إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



تراجع حزب العمل استطلاعيا امام عملية نتانيا والأزمة القيادية

الثلاثاء 13/12/2005
برهوم جرايسي- المشهد الاسرائيلي

سارعت اضواء وسائل الاعلام الاسرائيلية، مع وقوع عملية نتانيا التفجيرية، يوم الاثنين من الاسبوع الماضي، للتركيز على رد فعل وتحركات زعيم حزب "العمل" الاسرائيلي الجديد عمير بيرتس، بزعم انه ليس لديه خلفية قيادية عسكرية، وأن لديه طروحات اكثر سلامية من توجهات اليمين بزعامة الليكود وكديما.
وظهرت الصحف الاسرائيلية في اليوم التالي ليجمع المحللون على ما وصفوه "نقطة الضعف" لدى بيرتس، وهو الملف الأمني، وأن العملية فجرت جدول اعمال الحملة الانتخابية الاسرائيلية، التي بدت وكأنها ستركز على الجانب الاقتصادي الاجتماعي، بعد انتخاب بيرتس زعيما للحزب، وانها عادت وطرحت الأجندية الأمنية العسكرية بقوة لتضرب حزب "العمل" في استطلاعات الرأي، التي كانت تمنح حزب "العمل" حتى منتصف الشهر الماضي تشرين الثاني/ نوفمبر حوالي 29 مقعدا، ليتراجع اليوم وفق الاستطلاعات الى قوته البرلمانية الحالية، في حدود 21 مقعدا، خاصة وان العملية التفجيرية وقعت مع ظهور أزمة قيادية متوقعة اصلا في الحزب، على خلفية الترشيحات لقائمة الحزب الانتخابية.
فقد كتب المحلل السياسي في صحيفة "هآرتس" ألوف بن، في اليوم التالي للعملية، "إن المعركة الانتخابية في اسرائيل هي فترة مخصصة للتصعيد الأمني، فهكذا كان في ايام عمليات الثأر، التي كانت قبل سنوات طوال، وايضا في قصف المفاعل النووي العراقي في العام 1981 (عشية الانتخابات البرلمانية)، والحملة العسكرية على لبنان "عناقيد الغضب" قبيل انتخابات 1996 (حين كان شمعون بيرس رئيسا للحكومة)، وحتى من دون الانطلاق نحو عمليات عسكرية ضخمة فإن السياسيين المرشحين يميلون لاظهار مواقف "أمنية"، التي تعتبر الوصفة الناجحة لصناديق الاقتراع، ففي الحملة الانتخابية الحالية ظهرت مؤشرات كهذه، من خلال تصعيد التهديدات لايران".
ويضيف بن كاتبا، "من المناسب في فترة انتخابات ابداء شكوك في ما يخص قرارات المستوى السياسي والعسكري الكبير بشأن كل عملية عسكرية".
أما محلل الشؤون الحزبية في صحيفة "هآرتس" يوسي فيرطر فقد كتب في نفس اليوم، وتحت عنوان "الصراع على جدول الاعمال": "كان هذا مسألة وقت، الى حين ان تقع العملية الاولى في حملة الانتخابات الجارية، فهكذا سنذكر هذه العملية، وعلى ما يبدو لن تكون العملية الأخيرة، فالطواقم الانتخابية في "العمل" و"الليكود" و"كديما" يستعدون لسيناريوهات: هدوء، أو عمليات تفجيرية متباعدة، أو استئناف موجات "الارهاب" وحتى انهيار الوضع الأمني كليا،... والمنطق المتبع ان التهدئة تخدم رئيس حزب "العمل" عمير بيرتس، إذ ستسمح له بابراز الجانب الاقتصادي الاجتماعي (نقطة ضعف لدى الليكود وشارون)، وفي حال تصعيد أمني "معقول" يلزم ردا عسكريا ومفاوضات، ستعيد لرئيس الحكومة لقب "السيد الامني"، الذي سيكون بامكانه السيطرة على جدول الاعمال، ويحافظ على مكانته في استطلاعات الرأي، أما في حال انهيار الوضع الأمني فإن هذا سيساعد الليكود...".
وقال فيرطر "إن سياسيين في اسرائيل يسعون الى اعادة الملف الأمني للحملة الانتخابية لأن هذا يخدمهم..".
وافردت صحيفة معاريف، في عددها الصادر في اليوم التالي للعملية، مساحات واسعة لرد فعل عمير بيرتس على العملية، الذي سارع لعقد "اجتماع أمني" بعد سبع ساعات من وقوع العملية، وقال الصحفي نداف ايال في "معاريف" عن زعيم حزب "العمل"، "الذي فرضت عليه العملية التفجيرية تغيير جدول اعماله": "حين تضرب المدافع، فإن الجنرالات وحدهم مدعوون (للاجتماع لدى بيرتس)... إن بيرتس يفهم ان عليه تقديم اجابة أمنية بشأن طابعه السياسي، فإن عانق ايهود براك، وهذا وارد، فحينها لا يستطيع احد الادعاء انه ليس لديه سند أمني عسكري".
وقد خلقت هذه الاجواء الاعلامية، التي لم تقتصر على الصحف، وانما جميع وسائل الاعلام، حالة من التلبك، وسارعت صحيفتا "هآرتس" و"معاريف" لاجراء استطلاعين للراي في نفس اليوم، لتنشرا نتائجيهما في اليوم التالي (الاربعاء)، وتكشفا عن تراجع ملحوظ في قوة حزب العمل، وهو التراجع الذي تأكد في استطلاعات الرأي التالية التي أجريت في الايام التالية.
فقد اشار استطلاع لصحيفة "هآرتس" الى أن حزب "العمل" كان سيحصل على 22 مقعدا لو جرت الانتخابات اليوم، مقابل 26 مقعدا في الاسبوع الماضي، و29 مقعدا غداة انتخاب رئيس اتحاد النقابات عمير بيرتس رئيسا له، قبل نحو شهر، أما الليكود فقد ارتفع من 9 مقاعد في الاستطلاع السابق الى 12 مقعدا، وحزب كديما كان سيحصل على 39 مقعدا، ولم تطرأ تحولات كثيرة على صعيد تقاسم المقاعد بين الكتل الأخرى، فقد أكد الاستطلاع الجديد على استمرار حالة الانهيار التي تشهدها حركة شينوي، التي ستهبط من 15 مقعدا في الكنيست اليوم الى 5 مقاعد في استطلاع الرأي.
وجاءت نتائج استطلاع صحيفة "معاريف" شبه متقاربة، فقد منح نفس النتيجة لحزب كديما، و24 مقعدا لحزب "العمل" و12 مقعدا لليكود.
وهذا يؤكد سرعة التقلبات والاهتزازات في الساحة والسياسية والشارع الاسرائيليين، فقد تزامن نشر الاستطلاعين، مع نشر استطلاع لجمعية "لتيت" التي تعنى بالشؤون الاجتماعية (نعالجه في مكان آخر من هذا العدد)، ليؤكد ان اهتمام الشارع الاسرائيلي يتركز أكثر في الجانب الاقتصادي الاجتماعي، ولكن هذا الاستطلاع جرى قبل اسابيع، ونشرت معطياته في الاسبوع الماضين ودلّ على ان 29% من المواطنين الاسرائيليين يهمهم بالدرجة الأولى الاوضاع الاقتصادية الاجتماعية، فيما رأى 21% ان الموضوع الأهم بالنسبة لهم هو التعليم وفقط 15% اعلنوا ان الوضع الأمني هو الأهم بالنسبة لهم.
وكما ذكر فإن استطلاعات الرأي التي جرت بعد ثلاثة ايام من عملية نتانيا حملت نتائج اكثر "سوداوية" لحزب "العمل"، واشارت الى تراجعه أكثر، فقد اشار استطلاع صحيفة "يديعوت احرنوت" الى ان "كديما" قد تحصل على 39 مقعدا في حال لو جرت الانتخابات اليوم، أما حزب العمل فإنه سيحصل على 23 مقعدا، وحزب الليكود على 13 مقعدا، وحزب شاس الديني الاصولي على 10 مقاعد، وقوته الحالية في البرلمان 11 مقعدا، وتحافظ الكتل الفاعلة بين فلسطينيي 48 على قوتها، بثمانية مقاعد.
ويقول استطلاع للاذاعة الاسرائيلية الاخبارية، ان حزب "كديما" سيحصل على 41 مقعدا، وحزب "العمل" على 21 مقعدا (نفس قوته اليوم)، والليكود على 16 مقعدا.
وجاء في استطلاع يديعوت احرنوت أيضا، ان 70% من الجمهور في اسرائيل يعتقدون ان شارون وحده القادر على معالجة الوضع الأمني، مقابل11%11% لزعيم حزب العمل عمير بيرتس واعتبر 55% من الجمهور ان حزب "العمل" بقيادة بيرتس غير قادر على معالجة القضايا الأمنية، في حين ان بيرتس يحظى بثقة 42% في معالجة الاوضاع الاقتصادية الاجتماعية مقابل 33% لشارون.

الأزمة القيادية ساهمت في التراجع

ولكن ليس فقط العملية التفجيرية في نتانيا ساهمت في هذا التراجع، على الرغم من قسطها الأكبر، فقد تزامنت العملية مع نشوب أزمة قيادية حادة متوقعة في حزب "العمل"، على خلفية ترشيحات الحزب للانتخابات البرلمانية، ففور انتخاب عمير بيرتس، كان واضحا ان القيادة البارزة في الحزب لن تسلم بالأمر الواقع، وكان الحديث بالاساس يجري عن شمعون بيرس، الذي لن يسمح لعمير بيرتس بالتحرك حرا في الحزب.
إلا ان بيرس غادر صفوف الحزب، وهذا لم يضع حدا للأزمة لا بل قد زادها نوعا ما، فقد كثرت الاتهامات لعمير بيرتس بأنه يسعى لوضع المقربين منه في مقدمة القائمة الانتخابية، واهمال القيادة المتنفذة في الحزب، من خلال اعداد "قوائم سوداء"، حسب اتهام انصار رئيس الحكومة السابق ايهود براك، ورئيس الموساد السابق داني يتوم، وغيرهما.
وتبين بعد اغلاق تسجيل المرشحين في الحزب في الاسبوع الماضي، تمهيدا للانتخابات التمهيدية (برايمرز)، ان براك لم يسجل نفسه، وهذا اسقط من قائمة بيرتس جنرالا بارزا، فوجود الجنرال عامي ايالون لن يسعف عمير بيرتس كثيرا، كون ان مبادرته مع البروفيسور سري نسيبة، اضفت عليه في الشارع الاسرائيلي طابع "السلامي" اكثر من العسكري الذي قادة جهاز المخابرات الداخلية العامة، "الشاباك".
حتى الآن غادر حزب "العمل" ثلاثة وزارء سابقين وانضموا لحزب اريئيل شارون، "كديما"، فبالاضافة الى بيرس، كان حاييم رامون وداليا ايتسيك، ويقول المراقبون ان الاثنين الاخيرين لم يؤثرا على مكانة حزب "العمل"، ولكن رافق انسحاب الثلاثة ظهور انباء حول احتمال "نزوح" اسماء بارزة أخرى في الحزب لتنضم الى شارون، وتبين لاحقا ان هذه الاسماء بقيت في "العمل"، ومن بينها الشرقي ايلي بن مناحيم، وممثل القرى التعاون الوزير السابق شالوم سمحون، وحتى داني يتوم، ولكن هذه الانباء خلقت انطباعا وكأن حزب "العمل" على طريق "الليكود"، وأن الكبار بدأوا يهربون منه في اتجاه شارون حفاظا على مقاعدهم، وهذا ما ساهم في تراجع "العمل" في استطلاعات الرأي.
وحاول عمير بيرتس، في نهاية الاسبوع الماضي تدارك الأزمة، بقوله خلال جولة في القدس الغربية: "إن أكثر شيء اتمتع به هو الانتصار على معدي الاستطلاعات"، ولكن بيرتس لم ينتبه الى أمر شديد الأهمية، وهو ان المعهد الوحيد "مأجار موحوت" (تجمع الأدمغة) الذي تنبأ فوزه على شمعون بيرس في انتخابات رئاسة الحزب يتنبأ اليوم أيضا تراجع "العمل" الى حجمه البرلماني الحالي.
على أي حال فلا يزال امام الانتخابات البرلمانية 100 يوم، واستطلاعات الرأي التي ضربت حزب "العمل" في غضون 24 ساعة، من شأنها ان تتعدل، او ان تبقى على حالها، وهذا يعيدنا الى ما قاله محلل الشؤون الحزبية في "هآرتس" واقتبسناه هنا، بأن الهدوء الأمني يخدم بيرتس، والتصعيد المحدود يخدم شارون، والانهيار الأمني يخدم نتنياهو.


تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر