إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



أزمة فتح ودلالاتها السياسية

الاربعاء 28/12/2005
لميس اندوني- "الغد" الاردنية

الانقسام الظاهري لحركة "فتح" واكتساح حركة حماس لمعاقل تاريخية لفتح في الانتخابات البلدية الأخيرة، هما وجهان لأزمة سياسية حادة تواجهها فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، لن يحلها لجوء حركة فتح الى رموز نضالية كالأسير مروان برغوثي أو الجبهة الشعبية بترشيحها أحمد سعادات وعبد الرحيم ملوح.
فالأزمة عميقة، خاصة الفتحاوية منها، اذ ان الحركة لم تستطع التحول الى حزب سياسي حقيقي لكنها في نفس الوقت لم تحافظ على نفسها كحركة مقاومة تقود حركة التحرر الفلسطينية.
لا بد من الإقرار بأن هذه الأزمة لا تعبر فقط عن الانقسامات الداخلية. فهوية فتح المعلقة بين حركة التحرر وبين حزب "السلطة"، هي نتيجة موضوعية لفشل "العملية السلمية" في تحقيق التحرر من الاحتلال. بالتالي فان الشرعية الفلسطينية الشعبية لا تزال تنبع من الهوية المقاومة النضالية لأي حركة فلسطينية. بما في ذلك "فتح" التي اعتمدت تاريخيا على شرعية "البندقية" في قيادتها للحراك السياسي الفلسطيني.
ففتح لا تستطيع الاعتماد على انجازاتها السياسية، فيما يرى الفلسطيني أرضه تختفي من تحت قدميه ووطنه يُفتت الى تجمعات سكانية محاصرة، فيما قيادتها مقيدة "بشروط العملية السلمية" التي تشل العمل الفلسطيني تاركة المجال لحركة حماس لقيادة المقاومة. لذا ليس من المستغرب أن تظهر قائمتان لحركة فتح للانتخابات التشريعية القادمة تحت قيادة الأسير "مروان البرغوثي"، لأن مروان البرغوثي أصبح رمزا للهوية المقاومة يسعى جميع اطراف الحركة الى استعمالها لاستقطاب الشعب الفلسطيني.
حاجة القيادة الفتحاوية الى رموز نضالية في حركتها للحفاظ على موقعها الريادي تجلت بوضوح في ترتيب أسماء الـ 66 مرشحا في القائمة "الرسمية" للحركة. اذ أن اسم مروان برغوثي ظهر على رأس القائمة يليه اسم الأسير علي يطا ومن ثم انتصار الوزير "أم جهاد" أي أن القائمة الرسمية لا ترتكز على الانجاز السياسي بل التمثيل النضالي بما في ذلك الاعتماد على ارث الشهيد خليل الوزير "ابو جهاد" بما يرمز اليه من التاريخ النضالي والمقاوم للحركة, أما القائمة التالية، التي أعطى مروان برغوثي مباركته لها، فيريد القائمون عليها أن تبدو كقيادة للداخل وانتفاضة 1987 وان كانت تشمل رموزا "امنية" مثيرة للجدل، لكن اسماءها (مثل: محمد دحلان وجبريل الرجوب) هم من القيادة الشعبية للانتفاضة الأولى التي يبدو أنها قررت التوحد ضد قيادات "فتح" في الخارج واللجنة المركزية لحركة "فتح"، معتمدة على ارث الانتفاضتين الأولى والثانية، لتتحدى القادمين من "المنفى".
ان هذا الاصطفاف "الفتحاوي" الجديد، وان كان قديم الجذور، لا يعبر عن خلافات حول البرنامج السياسي للحركة، بل هو انتقال خطير للنزاع بين القيادة التاريخية التي جاءت من "المنفى" وبين "القيادات الأكثر شبابا" التي أفرزتها الانتفاضة الأولى والثانية. صراع الأجيال امر طبيعي، لكنه لا يعني بالضرورة اختلافا حول البرنامج السياسي، فوفقا للمعلومات المتاحة فإن الرؤية الفتحاوية "الغالبة رسميا" هي سد الفجوة بين برنامج الحركة وبرنامج السلطة المقيدة بالشروط الأميركية الإسرائيلية. أي أن "العملية السلمية" المشلولة اصلا تصبح المرجعية السياسية لحركة "فتح" يترتب على ذلك سياسيا ضرب أي أسس لفكر وعمل مقاوم - سواء كان سلميا أم عسكريا- لتتواءم الحركة مع تعهدات السلطة، بما في ذلك التعهدات "الأمنية".
فعندما يتحدث المسؤولون الأميركيون والاسرائيليون عن "تفكيك البنية التحتية للارهاب"، فهم لا يعنون فقط حماس أو الأجنحة العسكرية للفصائل الفلسطينية فحسب. وإنما احداث تغيير جذري في بنية فتح وبرنامجها التعبوي وخطها السياسي. أي تغيير الوعي الجمعي لاعضاء ومناصري الحركة حتى لا تفرز فتح في المستقبل قيادات "مقاومة" تحاول تغيير الواقع الذي تفرضه سياسات الضم والتهويد والتفتيت الاسرائيلية.
قد تكون مثل من الاسباب اثرت على قرار مروان برغوثي في التحالف مع الرجوب ودحلان وما يقال عن مساندة فاروق القدومي لقائمة المستقبل، لكن التناقضات في المواقف السياسة لهذا الحلف الجديد وغياب برنامج سياسي واضح ومعلن يجعل القائمة تبدو متميزة فقط بكونها اكثر شبابا وتقتصر على تمثيل قيادات الداخل. ان مثل هذا التفكير لا يحل ازمة بل يرسخ ازمات تتهدد فتح والعمل الفلسطيني بشكل عام.
ما معنى أن تأخذ "القيادات الشابّة" موقعها كما يقول مؤيدو قائمة "المستقبل"، فبماذا يختلف "جيل الشباب" عن "كهول الحركة" اذا كان الانقسام في أساسه هو صراع على "السلطة"، فحتّى "فتح" "الرسميّة" تبنّت جيلا جديدا من "ّالداخل" يتجاوب مع خط السلطة السياسي في الابتعاد عما تمثله منظمة التحرير الفلسطينية كما تحاول قيادة
فتح "الرسميّة" ارساء قواعد تنظمية جديدة تطوّع الحركة للمطالب الاميركية.
بل إننا لا نرى أي حوار سياسي بين الاطراف الفتحاوية في مرحلة تتطلب حوارا معمّقا لهوية الحركة ولعلاقة الحركة بالسلطة الفلسطينية. اذا كان هو المتفّق عليه هو اجراء تغييرات بنيوية وسياسية، فما هي هذه التغييرات والاهم من ذلك وفق أي رؤية؟
في الإجابة على هذا السؤال لا بد من الاتفاق ابتداء هل فتح حزب سلطة أم حركة تحرر، أو حتى حزب معارضة؟ فمنذ تشكيل السلطة الفلسطينية، وفتح تلعب دور المعارض ودور السلطة في آن، نتيجة للتناقض بين رؤيتها وتركيبتها وبين متطلبات سلطة "منقوصة السلطة".
وضع "فتح" المعلّق بين السلطة والمعارضة، بين المقاومة وقبول شروط المفاوضات، كان دائما نقطة قوتها وضعفها في آن واحد. اذ أنّها تقود المفاوضات وتقود المقاومة، كما أنّها كسلطة، تملك امكانية تحقيق المطالب الحيوية اليومية للفلسطينيين، مما يعطي لمرشحيها قوّة في الشارع الفلسطيني. لكن هذا الامتياز أصبح عبئا أيضا لأنّ حركة حماس "المتحررة" من شروط ومتطلبات السلطة تستطيع أن تتفوق على "فتح" في قيادة المطالب الشعبية والمقاومة الشعبية وتهدد بذلك سطوة وتأثير فتح في الشارع الفلسطيني. خاصة أنّ حماس تشرف على برامج اجتماعيّة تنافس في بعض النواحي قدرة السلطة على توفير احتياجات حياتيّة للفلسطينيين.
الصراع الفتحاوي على السلطة لا يمكن الا أن يخدم حركة حماس في الانتخابات التشريعيّة، لكن حتّى اذا استطاعت فتح توحيد قائمتها الانتخابيّة فان ذلك لا ينهي الصراع، والاهم من ذلك لا يحسم أزمة تحديد هوية الحركة السياسية والتنظمية.
بينما تدل كل المؤشرات على أن الجهود القائمة الآن لا تبحث عن حل حقيقي لكن حل توحيدي سطحي لهزيمة قائمة حماس دون ايجاد حلول جذريّة. من الواضح أن عنوان هذه الجهود هو "الضغوط الممارسة" على مروان البرغوثي من كلا القائمتين، لكن البرغوثي انزعج من محمود عبّاس خلال الانتخابات الرئاسيّة، اذ انّه وبعد أن سحب ترشيح نفسه، تراجع "أبو مازن" وفقا لمقربين من برغوثي عن تعهداته باعطاء دور أكبر لقيادات الانتفاضة الاولى والثانية للمشاركة في القرار السياسي. لكن ذلك قد ينطبق على مروان البرغوثي و"محمد غنيم"، أحد أبرز مرشحي قائمة "المستقبل"، وليس على كل من دحلان ورجوب، فالاول كان وزيرا للشؤون المدنية والثاني مستشارا للأمن القومي قبل قرارهما الخوض في الانتخابات التشريعية. وكلا الرجلين قد
قرر أن مستقبله يتمثل في تثبيت شرعية لها قاعدة شعبية توفرها الانتخابات.
الثلاثي (البرغوثي-الرجوب-دحلان) قد يشكل تحالفا يمتلك رصيدا قويا داخل حركة فتح، لكنّه بالتأكيد لا يمثل استراتيجية سياسية تتميز عن الخط الرسمي لقيادة "فتح".

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر