إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



الصمود الفلسطينيّ مزّق الليكود إرْبًا إرْبًا

الجمعة 9/12/2005
هشام نفاع

إزاء الحلبة السياسية الإسرائيلية التي يتواصل فيها انتقال السياسيين من ماخور إلى ماخور في أبهى مشاهد بيع الجسد، يجب قول بضع كلمات تتجاوز ما يزكم الأنوف من أكشين وبريق، ومن ثرثرات تنطفئ كالزّبد الذي يذهب جفاءً في كلّ لحظة.
فها هو الليكود الذي حكم البلاد ثلاثة عقود يتمزّق وبئس المصير. لم يكن ذلك بسبب صاعقة أو اختلال مناخيّ، ولا بفعل ملائكة أو شياطين السماء ولا الأرض. وليس الأمر نابعًا، بطبيعة الحال، من لحظة إشراق اجتاح فيها شيء من أخلاق دهاليز الليكود الملطـّخة بالتطرّف والعنف السياسي والعسكري، فجعل بعض أهله يفطن إلى وجوب ترك مجاريرهم الآسنة، إراديًّا.. لا،
فالتقدّم "إلى الأمام" ضمن المسخ الجديد بزعامة شارون يعكس اضطراره إلى الانزياح ولو شكليًا عن الأساطير القديمة المهترئة. وليس هذا لأنه استوعب الدرس الأخلاقي، بل لأنه بات يقرّ بحدود القوّة، مهما بلغت شراستها.
فكما "تدور الدوائر"، عصفت دوّامة الليكود نفسه به نفسه فتشابكت حبال المأزق: مواصلة رفض استيعاب وجوب احترام حق الشعب الآخر حطّمت سخافة "دعوا الجيش ينتصر" ثم خنقت المزيد من مئات ألوف الاسرائيليين في مستنقعات الفقر والضائقة. دائرة سببية كاملة تفاقمت فيها هذه الدوّامة التي حاول متعجرفو إسرائيل مرارًا كسرها عبر كسر روح التحرّر الفلسطينية، ولكن هيهات. وها هو معظمهم الآن يختار الهرب "إلى الأمام".
فإسرائيل الرسمية التي حوّلها قباطنتها (خيرة أبنائها!) إلى مافيا اغتيالات وقتل ودمار وسلب ونهب، لم تتردّد في اقتراف صنوف جرائم الحرب كافة ضد الشعب الفلسطيني، ولم تتورّع عن الإقدام على أدنأ أشكال إرهاب الدولة، لكن عنجهيّة حكـّامها ونخبها كلها لم تفلح في كسر إرادة شعب لا يملك سوى الرهان على حريـّته.
نشرات الأخبار تعجّ بالكشوفات، والتعليقات، والتحليلات، والتنبّؤات، وكذلك السخافات. لكن لا يوجد شيء في العالم في إمكانه إخفاء الحقيقة التي يحاولون طمسها وهي أن الشعب الفلسطيني قد كسّر بصموده الملحميّ مسوخ الأسطورة الإسرائيلية الرسمية البغيضة كافة وأرسلهم عراة الأقفية إلى عارهم، رغم بنادقهم وقاذفاتهم الجوية والبرية والبحرية كلها.
والآن، خلف موضة عدم التمسّك بما كان (ولنأخذ تساحي هنغبي كمثال) تتواصل حياكة مشاريع ومخططات تكريس هيمنة الاحتلال والاستيطان، بأساليب خفيّة أكثر دهاء وخطورة تحت مختلف المسمّيات. وهنا يجب التحذير: فهذه المحاولات لم تنتهِ في كل مرة سوى بالإنفجار في وجوه الإجماع القومي الإسرائيلي البليدة.. وهي ستظلّ تنفجر في وجه كل من يتآمر بها على الشعب الفلسطيني الذي يدرك أنه لم يعد لديه ما يخسره سوى أغلاله. وعلى الكثيرين أن يتذكّروا أن هذا الشعب قد سجّل بحروف من نور أسماء آلاف الشهداء وما يفوقهم من الجرحى والمشرّدين من بيوت هُدمت وحوارٍ قـُصفت ومئات ألوف المقموعين بسبب آلة (جرائم) الحرب الإسرائيلية، لكنه لم يستسلم! بل صاغ المعادلة المستحيلة حين شرّدوه واحتلـّوه وخنقوا شمسه (وغدره ذوو القربى!)، لكنه استطاع أن يصمد في وجه واحدة من أبشع الترسانات العسكرية في العصر الحديث.
إن الحقيقة السّاطعة هي أن الانتفاضة الفلسطينية الباسلة قد مزّقت إحدى أقوى قلاع الهيمنة الاسرائيلية المتمثـّلة بليكود أريئيل شارون، فتطايرت صخورها ولم تترك بقعة إلاّ وطاولتها.
فالشعب الذي عرفت يداه كيف تزرع الزيتون الذي يعمـّر ويراقب من علياء عراقته جنازات سياسات المتغطرسين الجنازة تتلو الجنازة، هو شعب عرف كيف يخمـّر مأساته ويعتـّق لياليه الحالكة كي ينحتها ملحمة في معنى الإصرار والصمود وعشق الحريّة.. شعب يكاد يكون أعزل من كل شيء (سوى من الحق)، استطاع مرة أخرى أن يمزّق وهمًا جديدًا من الهيمنة الإسرائيلية المتغطرسة إربًا إربًا، وإن بعد حين من المعاناة التي لم تنتهِ بعد، لكن سيظل غروبها قريبًا لناظره..


تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر