شارون من ورائنا والشارونيَّة من أمامناالأحد 8/1/2006 رجا زعاترة- "الاتحاد" الحيفاوية
من الإجحاف مقارنة مناضل وطني وإنساني من طراز ياسر عرفات بأي من حكّام إسرائيل المتتابعين، وكم بالحريّ حين يدور الحديث عمَّن تخضب دماءُ الأبرياء سوادَ سجلِّه. لكني، على جميع الأحوال، لن افعل كمل فعل بعض الإسرائيليين ببهيميّة مقززة حين رحل عرفات: لن أفرح عند الإعلان عن موت شارون رسمياً، فحصَّتي التي رضيت بها ووزعت الحلوى لمناسبتها مساء الخميس الأخير، هي انتهاؤه سياسيا، ولا أشعر بأي حرج من الفرح التلقائي الذي اعتراني لهذه المناسبة. الأسف الوحيد الذي أشعر به يعود إلى تفضيلي أن يُصرع شارون سياسياً، ومحطُّ شماتتي الوحيد هو الحلبة السياسية الإسرائيلية التي فيها صار موت سياسي من نوعية شارون يبعث "قلقا على مستقبل القضية السياسية"!.
وهلتان، وخلاصة
عامل الصيانة في البناية التي أسكن فيها قال لي إنه يفضل أن يبقى شارون على قيد الحياة ليتعذَّب "ويجرِّب الحياة التي نعيشها نحن القادمون [المهاجرون، ر.ز.] الجدد"؛ لم أشعر، للوهلة الأولى، بحرج أخلاقي حين وردتني فكرة أن ينتظر الموتَ شخصٌ لم يمهل ضحايا إرهابه في قبية وصبرا وشاتيلا وجنين وغزة وقتا لانتظار موتهم البشع. لكن ضميري أنّبني، للوهلة الثانية، حين تذكرت أنَّ ما من قاهرٍ للموت إلا الحياة والنضال من أجل الحياة الحرَّة العادلة، وأنَّ موت شارون أوضع من أن يشكَّل مقابلاً لائقاً؛ فخلصت إلى أن موته كشخص قد يعني لي شيئا فقط في ارتباطه (أو فك ارتباطه) بالانتخابات القريبة.
السؤال الأخلاقي
ألسؤال الأكثر أخلاقيةً، إنسانياً وسياسياً، الذي أراه (مُعتذرا عن الجريمة ما بعد المستحدثة المتجسدة في ربط السياسة بالأخلاق) بين موت شارون جسدياً وموته سياسياً، وبعدهما، هو كيف يمكن درء الموت والمآسي عن أبناء وبنات شعبي، والشعب الآخر؛ كيف يمكن إصابة الشارونيّة في مقتل؟ الشارونيّة التي أقصدها هي، باقتضاب شديد: تصفية أية إمكانية سياسية وجغرافية لقيام دولة فلسطينيّة قابلة للحياة، من خلال الجدار والاستيطان ومشروع الكنتونات؛ خنق الجماهير العربية قومياّ ومدنياً، بالأساس من خلال تهويد النقب والجليل؛ إجتثاث القليل المتبقي من مقوِّمات دوله الرفاه والخدمات وتقديم الغنيمة لآلتيّ الحرب والاستغلال؛ وإحكام قبضة الأخطبوط الرأسمالي على السلطة السياسية.
خلافات تكتيكية وحسب
إذا كان شارونُ من ورائنا فإن الشارونيّة من أمامنا؛ ليس في "كاديما" فقط، بل في مساحة تترامى أطرافها من بيرس وبراك وحتى لنداو وليبرمان؛ الخلاف بين أقطاب الشارونيّة ليس على المنطق بل على المساحة الجيو-سياسية التي يمكن فرض هذا المنطق فيها: فمنطق براك في الضفة وبيرس في النقب والجليل لا يختلف جوهرياً عن منطق لنداو في غزة وليبرمان في وادي عارة؛ الخلاف تكتيكي فقط: كيفية إدارة الصراع ووتيرته، وقابلية دفع الثمن الأمني والدولي. السؤال الذي أجاب عليه شارون وستجيب عليه الشارونية هو مساحة "الدولة اليهودية" من جهة، و"يهوديتها" (بالمفهوم العرقي العنصري) من جهة ثانية؛ وفي سؤال كهذا، لا مكان لدمقراطية هذه الدولة سوى الهامش، أما عن أخلاقيتها وعدالتها فحدِّث ولا حرج.
شعار
"يا فلان ويا شارون – هذا وطننا وإحنا هون" سيظل شعاراً ذا صلة، خاصةً في الذكرى الثلاثين ليوم الأرض الخالد التي تتزامن مع الانتخابات؛ لأن الميراث السياسي لشارون (أعتقد، بالمناسبة، أن وجود ميراث كهذا ملموس أكثر منه في حالة رابين) ينطلق من المعادلة الصهيونية القديمة-الجديدة: أكثر ما يمكن من الأرض مع أقل ما يمكن من العرب. لا تخرجوا هذا الشعار إلى التقاعد، لأن رحى معركة البقاء والتطور والازدهار في الوطن ما زالت دائرة.
رؤيا
لا أعرف متى سيعلنون رسمياً عن موت شارون جسدياً، ولكني رأيت في أحلام يقظتي (في إحدى المطبوعات العربية التي تسمِّي نفسها صحفاً) عنواناً يقول: "ولادة شارون جديد في القرية الفلانية"، تلاصقه صورةٌ لوليد حكم عليه جهل والديه (صاحبيّ الابتسامة البلهاء في الصورة) بأن ينادى باسم أحد أعتى وأخطر حكّام إسرائيل وأكثرهم إجراماً في حق شعبنا.
تحضير للطباعة أرسل لصديق - |
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر
|