من حين الى آخر يجب أن نسأل انفسنا هذا السؤال: هل نحن نقوم بكل شيء لنكون جديرين بالانتماء الى هذه المسيرة.. مسيرة الحزب، مسيرة الشعب؟؟ جديرين بالانتماء الى السنديانة الكفاحية الباسقة... توفيق طوبي؟ بالانتماء الى طريق توفيق زياد الذي تشبه ملامحه أجمل ما في ملامح هذه المدينة... أجمل ما في ملامح هذه المسيرة وهذا الشعب.
إن السؤال مطلوب من اجل ان ننفض غبار الروتين والابتذال الذي يعلق بيومياتنا، من أجل تصويب أي انحراف عن تاريخ وأهداف مسيرتنا المظفرّة.
إن اقامة جبهة الناصرة الديمقراطية، هذا الفرع الفاره الذي نبت وشق الطريق قبل الجذع، قبل الجبهة الديمقراطية، تشكل علامة فارقة في وضع الاساسي قبل الهامشي، والأهم قبل المهم،وبلغة الشيوعيين نحليل الأمور بشكل ديالكتيكي.
عندما انتصرت جبهة الناصرة قبل 30 عاما، كان اختمار شعبي في صالح خط الحزب في مواجهة السلطة، ولكن المسؤولية اقتضت توسيع دائرة العمل الشعبي السياسي، وعندما قامت الجبهة القطرية في 7/3/1977، كان اختمار في صالح خط الحزب، بعد يوم الارض، ولكن المسؤولية اقتضت توسيع دائرة المشاركة في حمل المسؤولية لحسم المعركة في صالح خطنا.
ولم يكن ذلك جديدا على جبهة الناصرة يوم ان انتخبت طيب الذكر الدكتور انيس كردوش رئيسا لها، وفي اواسط الستينيات لم يتردد حزبنا، حين كان له سبعة اعضاء من أصل 15 مقعدا في المجلس البلدي في انتخاب المرحوم عبد العزيز الزعبي رئيسا للبلدية، رغم انه كان عضوا بمفرده في البلدية، من أجل تقديم المهم على الأهم.
ولم يكن ذلك جديدا على حزبنا الشيوعي قطريا، فهكذا سلك الحزب في اقامة الجبهة الشعبية، وفي لجنة الدفاع عن الاراضي ولجنة الرؤساء وغيرها.
لذلك فإن شعارنا التاريخي كان ولا يزال تشييد وحدة الصفة النضالية، وهو شعار صحيح في الامس واليوم والغد.
المسألة ليست كسب ود نواتنا الصلبة فهي التي تبقى عندما يغرق البعض في ذاته وذاتياته وضيق أفقه، وثبت ذلك في صلابة الكوادر الحزبية ايام انحراف مجموعة ميكونيس، فالمسألة الاساس هي كيف نكسب اوساطا أخرى لتقوية وتوسيع المناعة الجماهيرية ولانشاء قيم مضافة لقوتنا ولنواتنا الصلبة ولمسيرتنابمعنى تقوية الحزب وتوسيع الجبهة وتعميق التحالفات .
لقد واجه شعبنا مختلف صنوف الاضطهاد والمؤامرات على وجوده، وعلى حقوقه، منذ قيام اسرائيل وقبلها، ولكننا نلاحظ وجود مخطط سلطوي خطير تصاعدي ودؤوب ضد الجماهير العربية الفلسطينية في اسرائيل في السنوات الأخيرة وتحديدا منذ هبة القدس والاقصىفي اكتوبر 2000.
ونحن نرى كيف تعمل المؤسسة الحاكمة على الايقاع بيننا وبين شعبنا الفلسطيني وكأن قضيته ودمه المسفوح وارضه المغتصبة لا تعنينا .
ونحن نرى كيف يجري الطعن بتمثيلنا السياسي من قبل السلطة وزعانفها لاقناعنا بالعزوف عن النضال الجماعي السياسي وبضرورة ان نبوس الكلب من فمه لنأخذ حاجتنا منه، وتأسيس خطاب العمالة.
ونحن نرى كيف تقوم السلطة الحاكمة بواسطة الافقار والبطالة برفع جدران القهر القومي بالاضطهاد الطبقي واقامة جدران القهر الطبقي بالاضطهاد القومي ضد جماهيرنا العربية، اعتقادا منهم انهم يخلقون مجتمعا
ضعيفا، مناعته متداعية ومعرضا للرشوة والابتزاز.
إن المؤسسة تريدنا مجتمعا مرتشيا يلهث كل من فيه على ذاته.
ونحن نرى تفاقم الحديث عن الترانسفير والترحيل والتبادل السكاني ومقايضتنا بالمستوطنين الفاشيين لدب الخوف والرعب اعتقادا منهم ان ذلك سيبعث البعض الى الاحتماء عند جدران المؤسسة الحاكمة.
ونحن نرى رفع نسبة الحسم والغاء قانون فائض الاصوات لرفع السياج بيننا وبين تمثيلنا البرلماني.
إننا نرى ان التحريض السياسي والمدني علينا والاضطهاد الطبقي الرهيب والترويج للترانسفير والارهاب وتضييق الخناق الديمقراطي على تمثيلنا.. كلها تهدف الى اقناع مجتمعنا ان يتنازل عن تمثيله المستقل الاصيل الشامخ، واقناعه بأن الاذدناب للاحزاب الصهيونية هو قدره ومصيره.
لذلك فإننا من هنا نعلن حبنا لشعبنا، ونعلن تمسكنا بانتمائنا لحزبنا وجبهتنا مع كل التراث النضالي الرائع، ولن نسمح لأي كان ان يمسه او يهدده أو يلوثه.
إن حبنا لشعبنا ليس تعصبا، بل هو دفاع عن النفس لاقلية قومية مضطهدة، وهو مساهمة في حماية وجودنا وحقوقنا، وتمثيلنا، وهو مساهمة في تصعيد النضال الاجتماعي الطبقي وصيانة الافق الديمقراطي وتقوية معسكر السلام الحقيقي في اسرائيل.
إن من يرسم لشطب شعبنا وشطب قامته فإننا سنرسم لشطبه وقصم ظهره، ومن يرفع يده علينا، لن نسمح له ان يتسلل لتصيّد اصواتنا لجلدنا بها بعد الانتخابات،لا بل فاننا نملك الوسيلة على عتبة الانتخابات القادمة، لكسر اليد التي ترفع على شعبنا.
إن اعلان حبنا لشعبنا يقودنا الى رفض الانعزالية السياسية، سواء بمسوغات قومية، أو بدوافع طائفية اصولية، ويقودنا الى رفض ان نساق الى حظيرة نطلق فيها ثغاء القطيع، ولذلك فإن الاساس الديمقراطي الأممي لعملنا كحزب وكجبهة عربية يهودية هو مصلحة وطنية للجماهير العربية وهو مصلحة سياسية ديمقراطية لقضية السلام والمساواة والديمقراطية في اسرائيل.
إننا نقرأ جيدا ان حزب "العمل" هو حزب "العمل" ذاته، والتضليل الاجتماعي الذي يمارسه زعيمه الجديد عمير بيرتس، الذي بدأ يتكئ على جنرالاته، ليس أكثر من أجندة انتخابية تحاول استثمار الفقر والبطالة سياسيا وانتخابيا.
ونحن نقرأ مشروع شارون للاجهاز على الحقوق الاساسية لشعبنا الفلسطيني، ونقرأ جيدا ان حزب شارون الذي يضم رموز الاضطهاد الاجتماعي والقومي وتكريس الاحتلال، من شارون الى بيرس ومن لفّ لفّهم هو حزب خطير مكلّف بمشروع رهيب، بما في ذلك ضد الجماهير العربية الفلسطينية في اسرائيل، ولذلك نحن نقرأ جيدا قرار شارون بأن يترأس هو بنفسه الطاقم الانتخابي لحزبه في الوسط العربي، بمعنى انه ماض في ضرب تمثيل الجماهير العربية وتلويث هويتها السياسية وانتمائها الوطني.
وهذه القراءة تؤدي بنا الى:
1- العمل على رفع نسبة التصويت بين الجماهير العربية في موازاة ارتفاعها في الشارع اليهودي.
2- العمل على كنس الأحزاب الصهيونية من مجتمعنا: أحزاب شهادة الزور والاضطهاد، واحزاب تزوير
هويتنا السياسية الوطنية.
3- التمسك بالطابع السياسي والاجتماعي للمعركة الانتخابية بعيدا عن عقلية توزيع الغنائم وتعزيز نهج التحالفات الصادقة والامينة المخلصة.
4- عدم السماح بهدر اصواتنا في قوائم حرق وعبث وارساء ميثاق سياسي اخلاقي، بعدم العبث بالقوة السياسية الانتخابية لجماهيرنا وهذا الأمر يجب ان يتحمل الجميع تبعاته، بما في ذلك نحن في الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة.
5- الابتعاد عن الانعزالية والتقوقع ونبذ عقلية الحظيرة والعمل في السياق السياسي العام في اسرائيل.
6- خوض معركة انتخابية حضارية ونزيهة في الوسط العربي نتنافس فيها على عقول الناس وليس على غرائزهم.. نتنافس فيه استنادا على افضل ما نقدمه نحن وليس استنادا على أسوأ ما يقدمه الآخرون.
إن المتراكم التاريخي ليس طقسا مشعوذا، نتكئ عليه ونخلد الى الراحة، انما هو ايذانا ونفيرا بمثابرة اكبر واقتحام أعظم بعزيمة أمض.
وأعرض عليكم هذه الحكاية من الكاتب البرازيلي العالمي الشهير باولو كويلو التي وضعها في المقدمة الخاصة بترجمة مؤلفاته الى اللغة العربية.
سأل أحدهم فيلسوفا:
"من كان معلمك أيها المعلم؟.
فأجاب قائلا: بل قل المئات من المعلمين. وإذا كان لي أن أسميهم جميعا فسوف يستغرق ذلك شهورا عديدة وربما سنوات، وسوف ينتهي بي الأمر إلى نسيان بعضهم".
ولما ألح عليه السائل أن يسمي أكثرهم تأثيرا عليه قال: "كان هنالك ثلاثة في الواقع تعلمت منهم أمورا على جانب كبير من الأهمية".
أولهم كان لصا، فقد حدث يوما انني تهت في الصحراء، ولم أتمكن من الوصول الى البيت إلا في ساعة متأخرة جدا من الليل، وكنت قد اودعت جاري مفتاح البيت، ولم املك الشجاعة لايقاظه في تلك الساعة، وفي النهاية صادفت رجلا طلبت مساعدته، ففتح لي الباب في لمح البصر.
اثار الأمر اعجابي الشديد ورجوته ان يعلمني كيف فعل ذلك، فأخبرني انه يعتاش من سرقة الناس، لكنني كنت شديد الامتنان له فدعوته الى المبيت في منزلي.
فمكث عندي شهرا واحدا، وكان يخرج كل ليلة وهو يقول: ساذهب الى العمل، أما انت فداوم على الصلاة، ولكنني كنت دائما اسأله عندما يعود عما إذا قد غنم شيئا، وكان جوابه على الدوام، مقولة واحدة لا تتغير: لم أوفق في اغتنام شيء هذا المساء، لكنني إن شاء الله ساعاود المحالة في الغد.
فكان رجلا سعيدا راضيا لا يستسلم لليأس جراء عودته صفر اليدين.
- ومن كان المعلم الثاني؟
- كان كلبا، فقد حدث انني كنت متوجها الى النهر لاشرب قليلا من الماء، عندما ظهر هذا الكلب كان عطشا أيضا لكنه عندما اقترب من حافة النهر، فشاهد في الماء كلبا آخر (انعكاس صورته في الماء) فتراجع وجعل ينبح ثم تقدم مرة أخرى للماء بحذر وبطء ولكنه وجد الكلب المنافس مرة أخرى، وفي النهاية ألقى الكلب بنفسه في الماء متحديا الكلب (الصورة) واختفى غريمه وشرب.
واخيرا كان معلمي الثالث ولدا، فقد حدث ان رأيته وهو يسعى في اتجاه الجامع حاملا شمعة في يده، فبادرته بالسؤال، هل اضأت هذه الشمعة بنفسك؟ فرد علي الصبي بالايجاب وحيث انني اخشى على الاولاد من اللعب باشياء خطيرة قلت له: في لحظة من اللحظات كانت هذه شمعة منطفأة. اتستطيع ان تخبرني من اين جئت بالنار التي تشعلها؟
ضحك الصبي وأطفأ الشمعة ثم رد يسألني: يا سيد وهل تستطيع ان تخبرني الى اين ذهبت النار التي كانت مشتعلة هنا.
أدركت حينها كم كنت غبيا، من ذا الذي يشعل نار الحكمة؟ والى أين تذهب؟ أدركت ان الانسان على مثل تلك الشمعة، يحمل في قلبه النار المقدسة للحظات معينة، ولكنه لا يعرف اطلاقا اين اشتعلت.
كان لي طوال حياتي آلاف المعلمين وبت اثق بأن النار تتوهج عندما احتاج اليها".
لسنا بصدد اللص والكلب والولد.
نحن فبصدد المثابرة والعمل الدؤوب ونفض الاحباط.
نحن بصدد اقتحام الصعاب لسد الظمأ، فلن نسمح لأحد بأن يقتلنا عطشا، ولن نسمح لأحد أن يلوث ماءنا.
نحن بصدد النار التي يجب ان تتوهج فينا لأننا نحتاجها،اليوم اليوم... الآن الآن وليس غدا....ويا أهلا بالمعارك.
(الكلمة التي القاها النائب محمد بركة رئيس مجلس الجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة في افتتاح مؤتمر جبهة النصرة الدגمقرطية في 9-12-2005)