احتمى نجله بوضع ملفات حساسة في بيت والده الذي يتمتع بحصانة، وحينما قرر التراجع واخراجها من هناك اتضح اختفاء ملفات عديدة واساسية، ولا يزال هذا الملف معلقا. ويتضح من تقرير احدى الجمعيات الناشطة في مجال "نزاهة الحكم"، ان شارون لم يكن سوى رئيس حكومة لعصابة وزارية فاسدة، ففي حكومته، لوحدها، تورط ستة وزراء الى جانب شارون بملفات فساد، فمثلا وزير الأمن الداخلي السابق المتطرف تساحي هنغبي اضطر للتخلي عن حقيبته بسبب التحقيقات ضده بتهمة تعيين مسؤولين وموظفين بطرق غير نزيه في وزارته، علما ان هذا الوزير تورط في الماضي القريب بحصوله على اموال و"اكراميات" من جمعية كان يتزعمها، تعنى بقضية حوادث الطرق. وطالت مسألة التعيينات غير القانونية والسليمة وزراء الصحة داني نافيه والزراعة يسرائيل كاتس والمالية الحالي، أيهود اولمرت، اما وزيرة "التربية والتعليم" ليمور ليفنات، فإن آخر فضيحة تورطت بها هي التوقيع على نظام جديد يضمن تحويل اموال ضخمة لجمعية تتزعمها والدتها وهناك علامات استفهام على هذه الانظمة، علما ان زوج ليفنات متورط هو الآخر بفضيحة صفقة اقتصادية تتعلق باصدار كتب ارشادية عن الجنود الاسرائيليين القتلى. أما وزير الأمن الداخلي غدعون عيزرا الذي حل محل الفاسد السابق هنغبي، فقد كشف النقاب مرتين في الأشهر القليلة الماضية انه سعى لتخفيف ظروف الاعتقال لجنائيين هم اقرباء او ابناء مقربين منه. وما سبق غيض من فيض، فبعد اسابيع قليلة من افتتاح الدورة البرلمانية المنتهية قبل ثلاث سنوات تورط ثلاثة نواب بفضيحة تصويت الكتروني مزدوج، بمعنى انهم صوتوا عن انفسهم وعن نواب آخرين، وهذه القضية لا تزال تتسع، وبلغت ذروتها في الأيام الماضية، حين التقطت كاميرات الكنيست النائب يحيئيل حزان، من الليكود، يسرق شريطا الكترونيا يوثق تزويره التصويت من ارشيف الكنيست، واضطر لاعادته، وحتى الآن لم يعرف ما إذا ستقدم ضد لائحة اتهام، فالشرطة لا تزال "تحقق". وحسب تقارير مختلفة هناك اكثر من 25 وزيرا وعضو كنيست تورطوا في قضايا فساد ومنهم من ينتظر محاكمته، أو لا يزال رهن التحقيق او اغلق ملفه بظروف غير واضحة، وتتنوع الفضائح من كتلة لأخرى، فمثلا رئيس كتلة "شاس" الدينية الاصولية، ينتظر محاكمته بتهمة تزوير شهادات جامعية، وقد اعترف بها، وهو ليس وحده، ففي هذه القضية تورط ضباط كبار في سلك الشرطة، ونقيب المعلمين السابق، وغيره من ذوي المسؤوليات في جهاز الحكم في اسرائيل. وحزب "العمل" ليس خارج صورة الفساد، فيكفي التطرق الى حملة الانتسابات للحزب التي جرى تزييفها بعشرات آلاف المنتسبين، وزعيم الحزب الجديد عمير بيرتس ومعسكره المتورطان الاكبران بهذه الفضيحة التي تحقق بها الشرطة. وتتوج كل هذه الملفات تقارير حديثه للشرطة الاسرائيلية التي تتخوف من تغلغل عصابات الاجرام الدولية في بعض الاحزاب الصهيونية المشاركة في الانتخابات، وان تنجح هذه العصابات في دعم وتمويل مرشحين ليفوزوا بمقاعد متقدمة في قوائم الأحزاب، خاصة الكبيرة منها، ليكونوا مستقبلا في دائرة اتخاذ القرار بعد الانتخابات المقبلة، وليخدموا مصالح هذه العصابات مستقبلا. وهذه ليست المرّة الأولى التي يظهر فيها مثل هذا الأمر، فقد بدأ الحديث عن تغلغل عصابات الاجرام الدولية في السياسة الدولية في العام 1996 مع عودة حزب الليكود برئاسة بنيامين نتنياهو الى الحكم، في حينه، وكانت اشارات على أن هذه العصابات تغلغلت في حزب الليكود، وفي احزاب تمثل المهاجرين الجدد من دول الاتحاد السوفييتي السابق. تتجه اسرائيل في هذه الفترة الى انتخابات برلمانية، ولكن ابرز الاسماء الفاسدة وقادة الحكم يتبوأون المقاعد المتقدمة في احزابهم، خاصة في حزب شارون الجديد"كديما" والليكود، بمعنى عودة قسم كبير منهم الى مناصبهم المسؤولة والرفيعة.
تحضير للطباعة أرسل لصديق - |
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر
|