قبل عبدالحليم خدام بسنوات، وتحديدا في المرحلة الانتقالية التي أعقبت وفاة الرئيس حافظ الاسد، كان رفعت الاسد، قائد سرايا الدفاع الذائعة الصيت في أوائل الثمانينات من القرن الماضي، يعلن نفسه منقذا لسورية، ومطالبا بحق الشعب السوري في الديمقراطية التي حرم منها لعقود في عهد شقيقه الراحل!
القواسم المشتركة التي تجمع بين عبدالحليم خدام ورفعت الأسد كثيرة، تبدأ من دور كل منهما في توطيد أركان نظام الرئيس حافظ الاسد من جانبين متكاملين: سياسي لعبدالحليم خدام، وأمني لرفعت الاسد، ما أهلهما لشغل منصب نائب رئيس الجمهورية السورية. كذلك، فإن كلا الرجلين استطاع أن يبني ثروة من مستوى إمبراطوري نتيجة لعملهما الجاد والمخلص أثناء وجودهما في السلطة. بيد أن القاسم المشترك الأكبر والأبرز والأحدث بين نائبي الرئيس السابقين، والذي يستحق التوقف اليوم، هو رفعهما الديمقراطية "قميص عثمان"، والتباكي على دمها المسفوح طوال عقود حزب البعث الذي وطدا أركانه!
إلى الآن على الاقل، فإن إرث رفعت الأسد كقائد لسرايا الدفاع منع أي حوار أو تلاق بينه وبين قوى المعارضة التي تبدو الأبرز والأقوى ضمنها، نظريا على الاقل، جماعة الإخوان المسلمين في سورية؛ لكن هل يبدو الركن الآخر (السياسي)، أي عبدالحليم خدام، مقبولا كمعارض يسعى إلى الديمقراطية في سورية، بحيث يعلن المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين السوريين، علي صدرالدين البيانوني، استعداده للعمل معه لتغيير النظام في حال اعتذاره عن اشتراكه مع النظام السوري في ما ارتكبه هذا الأخير بحق الشعب السوري، كما ورد على لسان البيانوني؟
تحالف الإخوان -خدام في حال تحققه -ولغة الخطاب غير المباشر بين الطرفين تظهر أنه مقبول من حيث المبدأ- يكاد يكون تحالفا منطقيا تماما. ففيما يحتاج الإخوان المسلمون إلى شخص كعبدالحليم خدام كان متنفذا حتى أيام قليلة داخل الدائرة الضيقة على رأس هرم السلطة في سورية، وامتلاكه بالتالي مفاتيح مهمة جدا تسمح بهز النظام وتفكيكه من أعلى، لاسيما وأن كل المؤشرات تظهر أن ليس هناك بوادر لتحرك شعبي يسمح بالتغيير في سورية، فإن عبدالحليم خدام، في المقابل، يحتاج في طموحه إلى العودة إلى قمة السلطة في سورية إلى التحالف مع من يمنحه الشرعية الشعبية التي يفتقدها تماما، وبالتأكيد ليس هناك من هو أنسب من جماعة الإخوان المسلمين لأداء هذه المهمة ومنحه صكوك الغفران والطهارة!
عند هذا الحد، مع خطأ بسيط، لكن ليس ضروريا ربما، من النظام السوري فيما يتعلق بقراءة البيئة الدولية وضغوطاتها، يبدو أن الدائرة قد اكتملت حول هذا النظام، وأن مسألة التغيير غدت مسألة وقت ليس إلا، وليس على الإخوان المسلمين وعبدالحليم خدام ومن معهم سوى الاستعداد لقطف ثمارها.
لكن بالنسبة للشعب السوري تبقى القضية الغائبة الحاضرة هي الأهم، أي في اي اتجاه سيكون مثل هذا التغيير، وأين هي الديمقراطية منه؟
صحيح القول تماما أن كل معارضي النظام السوري والمنشقين عليه، أي أركانه السابقون، قد اتفقوا على التغيير، لكن تحالف هؤلاء جميعا، بغض النظر عن ماضي بعضهم المديد المليء بالفساد والقمع وافتقاد أي ثقافة ديمقراطية، هذا التحالف يجعل من الصحيح أيضا وبنفس الدرجة أن الديمقراطية تبدو هي الثمن المدفوع، أو هي في أحسن الظروف القضية المؤجلة –كما كانت دوما- إلى حين انجلاء غبار المعركة القادمة حتما بين حلفاء اليوم وأعداء الغد، كما كانوا أعداء الامس القريب جدا!
باستثناء أدبيات نظرية حديثة جدا لم تختبر بعد، يشهد تاريخ الإخوان المسلمين في سورية بغياب الديمقراطية كممارسة حقيقية داخل الجماعة، واي قفزة إلى الأمام المجهول من قبل هذه الجماعة، بالتحالف مع أعداء الديمقراطية وجزاريها خشية "الجزأرة"، كما كان يقول خدام، كفيل بفض أي التفاف شعبي حقيقي حولها، بل وكفيل –كون الجماعة هي القوة السياسية الأهم ضمن التيار الإسلامي السوري، وبالتالي الأهم ضمن القوى المطالبة بالتغيير- بنزع الشرعية عن كل مطالب الإصلاح والديمقراطية في سورية رغم عقود من الحكم الشمولي.
manar.rashwani@alghad.jo