إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



إقتراحات على جدول الانتخابات (1):

مغامرات أمراء مقاطعات المقاطعة!

الجمعة 23/12/2005
هشام نفاع*

يجب القول بصراحة، أولاً، أنه منذ وصول الأحزاب الفاعلة إلى مرحلة تتويج الانتخابات البرلمانية للكنيست، بوصفها درّة تاج العمل السياسي بين الجماهير العربية، خسرنا الكثير. لم يتم هذا بين نهار وليلة، بل بفعل تراكمٍ شمل، أيضًا، طغيانًا لضيق الأفق الأنويّ على الرؤية السياسية الواسعة – وهو الإسم الحركي للأسرلة بطبعتها الرأسمالية. فنحن جميعًا ضحايا للخصخصة كنهج. وهو يتعدى تدمير القطاع العام الملموس الى محاولة محوٍ لمفهوم "العام" نفسه. أحيانًا يكون أثره خفيًا، ليس أقلـّه النزعة المتفاقمة لتحديد أولويات "العام" انطلاقًا من "الخاص"، أو تغليب "الشخصي" على "البرنامجي". وفي هذا المضمار لم يعد أحدٌ يحسد أحدًا على حاله!
الدافع لدعوتي (الثانية في غضون أشهر!) الى عدم وضع كل البيض في السلة البرلمانية، لصالح تعزيز العمل السياسي العضوي بين/ ومع الناس ميدانيًا، ليس لأن الانتخابات، كمحطّة في العمل السياسي والتحشيد، بل التحريض الشعبي وخلق وعي بديل، هي مسألة قليلة الأهمية، لا. فمن السُّخف ادّعاء هذا. بل إن السبب هو وجوب التعاطي معها كمحطة وليس كمسيرة برمّتها. فما يتحوّل الى مشكلة بل معضلة، هو جعل كافة الطاقات وجهود السنوات الدورية الأربع أو الخمس، تنحصر في الوصول الى ليلة الانتخابات القادمة بالأساس، وتتركز في هويات منتَخبيها بدلا من مرجعياتهم وطروحاتهم.
مع ذلك، فهذا الإقتراح بوضع الأمور في نصابها لا يمكن أن يعني دعوة إلى الخروج من المعركة. وطالما ظلّ النقد في هذه الحدود فهو يحافظ على قيمته وجدواه، حتى لو احتدّ الخلاف على التقييم. لهذا يتوجّب صدّ نوع آخر من النقد يهب علينا "كالريح الشرقيّة"، لا يحتكم الى خطوط حمراء ولا الى مرجعيات واضحة، ولا يطرح بدائل سياسية جديّة. المقصود هو تلك الاتهامات السمجة ضد النواب العرب وكأنهم "لم يفعلوا شيئًا لجمهورهم".
في البداية سمعنا هذه الأسطوانة المزعجة من أفواه علوج السّلطة. لكننا بتنا نسمعها اليوم ممن لم نتوقـّع منهم ذلك. مرة أخرى: لا يُقال هذا لأن النقد فعلٌ مضرّ، بالعكس، فالنقد أهم من كل الطاعات الحزبية مجتمعةً. وإنما لأن الانجراف في مقولات تبدو نقديّة ظاهريًا لكنها تصبّ في مستنقع غسل أيدي المجرمين الفعليين مما اقترفته أيديهم ولا تزال، هو ما يفلق!
ربّما أن النواب العرب لم يتمكنوا فعلا من القيام بالكثير، لكنهم حاولوا أكثر. قلّة نجاحهم في إحداث انقلابات لا تنبع من أن محمّد بركة قضى السنوات نائمًا في وزارة البنى التحتية. ولا لأن عزمي بشارة غاب عن حصص وزارة التعليم. ولا لأن عبد المالك دهامشة قضى فترة ولايته في وزارة المواصلات يتجوّل في الريفييرا.. بل لأن هؤلاء النواب شكّلوا غالبًا، رغم ما بينهم من اختلاف وتفاوت، المعارضة الحقيقية الوحيدة لائتلاف قمع الشعب الفلسطيني الذي شارك فيه معظم نواب كتل الكنيست. بدءًا بالضلوع المباشر لأريئيل شارون وذنبه الأعوج شمعون بيرس في جرائم الحرب (اغتيالات، جدار، تعزيز استيطان، تدمير مؤسسات رسمية وشعبية فلسطينية، قتل بطيء لأي أمل عارض يلوح في الأفق السياسي، وتفضيل خطوات أمنية من طرف واحد على مبدأ التفاوض السياسي)، وحتى الصمت الخجول لميرتس في كل مرة كانت تستوجب فظاعة جرائم الاحتلال رفع شيء من الصوت. وبين أولئك وهؤلاء ظلـّت تتفاوت درجات الحقارة السياسية المنخرطة في الجريمة الكبرى.
هنا، ولذلك، يستحق منا بعض المتبجّحين العرب بعض الكلمات: ألا تشمّون رائحة سخافتكم حين تطلقون الكلام على عواهنه متّهمين النوّاب العرب بالمسؤولية عن وضع جماهيرنا؟ ألا تنتبهون إلى ما تفعلونه (وبعضكم أكاديمي مرجعيّته ابن خلدون، لا أقلّ) فيما أنتم تنظـّفون ساحة مجرمي الحرب والإفقار في الحكومة الاسرائيلية من المسؤولية؟ أحقّـًا فاتكم أن جرائم حرب الاحتلال الاسرائيلي المفتوحة منذ أواخر 2000 هي ما يكرّس قمع جماهيرنا – هذا الجزء الباقي في وطنه – وليس أيّ شيء آخر؟ العمى، ألا تقرؤون ما يجري حولكم، ألم تسألوا أنفسكم عن هدف وثمن هذه الحرب؟
هل كنتم تريدون من عصام مخول أو من جمال زحالقة الانضمام الى ائتلاف شارون أو حصر حضورهما السياسي في تزفيت شارع فقط، وتزفيت وجه مليون عربي بالتالي؟ هل ما تتوقعونه وتطالبون به في العمل السياسي، هو أن تكون لممثلي جماهيرنا صفة "روابط القرى"؟ وهل تقنعون أحدًا باستنتاجكم من كل هذا "ضرورة مقاطعة الانتخابات"؟ لماذا أيها السّادة، ألأنّ أحدًا لم يدعُ حضراتكم البهيّة لملأ مقعد انتخابيّ شاغر، تعتقدون أنكم تستحقونه هكذا، دون أي جهد؟ ألم يقل المثل "إذا لم تستحِ فافعل ما شئت"؟ وها أنتم لا تستحون، فتنظّفون بتقييماتكم السطحية ساحة المجرمين وتنصّبون أبناء قوم المقموعين قامعين.. بوركتم، بوركتم على دوركم في إحباط هذه الجماهير ودفعها الى الخمول واليأس ومخاطر التورّط في المشاريع الموجّهة ضد مصالحها.
مقابل هؤلاء فإن دور رافضي جرّ الناس الى مربعات الإحباط يجب ان يتعدى النظر الى انتصارات حزبية قبلية ضيقة. يجب أن تظل المسؤولية هي المعيار. في الظروف التي تتفاعل بتسارع مجنون حولنا، يجب تغيير مفهوم التحالف ورفعه الى درجة الواجب الوطني. علينا إعادة صياغته وتحويله الى سقف سياسي يمنع شق وحدة الهمّ/ المصلحة الجماعية/ المصير المشترك، ويشكل سدًا وطنيًا في وجه تفاقم التشرذم الداخلي الذي لا يـُنتج سوى اليأس والعنف المجتمعيين. وهذه مسألة تتطلـّب تعمّقًا وتوسعًا ودقـّة في مقال منفصل قريب.


تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر