إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



ثلاثة عوامل رئيسية لتراجع حزب "العمل" في الاستطلاعات

الاثنين 2/1/2006
برهوم جرايسي- الطريق

*الأول: التوهم بأن القضية الاقتصادية الاجتماعية هي الحاسمة في الشارع الاسرائيلي، والثاني: التأتأة الواضحة في الخطاب السياسي ومحاولة مغازلة اليمين، والثالث أزمة القيادة التي لم تتوقف عند انتخاب بيرتس*

واصلت استطلاعات الرأي الاسرائيلية حتى نهاية الشهر الماضي التنبؤ بتراجع قوة حزب "العمل" الاسرائيلي، بقيادة رئيس اتحاد النقابات السابق عمير بيرتس، مقارنة بالنتيجة التي تنبأتها له مع فوزه في الانتخابات لرئاسة الحزب في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، متغلبا على رئيس الحزب التاريخي شمعون بيرس.
فمع فوزه قالت نفس الاستطلاعات ان قوة حزب العمل سترتفع في حدود 33% مقارنة مع قوته البرلمانية اليوم، أي من 21 مقعدا الى 28 أو 29 مقعدا، أما اليوم فإن "افضل" نتيجة يحصل عليها هذا الحزب في هذه الاستطلاعات هي البقاء ضمن قوته الحالية، أي 21 مقعدا، وحتى هناك من يتنبأ له انهيار الى 18 مقعدا.
وعلى الرغم انه لا يزال امامنا حوالي ثلاثة اشهر، وبالامكان ان تنقلب هذه النتيجة الى كل الاتجاهات، إلا أن الصورة بشكل أو بآخر اصبحت شبه واضحة من حيث "اتجاه الريح"، ولكن "المتفائلين" الذين يتوخون نتيجة معاكسة للتي هي عليه اليوم يدّعون ان هذا أمر مؤقت، ولكن هم انفسهم بنوا كل تحليلاتهم واستنتاجاتهم، مع فوز بيرتس، على نتائج تلك الاستطلاعات التي صدرت من نفس المعاهد التي تتبنأ اليوم تراجعا لحزب "العمل".
وبعد حوالي شهرين على تبوأ عمير بيرتس منصب زعيم الحزب بالامكان تلخيص هذا التراجع بثلاثة اسباب وعوامل رئيسية، وهي: التوهم بأن القضية الاقتصادية الاجتماعية هي الحاسمة في الشارع الاسرائيلي، والثاني التأتأة الواضحة في الخطاب السياسي ومحاولة مغازلة اليمين والوسط، والثالث أزمة القيادة التي لم تتوقف عند انتخاب بيرتس، لا بل تحقق ما كان متوقعا، بأن هذه الأزمة استفحلت أكثر.

اعتماد الملف الاقتصادي الاجتماعي

في صبيحة يوم انتخاب عمير بيرتس استيقظت اسرائيل على وهم وكأنه بعد هذا الفوز سيرتقي الملف الاقتصادي الاجتماعي الى رأس جدول اعمال الأجندة السياسية في اسرائيل، وسيطغى هذا الموضوع على الحملة الانتخابية البرلمانية الجارية.
وتحت تأثير الاعلام واقلام المحللين التي لم تنشغل بعد بانقلاب اريئيل شارون على حزب، فقد بدأ حزب "العمل" يسجل ما لم يكن يحلم به في استطلاعات الرأي، وانشغل جميع الساسة في اسرائيل في قضية الفقر المستفحل والبطالة المتأزمة، وغاب لايام معدودة الملف الأمني عن رأس جدول الخطاب اليومي في اسرائيل، وانزلق البعض في بحر اوهام وكأن اسرائيل الرسمية غيّرت جلدها، وبات مجتمعها ينشغل في قضاياه الداخلية.
وظهرت في تلك الأيام نتائج استطلاع لجمعية "لتيت"، التي تختص بالمساعدات الاجتماعية في اسرائيل، تقول ان 29% من الجمهور في اسرائيل يرى ان الموضوع الأهم بالنسبة له هو الجانب الاقتصادي الاجتماعي، يليه ملف التربية والتعليم بنسبة 21%، ثم في الدرجة الثالثة الملف الأمني، بحصوله على نسبة 15%، ولكن آخر استطلاع في الشهر المنصرم في صحيفة "معاريف" اعطى نتيجة معاكسة كليا، فقد اشار هذا الاستطلاع الى ان 32% من الجمهور يؤكدون ان المسألة الحاسمة لهم في قرارهم لمن يصوتوا هي المسألة الأمنية، مقابل 28% للقضية الاقتصادية الاجتماعية، و13% لقضايا التعليم و10% لقضية نزاهة الحكم.
وتؤكد جميع المعارك الانتخابية البرلمانية الستة عشر التي شهدها اسرائيل، انه على من ان اسرائيل تعاني من أزمة اقتصادية مزمنة منذ عشرات السنين، إلا ان القضية الاقتصادية لم تكن حاسمة في أي من هذه المعارك الانتخابية البرلمانية، ولا في الحملة الجارية اليوم كما يبدو واضحا.
ولكن بيرتس، حاصر نفسه أكثر في الملف الاقتصادي الاجتماعي، وما زاد من هذا المشهد هو الاعلام الاسرائيلي ومحلليه، الذين اضفوا على بيرتس الطابع الاقتصادي الاجتماعي، واظهروه ضعيفا في الملف الأمني، وليس هذا فحسب بل ان بيرتس ابعد الجنرالات عن قيادة الحزب، وهذا ما سنأتي عليه لاحقا.
ولهذا فإنه كلما تعمقت الأزمة الأمنية العسكرية أكثر كلما ظهر عمير بيرتس اضعف في استطلاعات الرأي باتهامه ان الأضعف في قيادة البلاد في الأزمات العسكرية، مقابل الجنرال شارون، ونتنياهو الذي يركز خطابه على الجانب السياسي الامني.

التأتأة في الخطاب السياسي

عُرف عن عمير بيرتس، خاصة منذ اتفاقيات اوسلو انه من اقصى الجناح اليساري الصهيوني في حزب "العمل"، وحتى انه اقرب الى حركة ميرتس، وهو من قادة حركة "السلام الآن" سابقا، وايد "وثيقة جنيف"، ومن قبلها أيد مخطط الرئيس الامريكي السابق بيل كلينتون للحل الدائم الذي ظهر في نهاية العام 2000، وهو شبيه جدا بوثيقة جنيف.
ولدى انتخابه هاجمه اليمين الاسرائيلي، وعلى رأسه رئيس الحكومة اريئيل شارون، من هذه الزاوية، وبدلا من ان يعرض نفسه بديلا سياسيا امام حكومة الليكود، ومن ثم "كديما" فإن بيرتس سارع في البحث عن الخروج مما اعتبره "ورطة سياسية"، وظهر وكأنه لا يريد هذه الصبغة السياسية التي ظهر بها، اعتقادا منه انها لا تخدمه في الحملة الانتخابية.
وبعد اقل من اسبوع وقف بيرتس امام مركز الحزب، لينكر مواقفه السياسية "ثلاث مرات قبل اطلاق صفارة بدء الحملة الانتخابية"، فأعلن انه مع بقاء ما يسمى بـ "القدس الموحدة عاصمة ابدية لاسرائيل"، وانه يرفض حق العودة للاجئين الفلسطينيين الى مناطق 1948، وانه يؤيد بقاء الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية تحت سيطرة اسرائيل، ثم اعلن لاحقا انه يريد استئجار اراضي المستوطنات من الفلسطينيين.
وبما أن معالم القدس المحتلة واضحة، وان حق العودة كان فيه جازما، فإن مسألة الكتل الاستيطانية فضفاضة، ولم يحدد بيرتس ما هو المقصود بها، ولهذا فإنه لم يظهر بأي خطاب مختلف سياسيا عن خطاب اريئيل شارون من حيث الجوهر، فلاحقا اعلن انه يرفض الحلول المرحلية، ويرفض خطة خارطة الطريق ويريد التوجه مباشرة الى مفاوضات الحل الدائم، ولكن طالما ان الجوهر، على ألاقل حسب الخطاب المعلن، هو واحد، فإن الشارع الاسرائيلي عاد الى النسخة الاصلية لهذا الخطاب الى اريئيل شارون.
وبرز التخبط السياسي لدى بيرتس حين صرّح مستشاره الاستراتيجي موطي موريل، في حديث للاذاعة الاسرائيلية قائلا، إن شارون يستخدم الاغتيالات (ضد الفلسطينيين) لاغراض انتخابية، واعتبر ان شارون يُقدم على ضربات عسكرية لابعاد الجمهور عن الانشغال بقضاياه الحياتية اليومية والأزمة الاقتصادية التي يعاني منها. وسارع عمير بيرتس، في ظل الهجوم السياسي والاعلام على موريل، للتحفظ من تصريحات مستشاره معتبرا انها تعبر عن رأي المستشار شخصيا، ثم فصله من عمله بعد عشرة ايام (في الاسبوع الاخير من الشهر الماضي).

أزمة القيادة

كان واضحا منذ اللحظة الأولى لانتخاب عمير بيرتس زعيما للحزب، ان خللا ما في عملية الاقتراع هو الذي قاد الى فوزه غير المتوقع اطلاقا، وقد سبق هذا الانتخاب تخبط الحزب على مدى ستة أشهر في فضيحة تزوير الانتسابات للحزب، وكان معسكر بيرتس من اكبر المتورطين في هذه التزويرات يليه الوزير السابق بنيامين بن اليعيزر، وقد جرت هذه الانتخابات في ظل هذه الفضيحة.
فبسبب هذه الفضيحة من جهة، ومباغتة القيادة التقليدية للحزب بهذه النتيجة، من جهة أخرى، كان واضحا ان عمير بيرتس لن يحظى بأذرع دافئة تستقبله في قيادة الحزب الذي هجره قبل سنوات وعاد اليه على رأس حزب صغير، "عام إحاد"،
وليزيح زعيم الحزب التاريخ، شمعون بيرس، عن منصبه.
ولم ينجح بيرتس في قراءة الواقع في الحزب الذي تزعمه ولم يسمع التنبيهات والتحذيرات، فقد عمته شدة الاضواء وصنّت اذنيه مايكروفونات الاعلام الاسرائيلي، فبهر بهذا الزخم، الى جانب انه هو نفسه تفاجأ بالنتيجة، واعتقد بيرتس لوهلة انه اصبح زعيما بحجم رئيس الحزب يتسحاق رابين، الذي حين فاز بزعامة الحزب في عام 1992 القى "خطاب الأنا"، وفي جوهره ان كل الخيوط بيده وهو وحده الذي يقرر، فرضخت له كل القيادات والتيارات في الحزب، ولكن عمير بيرتس ليس يتسحاق رابين، لا شعبيا ولا حزبيا.
فخلال شهر من انتخابه هجر الحزب شمعون بيرس والوزيران السابقان حاييم رامون وداليا ايتسيك، ولكن ليس هذا فحسب بل ان عمير بيرتس ظهر متفردا في الزعامة، وابعد عددا من الجنرالات عن الحلقة الضيقة لقيادة الحزب، فعلى الرغم من ان رئيس الحزب الاسبق أيهود براك لا يحظى بشعبية كبيرة في الشارع إلا ان وجوده الى جانب بيرتس كان سيساعده في تعويض "النقص الأمني" الذي يعاني منه بيرتس امام الشارع الاسرائيلي، وليس براك لوحده، بل هناك شخصيات اخرى مثل داني يتوم رئيس جهاز الموساد الاسبق، واعتقد بيرتس ان وقوف شخصية مثل رئيس جهاز "الشاباك" (المخابرات) الاسبق عامي ايالون ستعوضه، إلا ان وثيقة "ايالون نسيبة" انزلت عن ايالون صبغة العسكري الامني.
الى جانب هذا فقد ظهر انطباع في الحزب ان كوادر عمير بيرتس سيطرت على الحزب وابعدت الكوادر التقليدية عن دائرة التأثير، وتدور شائعات مفادها ان عمير بيرتس سيتحكم بالانتخابات التمهيدية للحزب، وان لجديه قائمة خاصة به ستبعد شخصيات تقليدية في الحزب.
على ما يبدو ان بيرتس بدا يدرك في الايم الأخيرة الورطة التي علق بها في هذا المجال، فبدأ يطلق صرخات الاغاثة لشمعون بيرس، ولايهود براك، ولكن الوقت من جهة بيرس اصبح متأخرا جدا، فحتى لو افترضنا جدلا ان بيرس سيعود للعمل، فإن هذه ضربة مزدوجة قاضية لبيرس ولحزب العمل أيضا لأنها ستظهر على أنها خطوة غير مستقيمة تتلاعب بالرأي العام، ولا يظهر كيف سيدمج بيرتس براك في قيادة الحزب بعد ان اغلق باب الترشيحات لقائمة للانتخابات التمهيدية من دون ترشيح براك.

لم يعد الكثير من الوقت

حقيقة انه لم يعد الكثير من الوقت ليعيد عمير بيرتس ترتيب اوراقه السياسية والتنظيمية، فإذا لم يستغل الاسابيع الثلاثة او الاربعة على الأكثر التي امامه، بمعنى حتى نهاية الشهر الأول من العام الجديد، فإنه سيقود حزبه الى حضيض جديد، وفي "أفضل" الاحوال فإنه سيبقيه في حضيضه الحالي.
فإذا اراد بيرتس تحقيق طفرة فعليه التميز بخطاب سياسي اوضح، وواقعي أقرب من حيث ما يطرحه الفلسطينيون كحد ادنى، وان يصحح الوضع التنظيمي حزبيا ويستوعب الكوادر والقيادات التقليدية في الحزب لتوحيد صفوفها في الحملة الانتخابية الجارية.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر