هزة موفاز عابرة والحلبة الحزبية تبدأ حالة استقرار نسبي
الأثنين 12/12/2005 برهوم جرايسي- المشهد الاسرائيلي
فاجأ وزير الأمن الاسرائيلي، شاؤول موفاز، يوم الأحد، الحلبة السياسية للمرّة الثانية، بعد ان فاجأها قبل ثلاثة اسابيع بعدم انضمامه الى حزب رئيس الحكومة اريئيل شارون، "كديما"، لتأتي مفاجأته الثانية بانضمامه الى الحزب الذي هاجمه قبل 48 ساعة فقط من انضمامه اليه، تاركا حزب الليكود الذي تنافس على رئاسته امام بنيامين نتنياهو ووزير الخارجية سلفان شالوم. حقيقة ان موفاز فاجأ الحلبة السياسية أكثر من شخصية اخرى، ولكن هذه المفاجأة حطمت من حوله الهالة التي بناها لنفسه في السنوات الثلاث الأخيرة، وكأنه ذاك العسكري الذي لا يتراجع عن قراراته "المبدئية"، وكأن الانطباع السائد منذ اللحظات الاولى لقراره ان موفاز غرق في الانتهازية السياسية، وجوبه بكل صراحة من كتيبة الصحفيين التي انتظرته في قاعة المؤتمرات الصحفية في بيت الصحفيين في تل ابيب، وكانت الاسئلة تعبر عن موقف حاد وصارم من قبله، كسؤال المحللة للشؤون الحزبية رينا متسليح، التي سألته بوضوح ما إذا يخجل من خطوته هذه، بعد أن كان قد أعلن جهارة، ظهر يوم الجمعة، انه يرفض الانضمام الى حزب "كديما" رغم الاغراءات التي قدمه له اياها شارون، كاحتفاظه بوزارة الأمن وتبوئه المكان الثاني في قائمة الحزب الانتخابية، ولم تمر 36 ساعة حتى ابلغ شارون، مساء السبت، بقراره الانضمام له في حزبه. لقد قرأ موفاز استطلاعات الرأي التي ظهرت يوم الجمعة الأخير، وعلى ما يبدو دبت به اليأس من أي تقدم الى الأمام في منافسة بنيامين نتنياهو، ولم يستطع تخطي حاجز الـ 20%، واكثر من هذا فإن ما افقد موفاز صوابه استطلاع آخر في احدى الصحف الاسرائيلية، حول تشكيل القائمة الانتخابية لحزب الليكود، حيث جاء ترتيبه في المكان الرابع بعد العنصري المتطرف موشيه فايغلين الذي احتل المركز الثالث، ووزير الخارجية سلفان شالوم، الذي احتل المركز الثاني بعد بنيامين نتنياهو، وطبعا فإن تدريجا كهذا لا يلائم رئيس اركان حرب لاربع سنوات، ووزير أمن لثلاث سنوات، من وجهة نظره. كان موفاز اصلا من اول المرشحين للانضمام الى حزب اريئيل شارون مع اعلان عن انشقاقه لليكود، نظرا للتوافق السياسي الذي كان بين الاثنين طوال ثلاث سنوات وأكثر، وبرز التعاون بينهما في خطة اخلاء مستوطنات قطاع غزة، ومشاركته في رسم ملامح الخطة، ولكن موفاز على ما يبدو اراد ضمان مستقبل سياسي طويل لنفسه، واعتقد ان حزب شارون، هو حزب لمرّة واحدة، وحقا هو كذلك بنظر جميع المراقبين، لذلك اعتقد موفاز ان مستقبله السياسي الثابت سيكون في الليكود، فعودة لليكود بعد اربع سنوات من الآن لن تضمن له مكانة متقدمة في قيادة الحزب، كذلك فإن موفاز اعتقد ان بامكانه السيطرة على القواعد اليمينية المعتدلة التي أيدت شارون، ولكنها بقيت في الحزب، ولكن سرعان ما خاب امله في هذه الحسابات، فأسرع بالهرب نحو سفينة النجاة الحزبية التي تضمن له، على الاقل حسب الاستطلاعات مكانة مستقبلية، وعلى الأقل لاربع سنوات. ولم تشفع لموفاز كافة التفسيرات والتحليلات السياسية لهذه القفزة السريعة في غضون ساعات، فقد اجمع جميع المحللين على ان موفاز هرب من هزيمته الحتمية في حزب الليكود، لاجئا الى احضان شارون ليحظى بما وعد به، وهذا ما اكده موفاز في المؤتمر الصحفي وقال بكل وضوح انه سيبقى في منصبه وزيرا للأمن، وقال صحفيون ان شارون وعده بالمركز الثاني في القائمة الانتخابية. واعتبر الصحفي اطاليا شومباليفي، محلل الشؤون الحزبية في اكبر المواقع الالكترونية الاخبارية في اسرائيل "واينت"، التابع لصحيفة "يديعوت احرنوت" ان ما يجري هو سيرك بقيادة اريئيل شارون، وكتب في مقاله التعليقي: "إذا حللنا انتقال موفاز من ناحية عملية مجردة، فإنه عدا الفضيحة وعدم الثقة، فإن موفاز يجلب معه الى حزب شارون الهيبة الشعبية، مثل كل وزير أمن في اسرائيل، فأيضا موفاز تمتع بشعبية بين اوساط الجمهور الواسع، وغني عن القول ان شارون بحاجة لهيبة كهذه في قائمته الانتخابية". وتابع شومباليفي كاتبا، "من ناحية حزبية فإن موفاز يحقق لشارون لحظات متعة اضافية، فهو يساهم أيضا في تقليص الليكود، الى درجة حزب صغير، وهذا لا يعني ان لموفاز كان جمهور مؤيدين واسع في الليكود ينجر ورائه، ولكن على ألاقل محبوبا... ولهذا فإن هروبه هام بالنسبة لشارون، لأنه يزيد من اهتزاز الليكود المنهار كالسفينة في قلب عاصفة في قلب البحر". أما الصحفي الاسرائيلي البارز موطي كيرشنباوم، فقد شبه موفاز، في برنامج الاستضافة الشهير الذي يديره الى جانب زميله الشهير يارون لوندون، في القناة العاشرة للتلفزيون الاسرائيلي باللص، وقال كيرشنباوم: "أنا لم افهم لماذا عقد موفاز مؤتمرا صحفيا ليعلن فيه انضمامه لشارون، فهل سمعتم عن لص يعقد مؤتمرا صحفيا؟، هل سمعتم مثلا عن لص سرق بنكا، ثم عقد مؤتمرا صحفيا ليعلن فيه ان البنك الذي سرقه حديثا لم يكن في مستوى البنك الذي سرقه سابقا". ولم تخرج الصحف الاسرائيلية، في اليوم التالي (أمس)، بغير حال، فقد ابرزت في عناوينها تدني المستوى الاخلاقي في السياسة الاسرائيلية، وقال محلل الشؤون الحزبية في صحيفة "هآرتس" يوسي فيرطر، "إن الحلبة السياسية في اسرائيل غارقة منذ ايام في مستنقع موحل، من النفي والاكاذيب والمناورات والتلونات والالتفافات والتنقلات، وامس خرجت هذه الحلبة عن طورها في حملة الاستنكار فعلة موفاز، الذي امتص هذه الانتقادات والاستنكارات كرجل". ويضيف فيرطر كاتبا، ليس فقط موفاز هو المشكلة، بل أيضا شارون الذي اعلن قبل ساعات من تلقيه مهاتفة موفاز مساء يوم السبت ليبلغه بقراره انه لن يستقبل أي شخص جديد في حزبه، ولكنه حين سمع قرار موفاز، تراجع، لأنه يريد ان يحطم الليكود كليا ولا يبقي فيه أي أثر، "إن كراهيته للحزب الذي بناه (الليكود) لا تعرف الحدود". في واقع الحال ظهر الاعلام الاسرائيلي، وبالتالي الحلبة السياسية، غاضبين من خطوة موفاز، وكأنه خرق "الاصول السياسية" في اسرائيل، ولكن من استمع للصراخ، والصياغات والتعليقات التي كانت تصدر من افواه بعض السياسيين، كنت تتخيل وكأن الحديث يجري حلبة سياسية في احدى الدول في شمال اوروبا، مثلا، ولكن ما هو ملفت للنظر ان كل واحدا من السياسيين الذين تفوهوا ضد موفاز، أو تأييدا له، كان في مسيرتهم السياسية خرق وخروقات للاصول الاخلاقية. ومن ركز على مسألة "الاصول السياسية" لم يكن سوى رئيس الحكومة الاسبق، بنيامين نتنياهو، الذي في رئاسته للحكومة حطم الكثير في القوالب السياسية في اسرائيل واستشرى الفساد أكثر في جهاز الحكم. نسمع اليوم ضجة كبرى في اسرائيل، ومع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية فإن هذا النوع من الضجيج سيخفت، كون ان "الكبار جدا" اختاروا اماكنهم، وكما جرت العادة فإن الجمهور "سينسى" كما نسي سابقا كثيرا، وستدخل الحلبة السياسية في الايام القادمة الى نوع من الهدوء النسبي، تمهيدا للحملة الانتخابية، ورويدا رويدا ستبدأ الصورة تضح اكثر، حول أي برلمان سيشكله الجمهور في اسرائيل، ولن يكون موفاز وغيره، سوى اسماء عادية في جعبة "النجم الاكبر"، وحتى الوحيد، في هذه الانتخابات، اريئيل شارون.
تحضير للطباعة أرسل لصديق - |
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر
|