إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



الحركة النقابية اللبنانية تفقد النقابي المخضرم الشيوعي الياس سليم الهبر

وداعاً يا عميد الحركة النقابية... وداعاً يا "ريّس"

الاربعاء 4/1/2006
جهاد عقل

من الصعب أن تجد الكلمات الملائمة للتعبير عن فُقدان مناضل كبير، خاض المعارك اليومية من أجل مقاومة الظُلم الرأسمالي للطبقة العاملة. بل عرّض حياته للخطر دائماً في هذه المعارك... ومن الصعب أيضاً أن تقف في وجه هذا الحزن الذي حلّ بك وأنت تحاول أن ترسم ملامح شخصية هذا المناضل العريق، الذي لم تسمح لك الظروف بلقائه. لكنك تعرف عنه الكثير في مجال الكفاح النقابي العمالي... وتعتبره قائداً ومثالاً مميزاً في النضال العمالي... هذا ما إنتابني عندما علمت برحيل المناضل النقابي الشيوعي اللبناني المخضرم الياس سليم الهبر-ابو جورج- المعروف بلقبه (الريّّس)...الذي رحل عنّا يوم السبت 31\12\2005 عن عمر يناهز 82 عاماً قضاه في ساحات النضال والكفاح اليومي العمالي.. في لبنان والعالم.
سيرة هذا المناضل الشيوعي الراحل حافلة بالأحداث الكفاحية. وهو الذي ولد العام 1923 مع بداية فرض الإستعمار – الإنتداب الفرنسي على لبنان، فكانت نشأته في ظل القمع الإستعماري. مما دفعه الى الإنخراط في صفوف الحزب الشيوعي اللبناني، والمشاركه في الكفاح ضمن المقاومة الوطنية، للتخلص من براثن هذا الإستعمارالفرنسي حتى تحقيق الإستقلال لوطنه لبنان.
وإنخرط ايضاً في العام 1942 في العمل النقابي ،الذي نظمه حزبه الشيوعي بين ابناء الطبقة العاملة اللبنانية التي تعرض أبناؤها للقمع والإستغلال... بداية من خلال تنظيم كفاح عمال الفنادق والمطاعم.. لتتسع دائرة النضال التي قادها زميله النقابي الراحل والمعروف مصطفى العريس وزملاءه.وتشمل كافة الشرائح العمالية المظلومة وحلفاءها في المجتمع اللبناني.
واصل "الريّس" نضاله هذا من خلال نشاطه الحزبي... والإلتحام مع جماهير العمال وتنظيمها كفاحياً..حيث كان يقف في طليعة
النضال العمالي.. قائداً للمظاهرات ومتحدياً فوهات بنادق قوات الأمن... وهكذا ذاع صيت هذا القائد النقابي.. كقائد عنيد في معركة النضال لإحقاق حقوق العمال في لبنان.. بل وفي العالم العربي.. ومع تأسيس الحركة النقابية رسمياً.. عن طريق تشكيل النقابات العمالية المهنية.. واجه النقابي الهبر وزملاؤه في قيادة
الحركة النقابية اللبنانية آنذاك، النقابيين" مصطفى العريس، الياس البواري، فؤاد ناصر الدين وسعد الدين مومنة وغيرهم"*، القمع السلطوي الإحتلالي والسلطوي اللبناني... في معركتهم من اجل إنتزاع حق الطبقة العاملة في تنظيم نفسها في نقابات عمالية... ومن أجل تشريع قانون العمل في لبنان بشكل يتلاءم وضمان حقوق العمال على مختلف مهنهم... وتحولت هذه المعارك، الى معركة على حرية النشاط والتنظيم النقابي..
تعرض الهبر وزملاؤه للقمع والإعتقال..لكنهم واصلوا النضال، حتى فرضوا حرية التنظيم النقابي وان تكون الحركة النقابية مستقلة وموحدة.. هذا الإيمان بالوحدة كان صادراً عن إيمانه الأممي بضرورة، أن تكون الطبقة العاملة موحدة في نقاباتها محلياً وعالمياً. كي يقاوم العمال محاولات الإستغلال التي يتعرضون لها، من قبل أرباب الرأسمالية. ومن أجل ضمان حقوق العمال عن طريق التوصل الى إتفاقيات العمل الجماعية التي تضمن العديد من الحقوق للعمال في مختلف المهن. وتم تشكيل الإتحاد العام لعمال لبنان.كي يكون المظلة التي ينشط تحت سقفها العمل النقابي بوحدة كفاحية، وشغل النقابي الهبر العديد من المهام والمناصب ضمن الإتحاد بما في ذلك منصب الرئيس للإتحاد الوطني العام 1966.وعضو في المجلس التنفيذي للإتحاد العام للنقابات. وترأس لمدة طويلة لجنة التثقيف النقابي العمالي، من أجل إعداد كوادر نقابية تستطيع أن تحمل شعلة الكفاح العمالي لاحقاً، حفاظاً على حاضر ومستقبل الطبقة العاملة اللبنانية ومن أجل مواصلة وحدتها.
لم يتوقف النقابي الراحل عند هذا الحد في الدفاع عن الحريات النقابية، بل إنطلق نحو المساهمة في تعميق الوحدة العمالية العالمية وإنتدب كعضو في المجلس التنفيذي للإتحاد العالمي للنقابات العام 1953.
وإنتخب نائباً لرئيس الإتحاد العالمي، ليساهم من خلال منصبه هذا في تعميق الوحدة النقابية العمالية عالمياً، وعلى الصعيد النقابي العربي كان له دور بارز في نشاط الإتحاد الدولي للعمال العرب... بل في تأسيس هذا الإتحاد، الذي تأسس في شهر آذار العام 1956 بعد إجتماع عقده ممثلون عن 7 إتحادات نقابية عربية، منها اتحاد عمال لبنان. في العاصمة السورية دمشق ،وضعت خلاله أيضاً أُسس دستور هذا الإتحاد ضمن 32 بنداً تُشكل أهداف الإتحاد وفي مركزها ترسيخ حرية العمل النقابي والوحدة العمالية العربية من أجل تحسين أوضاع العمال في العالم العربي.وخلال فترة قصيرة إنتُخب النقابي الياس الهبر عضواً في المجلس المركزي للإتحاد الدولي للعمال العرب، وهو الهيئة القيادية الناشطة للإتحاد وشغل العديد من المهام في اللجان المهنية وفي مناصب رفيعة لينهض وزملاءه النقابيين العرب بعمل ونشاط الإتحاد من أجل حماية حقوق العمال العرب.

النشاط الجماهيري والشعبي الذي قام به النقابي الراحل الهبر، كان متعدداً، وضمن المهام التي كلفه بها حزبه وحركته النقابية، وقد شغل ولفترة طويله مهمة رئاسة "لجنة الدفاع عن المستأجِرين". منذ العام 1951 حيث عمل من خلال منصبه هذا على حماية حقوق المستأجرين، ووضع الإسس من أجل مأسسة هذه الحقوق، كي لا يتواصل إستغلال المُلاك لهم والإنفراد بهم. خلال هذا الكم الهائل من النضال الشعبي المطلبي للطبقة العاملة والشرائح المُستضعفة، خاض المناضل
الراحل الياس الهبر مع زملاءه في قيادة الإتحاد العمالي معركة أخرى، لا تقل أهمية عن معركة الحريات النقابية... بل تُعتبر رافداً مركزياً من روافد النشاط النقابي المطلبي للطبقة العاملة. ومنها الحق بالضمان الإجتماعي، وخاضوا نضالات شرسه من أجل تحقيق الضمان الإجتماعي للعمال في لبنان وشروط أُخرى... ولم يتردد في تنظيم الإضرابات والنضالات بهدف تحسين شروط الضمان الإجتماعي للعمال وشرائح أخرى، في إحدى هذه الإضرابات عام 1987 إستطاع أن يشل الحياة في لبنان لمدة أربعة أيام
بعد أن إستجابت معه معظم فئات المجتمع اللبناني، في اضراب شامل رافقته مظاهرات صاخبه... أدت الى تحقيق إنجازات للعمال... وشغل أيضاً- لاحقاً- عضو إدارة الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي... ومن ثم عضو المجلس الإقتصادي- الإجتماعي العام 2000... كي يساهم في خبرته الواسعة في حماية حقوق العمال وغيرهم.

"... الفقيد عاش حياة نقابية قاد فيها المعارك والتحركات والإضرابات والتظاهرات النقابية والعمالية والشعبية التي حققت الكثير من المطالب التي رفعتها الحركة النقابية، لا سيما منها على صعيد الحريات النقابية والضمان الاجتماعي والكثير من المكاسب الاجتماعية للعمال وذوي الدخل المحدود."- السفير*.
هذا ما جاء في نهاية بيان النعي
الذي صدر عن "الإتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين" لعميد الحركة النقابية في لبنان... ومهما حاولنا جاهدين وصف كافة مناحي نضال النقابي الراحل الياس الهبر(ابو جورج)، لا يمكننا إيفاءه وزملاءه من الرعيل الأول للنقابيين العرب... ما يستحقونه من وفاء لمشوارهم الكفاحي.. الذين إعتبروا مسيرتهم الكفاحية النقابية "مشروع إستشهاد وطني دفاعاً عن الحريات النقابية" كما قال الأمين العام للإتحاد الدولي لنقابات العمال العرب عن الراحل في إحدى المناسبات- نفس المصدر*.
رحيل النقابي الياس الهبر جاء في مرحلة قاسية للحركة النقابية اللبنانية.. التي عمل جاهداً من اجل ضمان حريتها وإستقلاليتها ووحدتها... حيث تعاني الحركة متمثلة بـ "الإتحاد العمالي العام"، من حالة من التفسخ والتشرذم.. الذي تتحمل مسؤوليته جهات لا تضمر الخير لعمال لبنان.. ولا لوحدتهم النقابية... ومع أن الراحل كان ينتمي وينحاز الى حزبه الشيوعي حتى يومه الأخير.. الا أنه استطاع دائماً.. ومن خلال نضاله في صفوف الحركة النقابية اللبنانية... التي إعتبرته من أبرز قادتها، أن يكون حريصاً.. وبثبات على وحدتها...مما يضع التحديات الكبيرة أمام النقابيين اللبنانيين... وقيادة "الإتحاد العمالي العام "... أن يقوموا بإعادة لُحمة الوحدة للحركة النقابية اللبنانية وفوراً.. دون أي تردد أو تأتأة.. لأن ما رآه النقابي الراحل والمخضرم الياس الهبر.. بأن وحدة الطبقة العاملة هي الأمان لحاضرها ومستقبلها... ما زال الضمان الوحيد لعمال لبنان...الذين يرزحون تحت الإستغلال المُنفلت من قبل القوى الرأسمالية المحلية والعالمية..ومن قبل المُشغّل العام- الحكومة اللبنانية... فهل تستجيب القيادة النقابية في لبنان الى وصية- طريق النقابي الراحل الياس الهبر (الريّس).. الذي يعتبره الجميع "عميد الحركة النقابية اللبنانية"؟؟؟.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر