إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



النظام الإقليمي العربي إلى أين؟

الأحد 8/1/2006
محمد ابو رمان- "الغد" الاردنية

يشهد النظام العربي بشقيه الإقليمي والداخلي حراكا كبيرا وملفتا، استجابة لضغوط خارجية وداخلية وللعديد من التحديات والمتغيرات العاصفة، في هذه اللحظة التاريخية الانتقالية، بدءا مما يحدث في العراق، مرورا بالوضع الخطير المتأزم في سورية وفي لبنان، وصولا إلى نهاية شارون والفلتان الأمني الفلسطيني. كما تطرح قضية الإصلاح السياسي الداخلي، وانكشاف مؤشرات فشل النظم العربية الذريع في إدارة أزماتها السياسية وفي تحقيق نمو اقتصادي مقنع. على صعيد آخر يبدو التساؤل مبررا عن مصير جامعة الدول العربية ومشاريع التعاون العربي في ضوء حالة العجز المزمن في قدرة الجامعة على مواجهة الأزمات الإقليمية أو التحديات الخارجية. فهذا وذاك من مفردات المشهد العربي يطرح سؤالا كبيرا عن مستقبل النظام العربي ومصائره؟

في هذا السياق يحاول الباحث والمتخصص الإسرائيلي "إلي بوديه" Elie Podeh، في دراسته حول تداعيات حرب العراق إقليميا (في مجلة ميريا الإسرائيلية) أن يقدم السيناريوهات الرئيسية لتطور النظام الإقليمي العربي. ووفقا لبوديه فإن هناك ثلاثة سيناريوهات رئيسة: الأول أنّ النظام العربي على الرغم من كل العوامل المؤثرة والمتغيرات المحيطة سيحافظ على خصائصة الحالية. والثاني أنه يمر بمرحلة انتقالية وتغيرات بنيوية وسيطة قد تؤدي إلى مرحلة أخرى على المدى البعيد. والثالث أنه يشهد خطابا إصلاحيا ومقدمة لمعايير ليبرالية ربما تؤشر على أن بعض رياح التغيير تهب عليه.
يقترب الباحث جيدا من القراءة الموضوعية لأزمة النظام الأقليمي وطبيعة الصراعات التي تتخلله وتسيطر على دينامياته في التعامل مع الأحداث، وكذلك من القضايا الجوهرية في فعالية النظام
وقدرته على البقاء والاستمرار.
كانت حرب العراق اختبارا حقيقيا لمدى قدرة النظام العربي، بل إثباتا على حالة الترهل التي وصل إليها. إذ على الرغم من تحرك العالم لمحاولة منع الحرب والوقوف ضدها، فإن الدول العربية عجزت عن اتخاذ موقف حاسم موحد، وانقسمت، في المقابل، إلى ثلاثة اتجاهات؛ الأول قادته سورية ويرفض الحرب ويدعو إلى موقف عربي واضح لا غبار عليه، والثاني تبنته بعض دول الخليج العربي ودعت إلى جُملٍ حاسمة وواضحة ضد العراق وتحميل نظام صدام حسين المسؤولية كاملة عن تفاقم الأمور وتدهورها، بينما حاولت كل من مصر والسعودية والأردن الإمساك بالعصا من المنتصف من خلال رفض الحرب، وفي الوقت نفسه مطالبة العراق الالتزام الكامل بقرارات الأمم المتحدة. وخلف المشهد كانت هناك أفكار تتردد وتتبناها الإمارات تطالب بحل الأزمة من خلال تخلي صدام عن الحكم طواعية، وضمان حق اللجوء السياسي له. فحدثت الحرب ووجد النظام العربي نفسه أمام حكومة عراقية جديدة وواقع مختلف تماما.
