نتنياهو ورث الليكود كما سلّمه لشارونالثلاثاء 27/12/2005 برهوم جرايسي- المشهد الاسرائيلي
*نتنياهو عاد الى ركام حزب بعد ان حمل شارون غنيمة ما حققه من انجازات لليكود ونقلها الى "كديما"*
عاد رئيس الحكومة الاسبق بنيامين نتنياهو في مطلع الاسبوع الماضي في زعامة الليكود، بعد ان اضطر للتنحي عنها قبل ست سنوات، إثر هزيمته النكراء امام رئيس الحكومة السابق أيهود براك، زعيم حزب "العمل" في حينه، في الانتخابات البرلمانية التي جرت في العام 1999، وبعد ان حوّل نتنياهو الليكود الى ركام وحزب هزيل في الساحة السياسية الاسرائيلية. وليس وضع الليكود اليوم بأحسن حال مما تركه عليه نتنياهو، فقد جاء في هذه الفترة اريئيل شارون، و"انقذ" الحزب واوصله الى مستوى لم يكن حزب حيروت التاريخي الذي اسس الليكود ان يحلم اليه، بحيث اصبحت قوته البرلمانية ضعف حزب "العمل"، مؤسس اسرائيل الأولى، إلا ان شارون حمل "غنيمته" من الحزب وولى الى اطار سياسي جديد بناه لنفسه، بالشكل الذي بنى فيه الليكود في العام 1974، وبفارق واحد، هو ان شارون بنى الليكود في ذلك العام لغيره، مناحيم بيغن، أما اليوم فقد بنى شارون حزب "كديما" كملك خاص له، مصيره كحزب متعلق بمصير قائده شخصيا.
عودة الى اطلال حزب
الانطباع السائد في الحلبة السياسية الاسرائيلية بأن نتنياهو ما كان بامكانه ان يصل الى زعامة الليكود، لو بقي شارون في الحزب، فهذا الحزب الذي كان يضم حتى العام 2003 حوالي 250 الف عضو، انهار في سجلات الحزب في هذه الفترة الى 128 الف عضو، ولكن ليس كلهم اعضاء مخلصين، فغالبيتهم على ما يبدو ستنتقل الى حزب "كديما" حين تتأكد لها واقعية نتائج الاستطلاعات، وقد برز هذا الأمر في نسبة الذي توجهون الى صناديق الاقتراع، لانتخاب رئيس جديد لحزب الليكود فقد وصلت النسبة الى 40%، بمعنى قرابة 50 الف ناخب، ولكنهم يشكلون 20% من عدد اعضاء الحزب الذين كانوا مسجلين في العام 2003. وتوهّم نتنياهو انه في حال انتخابه لرئاسة الليكود فإن استطلاعات الرأي ستقفز في الحال، لتعيد بعض مقاعد الليكود، ولكن ست استطلاعات للرأي صدرت في الاسبوع الماضي تراوحت نتائجها بين ابقاء الليكود في حضيض 11 مقعدا، واعلاها منحه 14 مقعدا، من اصل 40 مقعدا كانت لليكود في الدورة البرلمانية المنتهية، كما ان استطلاع لصحيفة "يديعوت احرنوت" أكد ان نتنياهو لا يزال يفتقد لثقة الجمهور به (نعالج الاستطلاع في مكان آخر من هذا العدد). ويحاول نتنياهو منذ اللحظة الأولى لاعلان النتائج التي اعطته 44% من مجمل الناخبين، تغيير الانطباع السائد حديثا عن الحزب، بأنه تحول الى حزب يميني متطرف آخر في اسرائيل، فقد أقرت لجنة الدستور والنظام الانتخابي في الليكود، اقتراح نتنياهو بمنع كل من صدر ضده حكما جنائيا من خوض الانتخابات التمهيدية في الحزب للترشح على قائمة الحزب الانتخابية، ويهدف هذا الاجراء الى استبعاد زعيم جناح اليمين المتطرف المرتبط بحركات يعتبرها القانون الاسرائيلي ارهابية، موشيه فيغلين، الذي تنافس على زعامة الحزب في مطلع الاسبوع الماضي وحصل على 15% من اصوات الناخبين. وهذا رغم ان نتنياهو نفسه اعتمد كثيرا على جناح فيغلين، الذي يسيطر على حوالي 10% من اعضاء الهيئات القيادية في الحزب، حين كان نتنياهو في موقع الهجوم على رئيس الحزب السابق اريئيل شارون، ويحاول استصدار قرارات تعيق سياسته. وظهر فيغلين على الحلبة السياسية في اوائل سنوات التسعين مع ابرام اتفاقيات اوسلو، وقاد حركة اعتبرها القانون الاسرائيلي حركة تمرد، خاضت نشاطات عنيفة معارضة لاتفاقيات اوسلو، ادانته محكمة اسرائيلية بتهمة التمرد قبل سنوات، ويدعو فيغلين الى تطهير عرقي وطرد الفلسطينيين من وطنهم واقامة دولة يهودية كاملة، وفي العام 2001 تسلل فيغلين والآلاف من انصاره في حزب الليكود، وشكلوا قوة انتخابية مجندة، وأثروا على شكل القائمة الانتخابية في الانتخابات البرلمانية التي جرت في مطلع العام 2003، ثم شارك هذا المعسكر المتطرف في نشاطات معارضة لاخلاء مستوطنات قطاع غزة. وكما ذكر فإن نتنياهو يطمح من خلال هذا الاجراء اضفاء طابع خاص على الحزب، ولكن هذا الانطباع لا يسببه فيغلين فقط، فلديه معسكر عوزي لنداو، الوزير السابق في حكومة اريئيل شارون، الذي قاد كتلة المتمردين على شارون في كتلة الليكود البرلمانية، ولولا دعم هذا الجناح لنتنياهو لكان الأخير في موقع حرج جدا امام منافسه الأبرز وزير الخارجية سلفان شالوم، الذي حصل على ثلث اصوات الناخبين لرئاسة الحزب، بمعنى ان نتنياهو يريد تطهير جزئي لليمين المتطرف في الحزب، وليس كليا.
ارتياح في "كديما" و"العمل"
لقد عكس انتخاب نتنياهو ارتياحا لدى قادة حزبي "كديما" بزعامة اريئيل شارون، و"العمل" بزعامة عمير بيرتس، وكل واحد منهما من وجهته الخاصة، بعد ان أظهرت استطلاعات رأي في الاسبوعين اللذين سبقا الانتخابات، وكأن المعركة لم تحسم بعد في الليكود، وان وزير الخارجية سلفان شالوم قد ينجح في تحقيق انقلاب على نتنياهو ويفوز بزعامة الليكود، وهذا ما تخوف منه شارون وبيرتس. وكان هذا التخوف نظرا لمواقف شالوم المتقاربة من شارون، فقد أيد خطة اخلاء المستوطنات، ولم يعترض على سياسة شارون، ولهذا فقد تخوّف الأخير من ان انتخاب شالوم قد يعيد لحزب الليكود اصوات الوسط واليمين "المعتدل" الذين هجروا الليكود ونزحوا الى "كديما". أما عمير بيرتس، فقد تخوّف من ان انتخاب اليهودي الشرقي سلفان شالوم، من اصل تونسي، سيكون عقبة امامه في التوسع بين اليهود الشرقيين، فبيرتس ولد في المغرب العربي، ويطمح لجرف اصوات من اليهود الشرقيين، رغم ميول غالبيتهم لليمين الاسرائيلي، فالعامل الطائفي يلعب دورا في الانتخابات البرلمانية وغيرها. ويعتقد قادة "كديما" و"العمل" ان انتخاب نتنياهو سيسهل عليهم المعركة الانتخابية، أو على الأقل سيثبتها بالشكل التي تظهر فيه من خلال استطلاعات الرأي، التي تظهر من يوم الى آخر، والتي تشير الى ان حزب الليكود انهار الى حضيض، يعيد الليكود الى وضعية حزبه الأصلي، "حيروت" في سنوات الخمسين، بحصوله على ما 11 الى 13 مقعدا، من أصل 120 مقعدا في البرلمان. حقيقة انه لا يمكن الاعتماد كليا على استطلاعات الرأي الصادرة بشكل متسارع في اسرائيل، فلا يزال للانتخابات البرلمانية الاسرائيلية 91 يوما، وهذه فترة كبيرة جدا، قد نشهد فيها عدة تقلبات سياسية وحزبية، ومفاجآت غير متوقعة، على شاكلة الجلطة الدماغية التي اصيب بها شارون في مطلع الاسبوع الماضي، او تدهور الاوضاع الأمنية والعسكرية، وما الى ذلك، ولكن من جهة أخرى فإن الاقبال على صناديق الاقتراع في الليكود عكس حجم الأزمة التي يعاني منها الحزب، وعلى ما يبدو فإن هناك اساسا معينا لما تشير اليه استطلاعات الرأي في هذه الايام.
نتنياهو يتحين الفرص
تثبت سيرة نتنياهو السياسية، وفي محطات بارزة منها انه "بارع" في انتهاز الفرص، فهو لم يصل الى أي منصب مركزي إلا من خلال أزمة، فمثلا في العام 1990 تولى منصب نائب وزير الخارجية، حينما كان رئيس الحكومة الأسبق يتسحاق شمير مرغما على تعيين الوزير دافيد ليفي وزيرا للخارجية، للحفاظ على موازين القوى في الحزب، رغم ان ليفي اضعف من ان يقود هذا المنصب، وتم تعيين نتنياهو الذي كان سابقا مندوبا لبلاده في الأمم المتحدة، في محاولة لتغطية الجانب "المهني". ولكن نتنياهو لم يكن مجرد نائب وزير بل كان عصا شمير التي تعرقل تحركات ليفي، وأكثر من مرّة نشبت ازمات بين ليفي ونتنياهو على خلفية ان الأخير يعمل من وراء ظهر الوزير بالتنسيق مع رئيس الحكومة. ووصل نتنياهو الى زعامة الليكود لأول مرّة في العام 1993، كان أيضا على خلفية ازمة، نشبت بعد هزيمة الليكود في انتخابات العام 1992 بزعامة شمير، ونجح نتنياهو في تحقيق فوز على منافسه شمعون بيرس برئاسة الحكومة، في الانتخابات البرلمانية التي جرت في العام 1996، بفارق بضعة آلاف قليلة، ولكن قيادة نتنياهو للحكومة ونهجه في قيادة الحزب، أضعف الليكود كثيرا وافقده الحكم في العام 1999، لصالح حزب "العمل" بزعامة إيهود براك. كما أن الانطباع السائد في الحلبة السياسية هو ان نتنياهو يتنقل في المواقف السياسية حسب تفسيراته لموازين القوى، فعلى الرغم من انه أيّد خطة اخلاء مستوطنات قطاع غزة، في ست اقتراعات في حكومة اريئيل شارون التي كان وزيرا فيها وفي الكنيست، إلا انه مع اقتراب موعد تنفيذ الخطة، واستدراكه لحقيقة ان موقفه هذا لن يسمح له بالتغلب على شارون في المنافسة على زعامة الحزب، سارع الى الموقف النقيض طمعا في جذب تيار اليمين المتطرف في الحزب اليه، وهذا نموذج أخير وحي لنهج نتنياهو الانتهازي على مدى 17 عاما في عمله السياسي البرلماني. وإن حقق نتنياهو الآن هدفه فإنه حققه بثمن انهيار الحزب الذي سعى لتزعمه، فنتنياهو لا يسعى الى قيادة حزب في المركز الثالث، وحتى وإن ازدادت قوته حتى يوم الانتخابات فإنه لن يكون الحزب الأول، حسب المشهد السياسي القائم.
رهان نتنياهو
يعتقد نتنياهو على ان الليكود لن يبقى في النتيجة التي تتوقعها له استطلاعات الرأي، وهو يراهن على عدة أمور، اولها ظهور تصدعات في حزب "كديما" على خلفية تركيب قائمة الحزب للانتخابات، والثاني التراجع الحاصل في قوة حزب "العمل" حسب استطلاعات الرأي، وليستفيد نتنياهو من هاتين الأزمتين المفترضتين فإنه يسعى الآن الى اجراء تعديلات في مواقفه السياسية، ويبحث عن صياغات سياسية تحرره من تشدده المفتعل ضد خطة اخلاء المستوطنات، ولكن من المشكوك ان ينجح في اقناع الجمهور ثانية بأن في جعبته ما هو مقنع اكثر مما يطرحه شارون. إن انتخاب نتنياهو بدأ يثبّت أكثر الخارطة الحزبية لدى الأحزاب الكبيرة في الانتخابات المقبلة، وستتجه الأنظار منذ الآن الى التركيبة الداخلية لكل قائمة من هذه القوائم، التي لن تؤثر كثيرا على استطلاعات الرأي، الى جانب الاصطفافات في الأحزاب الأقل قوة، فالوحدة بين كتل أي معسكر ستؤثر هي الآخرى على النتائج النهائية للانتخابات.
تحضير للطباعة أرسل لصديق - |
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر
|