إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



وداعًا مازن غطاس

الاثنين 2/1/2006
انطوان شلحت

لم يهجس مازن غطّاس في حياته بالموت، الذي كان يترصّده واختطفه مع أول إطلالة للعام الجديد- 2006. لقد ودعنا معًا العام المنصرم قبل أن ينقضي بأربع وعشرين ساعة. ومع أول أيام العام الجديد نوسدّه الثرى في قريته الرامة الجليلية الشامخة. فهل تكفي الحسرة على فراق قطعة منّا، أم أن صدمة رحيله التي هبطت كالصاعقة سيكون استيعابها من المؤجلات، مثلها مثل العديد من المشاريع التي كان الراحل يسابق الزمن في سبيل إنجازها وما كان يدري أن الحياة ستخونه حتى من قبل ومن بعد أن ترتكب هذا الإثم الفظيع أشياء أخرى خوّانة؟.

بماذا هجس مازن غطّاس إذًا؟

بالمسرح أولاً وأخيرًا، بل ودائمًا. وفي الفترة الأخيرة جعله، بقدرة قادر، هاجسنا أيضًا، له، كما لنا ولجمهورنا كافة.

الآن بعد رحيله الموجع حقّ له أن نهجس بمشروعه فقط، فلم يكن مثل نيزك أو شهاب فحسب، بل أضاء كذلك بنور إبداعه وعزيمة إرادته دروبًا أزعم أنها ما كانت ستبدو كما هي عليه بدونه.

عاش مازن عمرًا قصيرًا بأعوامه (توفي عن عمر يناهز الـ51 عامًا) لكنه ملأه، قدر ما استطاع، بما يبقى في الأرض من إبداعات مسرحية، لم تكن مونودراما "المتشائل" و"طفل النور" عنوانها الوحيد ذا الدلالة. وكان مقدرًا له أن يملأه بما هو أكثر مع انطلاق مشروع حياته، وهو إنشاء "بنية تحتية"، إذا جاز التعبير، للمسرح الذي أسسه وتعهده بالرعاية حتى الرمق الأخير- مسرح "اللاز"- بين أسوار المدينة التي أحبّ ونحبها جميعًا- عكا.

كلما كنّا نلتقي كنت أعبّر له عن مبلغ غبطي له على أنه رغم كل ما حصل ظلّ متمسكًا بـ"مشروع" المسرح العربي المستقل بعد أن عزف عنه آخرون انضووا تحت كنف ما هو ممأسس. فكان لا يعير ذلك اهتمامًا وينطلق في الحديث عن برامجه لجعل مسرح "اللاز" منارة ثقافية تشع بضوئها على شعبنا كله. وفعلاً في ظرف فترة قصيرة نسبيًا تحوّل مقرّ المسرح إلى محّج نفيء تحت ظله ولا يني يزرع الأخضر في أرضنا اليباب.

ومع تجدّد لقاءاتنا وتعددها اكتشفت فيه، أنا الذي كنت أزعم أني أعرفه "عن ظهر قلب"، أمورًا كثيرة دفينة زادتني تقديرًا له وإيمانًا بأن النهضة المتعثرة لحركتنا المسرحية يمكن أن تتأتى عن إسهام أناس مثله وفي قامته الحقيقية لا التصويرية.
سأرجئ إلى مناسبة أخرى قضية تقييم البصمة المخصوصة التي طبعها مازن بميسمه على حركتنا المسرحية حتى تطبعت به أو كادت، فرحيله الصادم يجعل الهاجس العاطفي ينال النصيب الأوفر الآن. وسأكتفي بأن أستعيد ما كتبه الأديب المغربي محمد شكري في مقدمة الطبعة العربية من سيرته الذاتية "الخبز الحافي":

"لقد علمتني الحياة أن أنتظر، أن أعي لعبة الزمن بدون أن أتنازل عن عمق ما استحصدته: قل كلمتك قبل أن تموت فإنها ستعرف، حتماً، طريقها. لا يهم ما ستؤول إليه. الأهم هو أن تشعل عاطفة أو حزناً أو نزوة غافية.. أن تشعل لهيباً في المناطق اليباب الموات".

فعلى النسق ذاته وعى مازن غطّاس لعبة الزمن، بيد أن انتظاره لم يكن عبثياً، مثل انتظار صموئيل بيكيت لغودو. ولا شكَّ أن اللهيب الذي أشعله في يبابنا الثقافي والمسرحي، حتى الموت لا يقدر عليه.

لا نملك أن نعيد الزمن إلى الوراء فنصرخ اهتداء بصرخة علي بن أبي طالب: لو كان الموت رجلاً لقتلناه، إنما نملك أن نعد وعدًا حقًا بأن نحمي مشروع الراحل ومسرح "اللاز" الذي بات من حقّه ومن واجبنا أن نضيف إليه العبارة التالية: "لمؤسسه المسرحي المرحوم مازن غطّاس".

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر