الرأي العام الأردني والإرهابالجمعة 6/1/2006 محمد ابو رمان- "الغد" الاردنية
استطلاع الرأي الذي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية- الجامعة الأردنية حول موقف الرأي العام الأردني من الإرهاب، يثير جدلا كبيرا على الصعيد الفكري والسياسي على السواء. أحد أبرز الملاحظات التي يمكن الخلوص إليها من هذا الاستطلاع والاستطلاعات السابقة أن الرأي العام الأردني تجاه القاعدة متغير ومتذبذب، ولا يسير باتجاه واحد. ففي استطلاع الرأي الذي أجراه المركز نفسه عام 2004 كان 66.8% من الرأي العام الأردني (العينة الوطنية) يرون أن القاعدة منظمة مشروعة، بينما يعتبر فقط 20% منهم في الاستطلاع الأخير أن القاعدة (بقيادة ابن لادن) منظمة مشروعة، في المقابل فإن 6.2% فقط يرون أن تنظيم الزرقاوي مشروع، وحوالي 72% يرون أنه إرهابي. ويلاحظ أن نسبة من يعتبرون الزرقاوي (القاعدة) إرهابيا انخفضت عن النسبة التي أظهرها استطلاع للرأي أجراه مركز أبسوس ستات، لمصلحة "الغد" بعد مرور اربعة ايام على تفجيرات عمان 9/11، أظهر أن 7 من بين كل عشرة اردنيين تغيرت نظرتهم سلبيا حيال هذا التنظيم، بينما رأى 9 من عشرة اردنيين أن القاعدة "تنظيم إرهابي". وهو ما يعني أنّ هناك عدم وضوح في الصورة وغياب الاستقرار في الرؤية الشعبية حول القاعدة ونشاطاتها المختلفة. يمكن قراءة حالة الصعود والهبوط في الحكم على القاعدة من خلال طبيعة الأحداث أو العمليات التي تنفذها، كما يذهب معد الاستطلاع د. فارس بريزات. لكن - في تقديري- المسألة أبعد من ذلك، إذ ترتبط ابتداء بوجود خلط وعدم نضوج في عمليات القاعدة وأهدافها، ينعكس على ارتباك اتجاهات الرأي العام بين رؤية القاعدة كمنظمة مقاتلة ضد الاحتلال الأميركي (وهو ما يتوافق مع صعود نزعة معاداة الولايات المتحدة داخل المجتمع الأردني بخاصة والعربي بعامة)، وبين رؤية القاعدة كجماعة متطرفة تقتل الأبرياء والمدنيين، وتقوم بعمليات عدمية، وتحمل فكرا أيديولوجيا تكفيريا متشددا. من جهة أخرى يعود التذبذب في تأييد القاعدة إلى وجود أزمة فكرية في العالم العربي والإسلامي، تتمثل في عدم حسم الجدال وغياب حالة من الإجماع على ما هو الجهاد المشروع وغير المشروع. وفي الوقت الذي تعقد فيه كثير من المؤتمرات والفعاليات وتصدر الفتاوى والبيانات في إدانة كافة صور قتل المدنيين والأبرياء ورفض الأعمال المسيئة للإسلام. إلا أن ضحالة الحياة السياسية والثقافية العربية وحضور التهديد العسكري والأسئلة الحضارية تجعل الأرض الاجتماعية خصبة لنمو هذه الجماعات أو تقبل عملياتها غير المشروعة اجتماعيا وربما سياسيا من قبل حركات وأحزاب سياسية عربية. ما يعني أن هناك دواعي ملحة اليوم لرسالة إعلامية عربية واضحة تقوم على وضوح في الرؤية حول الفرق بين الإرهاب والمقاومة المشروعة الصحيحة، وحول ضوابط المقاومة (الجهاد) ومقاصدها وأسسها الصحيحة. في مقابل موقف الرأي العام من القاعدة، فإن أحد أبرز النتائج التي يخلص إليها الاستطلاع هي انخفاض نسبة تأييد حركة حماس وحزب الله لدى الرأي العام الأردني. والانخفاض في الشعبية أمر طبيعي، ويمكن تفسيره وقراءته من خلال مدى شعبية هذه المنظمات أو تقبل خطابها وممارستها السياسية، ولو كانت الأسئلة حول "شعبية" هذه المنظمات فلا جدال فيها. لكنّ هناك تحفظا منهجيا رئيسيا على صيغة السؤال المطروح في الاستطلاع وهو فيما إذا كان المجيب يعتبر كلا من حماس وحزب الله منظمات مشروعة أم إرهابية. وهو سؤال غير صحيح ابتداء، لأنه غير مطروح للنقاش عربيا سواء على الصعيد الرسمي أو الشعبي. فحماس وحزب الله هي منظمات مشروعة معترف بها عربيا، لها نشاطها ومشاركتها السياسية، ولها نوابها أو ممثلوها المعروفون في المؤسسات السياسية والمحلية في فلسطين ولبنان، وتمارس حقا مشروعا في مقاومة المحتل، والخلاف الآن هو حول المصلحة والنتائج وليس مبدأ مقاومة المحتل، ولم يسبق أن طرح نقاش عربي فيما إذا كانت مشروعة أم إرهابية، حتى في القانون الدولي العام فإن قتال جيش الاحتلال هو عمل مشروع تماما. وما نخشاه هو أن ننزلق إلى الأسئلة الإسرائيلية أو حتى الأميركية، من خلال ما يسمى بـ"استراتيجية الإدماج" التي تتبناها الإدارات الأميركية منذ سنوات وتقوم على دمج كل المنظمات الإسلامية المقاتلة ضمن "الجماعات الإرهابية" في منزلة واحدة. وهو تصنيف مرفوض عربيا وإسلاميا ابتداء. بل تنظيم القاعدة ذاته لو حصر نشاطه العسكري في مواجهة جيش الاحتلال والعسكريين، ضمن شروط سياسية واضحة، فسيكون تنظيما مشروعا! ما يؤكد الملاحظة السابقة حول صيغة السؤال نتائج الاستطلاع ذاته، إذ في مقابل انخفاض شعبية من يرون كلا من حماس وحزب الله منظمات مشروعة، بقيت النسبة قليلة جدا ممن يعتبرونها إرهابية، من الرأي العام، وهي نسبة لا تذكر (من عينة النخبة)، حتى رجال الدولة الأردنية فمن يرون حماس منظمة إرهابية بنسبة 1% وحزب الله 2% وهي نسبة تقترب من العدمية على الرغم من الاختلاف الكبير في المواقف السياسية بين الحكومة الأردنية وهذه المنظمات. تبقى الشبهة الوحيدة حول اعتبار حماس منظمة إرهابية مرتبطة بقتل المدنيين الإسرائيليين. وهذه القضية خلافية في الوسط الفكري والسياسي العربي، والنقاش الشرعي حولها يطول، لكن كما هو معروف هناك اتجاه كبير من الفقهاء يتبنى فتوى شرعية تجيز قتل المدنيين الإسرائيليين على اعتبار أن معظمهم مستوطنون غير شرعيين، وأن الكثير من المدنيين هم في صفوف الاحتياط للجيش الإسرائيلي. لذلك من الخطأ محاسبة حماس وغيرها على أعمالها ضد المدنيين الإسرائيليين بأثر رجعي، ولا بد من وجود تحول - ابتداء- في الاتجاه الفقهي الذي يجيز هذه العمليات ويعطيها المشروعية. في هذا السياق، أدعو إلى تبني فتوى شرعية وسياسية تحرم قتل المدنيين والأبرياء حتى من الدول التي تمارس الاحتلال، وتحديد المفهوم العسكري في الإطار الرسمي العملي وعدم توسيع الدائرة لتشمل فئات كبيرة من المدنيين، إلا من يرفعون السلاح ويمارسون العمل المسلّح، وهو ما ينطبق على فئات من المستوطنين الإسرائيليين. وإلى هذه النتيجة يبدو أن الرأي العام الأردني يتجه، إذ يظهر الاستطلاع ارتفاع نسبة من يرفضون قتل المدنيين الإسرائيليين والأميركيين. بقي أن نقول أن السؤال حول مشروعية حزب الله وحماس إذا كان المقصود منه رسالة إلى الخارج أي الولايات المتحدة وإسرائيل، على اعتبار أن النتيجة الواضحة هي أن الشعوب العربية لا تعتبر هذه المنظمات إرهابية فهو رسالة جيدة، على أن تكون للخارج وليس للداخل! ما سبق لا يقلل من قيمة وأهمية الاستطلاعات المميزة التي يقوم بها مركز الدراسات الاستراتيجية ومن جهود د. فارس بريزات الذي جعل من هذه الاستطلاعات مؤشرات مهمة وحيوية في قياس الرأي العام علميا والابتعاد عن منطق الانطباعات والتخمين.
تحضير للطباعة أرسل لصديق - |
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر
|