أمّا السؤال الثاني الذي كان يواجه النظام العربي فهو القضية الفلسطينية ومسار التسوية، إذ تفاقمت الأمور بعد انتكاس محادثات السلام بعد كامب ديفيد 2 عام 2000، فعقدت قمة عربية لمناقشة الوضع الفلسطيني. ويرى بوديه أن هاجس الحكومات العربية الحقيقي كان الخوف من انتقال عدوى "التمرد الفلسطيني" إلى دول عربية أخرى. أبرز التطورات على هذا الصعيد تمثلت في تقدم ولي العهد السعودي آنذاك (الملك حاليا) بمبادرة عربية عام 2002 تدعو إسرائيل للانسحاب من الأراضي المحتلة عام 67 مقابل علاقات طبيعية مع الدول العربية. وقد ساهم في إعطاء دفعة لمسار التسوية وفاة الرئيس السابق عرفات وتولي محمود عباس الحكم. وأحد التطورات الرئيسية تمثل بانسحاب إسرائيل من قطاع غزة. في هذا المجال تزايد الدور الذي تلعبه مصر على صعيد إدارة المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين وبين الفلسطينيين أنفسهم.
أما على صعيد الديناميات الداخلية، فقد تقاسمت كل من السعودية ومصر قيادة النظام العربي، بعد ضعف العراق وحالة العزلة التي وضعت فيها سورية في السنوات الأخيرة على أثر وفاة الرئيس السوري السابق حافظ الأسد 2000 وتولي ابنه بشار الحكم، والذي ورث تركة ثقيلة عن أبيه محاولا اثبات شرعيته وترتيب الملف الداخلي أولا، بخاصة بعد اغتيال الحريري والانسحاب من لبنان.
في المقابل تزايدت الدعوات إلى إصلاح الجامعة العربية، وتقدمت السعودية 2003 بمبادرة بهذا الخصوص. إلا أن المواقف العربية انقسمت تجاه إصلاح الجامعة إلى ثلاثة اتجاهات؛ فهناك من رأى ضرورة إصلاح الهياكل القائمة وإحداث تعديلات عليها وإعادة النظر في كثير من البنود في النظام الأساسي، وهناك من رأى إعادة النظر في مفهوم الجامعة ذاته وتوسعة النطاق للحديث عن منظمات إقليمية شرق أوسطية، في حين رأى آخرون أن المشكلة هي فقط في أمين عام الجامعة العربية الحالي والحل يكمن في إقالته واختيار شخص آخر.
وعلى طاولة البحث في إصلاح جامعة الدول العربية كان هناك العديد من المقترحات والأفكار أبرزها إعادة النظر في مبدأ الإجماع المطلوب على القرارات بحيث يستبدل بمبدأ الأكثرية النسبية أو المطلقة، وفي العمل على إنشاء سوق عربية مشتركة، وفي إنشاء برلمان عربي (وهي الفكرة التي ولدت بالفعل مؤخرا).
في موازاة الأسئلة السابقة والتحديات الملحة، كان هناك سؤال الإصلاح السياسي الداخلي على النظام العربي، في ظل الضغوط أو الرغبة الأميركية والغربية في هذا الإصلاح، وعزز ذلك الانتخابات التي جرت في الدول العربية تحت الاحتلال سواء في فلسطين أو العراق، ما وضع النظم العربية أمام الإجابة عن مطالب الإصلاح. ويرى بوديه إن الانظمة العربية حاولت التحايل على ذلك من خلال مقولة "رفض الإصلاح من الخارج". إلا أن الفترة السابقة شهدت طفرة في المؤتمرات والمبادرات والنشاطات الداخلية والشعبية العربية التي تدفع بقوة نحو إصلاحات حقيقية في العديد من الدول العربية، وما زال الباب مفتوحا أمام هذه الحركات واحتمالات الإصلاح.
على هامش دراسة بوديه فمما لا شك فيه أن النظام العربي يتعرض لأسئلة بنيوية على صعيد الأمن القومي العربي، والتحالفات الإقليمية والأوضاع الداخلية. ومهما اختلفت القراءات والاتجاهات؛ فيمن يرى أن احتلال بغداد سيعيق الإصلاح العربي (شبلي تلحمي) أو أن المبادرات الأميركية هاملة (كما يرى الراحل إدوارد سعيد)، فمن الواضح أن احتلال العراق والمتغيرات المتسارعة في الفترة الأخيرة تفتح الباب على مصراعيه لاحتمالات كبيرة ومتعددة، جدير بنا الوقوف أمامها ومحاولة دراستها والتنبؤ بمآلاتها.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر