إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



عندما يكون ظهرنا الى الحائط

السبت 17/12/2005
عودة بشارات

سيُكتب مستقبلاً، أن الضربة الأشد ايلاماً التي وُجِّهت للجماهير العربية في اسرائيل، في السنوات الاخيرة، كانت رفع نسبة الحسم لانتخابات الكنيست. والأمل معقود على قيادة الجماهير العربية، ان لا يتم ذكر هذه الحقيقة، مستقبلاً، مردفين جملة: "بعد فوات الاوان"، لانه من المفروض ان نعي جميعاً الخطورة الكبيرة المتربصة بالجماهير العربية نتيجة ضرب تمثيلهم السياسي في البلاد.
لا توجد حاجة للبحث من اجل الوصول الى الحقيقة الراسخة ان المتضرر الوحيد من رفع نسبة الحسم هم ممثلو الجماهير العربية، اي الجبهة والاحزاب العربية. لا يوجد حزب واحد في الكنيست قاعدته الانتخابية من اليهود مهدد بعدم الصعود. ولذلك "يحق" لنا ان نشتم رائحة عنصرية من رفع نسبة الحسم. و"يحق" لنا، نتيجة التجربة الطويلة مع السلطة ومؤامراتها ان نقرر ان السلطة قررت ضرب التمثيل العربي في الجهاز السياسي في اسرائيل للتمهيد لاتخاذ خطوات مرعبة اتجاه المواطنين العرب.
***
اليوم تجري عملية انقلاب شاملة في الجهاز الحزبي في اسرائيل. نحن بصدد انتهاء حقبة اليمين المتطرف الذي احتكر السلطة 28 عاماً، منذ صعود بيغن للسلطة في العام 1977. نحن الان بصدد العودة الى حقبة حزب "مباي" التاريخي من خلال حزب "كديما"، حيث يقف على يمينه، حزب الليكود المسخ وحلفاؤه (اي كما كان الامر في عهد حزب "حيروت" التاريخي)، ومن اليسار حزب العمل بقيادة بيرتس (سابقاً احتل هذا الدور حزب مبام). ومن المهم، لمن يعتقد ان حزب "كديما" هو حزب السلام، ان نذكّره بحزب "مباي" التاريخي الذي كان من حيث الفعل اسوأ بكثير من الليكود، فهو الذي شن حرب حزيران، وهو الذي اقام المستوطنات، وهو اب وام التمييز ضد الجماهير العربية في اسرائيل. خطورة هذا الحزب انه مقبول على العالم، والسعي المحموم لشارون لضم بيرس الى الحكومة كان هدفه زيادة "تلميع" هذا الحزب امام العالم.
ولذلك يحق لنا اليوم في ظل هذه التغييرات واسعة المدى ان نعتقد ان هنالك من قرر ان يُرجع التمثيل العربي في الكنيست الى العهود الغابرة، حينما كان حزب المباي يصول ويجول في الساحة، وكان الحزب الشيوعي وحيداً في مواجهته، ولانه لا يمكن العودة للوراء ثلاثين عاماً، فأطلوا علينا "بنسبة الحسم" البريئة.
"أول الرقص حنجلة" يقولون. منذ اكثر من دورة انتخابية وهمهم دمغ القيادة السياسية للجماهير العربية، بأن همهما هو الظهور في وسائل الاعلام، وبلغت الصفاقة بهم انهم "يعايرون" النواب العرب بأنهم لم يحققوا انجازات لشعبهم!! يقولون ان "اللي استحى مات"، بعد الافراط في هذه الوقاحة فإن كل من يستحي قد ينتحر. تذكّروا جيّداً ماذا كانوا يفعلون مع القيادة الفلسطينية؟ يقتلون ابناء الشعب الفلسطيني، وبنفوس جياشة ومحبة، يتهمون قيادة هذا الشعب انها مسؤولة عن الدم المباح! المهم انه حتى بيرتس انضم وبكل قوة الى هذه الجوقة. وهنالك وللاسف ومن بين ظهرانينا من يردد هذه المقولة.
الحقيقة الساطعة، وهذا برأي اوساط اعلامية وسياسة واسعة وحتى في الشارع اليهودي، ان النواب العرب هم الاكثر نشاطاً في الكنيست والاكثر وعياً وهم يعكسون وجهاً مشرقاً للجماهير، وامام موبقات الاحزاب الصهيونية، نجد ان نوابنا، مع الملاحظات هنا وهناك، متفوقين بدرجات في ادائهم البرلماني. وبطبيعة الحال من المفضل، وهذا الامر اكثر سلامة، التوجه العيني لاداء كل عضو كنيست عربياً كان ام يهودياً من اجل تقييم ادائه، لا ان نضع الجميع في سلة واحدة.
وجدير بالتذكير ان جذور هذا الهجوم على النواب العرب تعود الى الايام الخوالي، وخاصة بعد نكبة شعبنا الكبرى، وبعد ان اتضح عجز القيادة العربية امام حجم المؤامرة المذهلة ضد شعبنا، فبدل دراسة موضوعية غرقنا في تشويه الذات، بينما عملت الصهيونية على تغذية هذا النهج بكل قواها. والهدف هو القول للجماهير الفلسطينية في اسرائيل وفي مناطق السلطة الوطنية: "لستم مؤهلين لقيادة انفسكم"، مع ما يترتب عن ذلك من استنتاجات سياسية بعيدة المدى. على كل حال هذا الموضوع بحاجة الى دراسة وافية، لأنه جزء من الحرب النفسية الموجّهة ضد كل قيادة عربية.
لكن الرسالة الاساسية التي يجب قولها لجماهيرنا: احذروا من هذا النَّفَس. لان تشكيل قيادات سياسية وفكرية واجتماعية هي في صلب مكوناتنا كشعب وهي في صلب قدرتنا على الصمود والتطور. والبديل هو التشرذم، والوقوف كالايتام على مائدة الاحزاب السلطوية. وفي هذا الاطار يحق لنا ان ننظر بتقدير لقدرة قيادة الجماهير العربية، بالرغم من الاختلافات بينها، على صياغة برنامج وطني دمقراطي شامل في لجنة المتابعة، واضطرار السلطة الاعتراف بها.
***
هذا التوجه لا يأتي نقيضاً لموقفنا المبدئي الايجابي من التعددية السياسية. التعددية الحزبية والسياسية بين الجماهير العربية، وفي كل مجتمع، هي امر صحي، بل مطلوب. داخل التيارات السياسة يجب ان تغلب لغة الحوار وروح النقد الصارم. يجب ان نشجع الصحافة والصحفيين على الاضطلاع بدور الناقد من اجل استيضاح المواقف ومن اجل الكشف عن التناقض بين الشعار والممارسة في هذا الحزب او ذك. ولذلك في هذا الاطار فان رفع نسبة الحسم هو امر سلبي لانه يمنع هذا الحوار ويمنع وضع برامج الاحزاب المختلفة امام الجمهور ليبت في من هو الافضل بالنسبة له وبالنسبة لقناعاته، وبدل النقاش بين الاحزاب يصبح الهم الاساسي كيف نعمل على صيانة الصوت العربي لئلا يذهب هدراً. لأن المستفيد الوحيد من هدر الاصوات العربية هي الاحزاب الصهيونية، التي في جوهرها تحمل نفس التوجه للجماهير العربية. اليمين المتطرف الفاشي يدعو للترانسفير، والمعتدلون، مثل صديق العرب الحميم شمعون بيرس، يدعون الى تهويد الجليل والنقب. وبعد ذلك يريدون منا ان نختار.
وهنا بودي مناقشة من يقرر، هكذا من فوق، من هو التيار ومن هو "اللاتيار" وكأن هنالك من وضعه قيّماً على التيارات. ان الاحزاب اليهودية، من ميرتس و"اغودات يسرائيل"، و"يسرائيل بيتينو".. كلها من حيث نسبتها في الشارع اليهودي، لا تتجاوز نسبة الاحزاب التي لم تجتز نسبة الحسم لدينا بين العرب. ولو أخذنا قائمة هاشم محاميد مثلاً فقد حصل على نسبة 7-8% من اصوات العرب، يعني اكثر من نسبة ميرتس بين اليهود.

طبعاً هذه المعارك يجب ان نخوضها لاننا لا نريد ان نكون رأياً واحداً وموقفاً واحداً في جميع القضايا، ولكن.. و"لكن" هذه كبيرة جداً، اذا وضعونا وظهرنا للحائط، فهل نقبل ان ننتحر جماعياً. لقد عرف الحزب الشيوعي في المفاصل الهامة لتاريخ الجماهير العربية كيف يتخذ القرار الصحيح. لقد نجحت قيادة هذا الحزب أن تتخذ الموقف الصحيح عندما أقامت جبهة الناصرة الدمقراطية وانتخبت قيادة وطنية لبلدية الناصرة، وفيما بعد اقيمت الجبهة القطرية ولاول مرة نزلت احزاب السلطة الى اقل من 50% بين العرب في انتخابات الكنيست. وقبل ذلك اقيمت لجنة الدفاع عن الاراضي، وفي العام 78 تم اقامة الجبهات المحلية، حيث استطعنا ايصال القوى الوطنية لادارة مجالسنا وبلدياتنا بعد ان كانت مرتعاً للسلطة. لقد عرفت هذه القيادة كيف تُنشىء اوسع وحدة صف كفاحية دفاعاً عن التطور والوجود.
ولا يمكن هنا، ان نغالط التاريخ. لا يمكن وضع وحدة الجماهير العربية وكأنها امر رجعي، لانها وحدة دمقراطية مرتبطة بالنضال الدمقراطي العام في البلاد، وعلى اساس كفاح عربي يهودي مشترك. للاسف هنالك من يضع وحدة الجماهير العربية في موازاة وحدة اليهود. لا توجد مغالطة اكبر من هذه المغالطة. لان وحدة الجماهير العربية في هذا السياق هي وحدة للدفاع عن الكيان السياسي التمثيلي لهم. ومن جهة اخرى فوحدة المظلومين هي وحدة تقدمية، لان من حق المظلومين ان يتوحدوا بينما وحدة الشعب الظالم هي وحدة رجعية لانها تضع الجميع في كفة واحدة- كفة سياسة الاضطهاد القومي.
ان الضربات الموجهة للتمثيل السياسي للعرب خطيرة جداً، بدأت بقانون بدر عوفر الذي قلص من قوة النواب العرب. من الضروي ان نعرف هنا ان المقعد الرابع للجبهة والعربية للتغيير كان حقيقياً لولا قانون بدر عوفر. اليوم بالاضافة الى نسبة الحسم فإن هنالك قانون يمنع ما سمي اتفاق فائض الاصوات. لولا فائض الاصوات لما كان من الممكن ان يحصل التجمع على المقعد الثالث وبالتالي كان سيتقلص التمثيل العربي في الكنيست الى 7 مقاعد. اذا سجلوا لديكم، بدون "بدر عوفر" كان يمكن ان نكون 9 مقاعد. وبدون "فائض الاصوات" كان يمكن ان نكون 7 مقاعد.
***
هذا الاسبوع تم نشر بحث الدكتور ايلي ريخس حول الانتخابات. هنالك ارقام مذهلة حول نسبة التصويت الاخذة بالارتفاع للاحزاب الصهيونية، بما في ذلك حزب شارون (ما يقارب الخمسين بالمئة من اصوات الجماهير العربية). في المقابل فالبحث يتحدث عن هبوط التمثيل العربي في الكنيست من 8 مقاعد الى 3 مقاعد (فقط تحالف الجبهة والعربية للتغيير يجتاز نسبة الحسم). استطاعة تحالفنا مع العربية للتغيير ان يجتاز نسبة الحسم وان يحصل على اكثر من ثلاثة مقاعد هو امر يبعث على الاعتزاز، ولكننا قلقون جداً من ان الوزن السياسي للجماهير العربية سينخفض الى النصف، بينما تذهب هذه المقاعد باغلبيتها الى اليمين والى يمين اليمين، وعشرات الاف الاصوات العربية التي لن تجد عنواناً لها ستكون فريسة الجلوس جانباً او التفتيش عن الاحزاب الصهيونية، وهذه المرة طوعاً.
هذا الامر هو ناقوس خطر لجماهيرنا العربية وللقوى الدمقراطية والامر يتطلب منّا ان نبحث عن افاق لمنع تمرير هذه المؤامرة، وهذا الامر يتطلب اتخاذ قرارات جريئة. ومن يعتقد ان هذه القرارات هي في مواجهة النضال اليهودي العربي مخطىء تماماً، لان الرجعية الصهيونية تريد ان تقول لجماهيرنا العربي "مكانكم ليس في الجهاز الحزبي السياسي في اسرائيل! العبوا لوحدكم، في حلقتكم الصغيرة! لا تزعجوا اليهود". مهندسو هذا المخطط يدركون ان اليأس من اللعبة البرلمانية في اوساط الجمهور العربي سيقود الى توجهات انعزالية، بان نقيم جهازاً سياسياً لنا، وهذا بالضبط ما يخدم سياسة السلطة التي لا تريد لهذا الوزن الدمقراطي الوطني ان يكون فاعلاً في الساحة الاسرائيلية، ولهذا واجب الوطنيين العرب، واجب قوى اليسار الحقيقية، واجب العقلاء في الشارع اليهودي العمل من اجل درء هذا الخطر.
وعندما نتحدث عن سعينا ل"بوليتيكا يهودية عربية" مقابل "بوليتيكا" منفصلة واحدة للعرب وأخرى لليهود، فالبند الاول في هذا السعي هو منع تهميش الصوت العربي لان في ذلك تكريس الفصل بين الجهازين السياسيين: الكنيست لليهود، وللعرب بدائل التقوقع والانعزال. هذا هو الخطر الاكبر الذي يواجه الجماهير العربية ويواجه النضال الدمقراطي في البلاد.
نعم، القضية تبدأ بالقضاء على وجودنا السياسي ولكن هذا الامر ليس نهاية المطاف. لذلك عندما يكون ظهرنا للحائط يجب ان نتصرف بما يتلاءم هذا الوضع.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر