الانتخابات الاسرائيلية: مال واعلام وعائلات
السبت 14/1/2006 برهوم جرايسي- "الغد" الاردنية
بدأت مختلف الاحزاب البارزة على الساحة الحزبية في اسرائيل انتخاباتها الداخلية لتشكيل قوائمها القطرية للانتخابات البرلمانية التي ستجري في 28 من شهر آذار (مارس) القادم، وهذه الانتخابات تتفاوت في شكلها بين حزب وآخر، فباستثناء حزب "العمل" الذي يجري انتخابات عامة يشارك فيها نحو 80 ألف عضو في الحزب، فإنه في باقي الاحزاب الاساسية تجري الانتخابات في المجالس القطرية للاحزاب، وايضا نستثني من هذا حزب "كديما"، الذي لم يشكل بعد هيئاته القطرية، وستشكل قائمتها في اطار المفاوضات بين قادة الحزب، الذي اسسه شارون في آخر ايامه السياسية. وهناك ميزة واحدة تجمع بين جميع الاحزاب الكبرى ليكون بامكان أي شخص ترشيح نفسه، فهو يحتاج الى أموال كثيرة ليكون بامكانه المنافسة بقوة في حزبه، وان يستطيع الفوز بموقع متقدم، ولكن عاما بعد عام تستفحل ظاهرة صرف الأموال على الحملات الانتخابية، ويسمح القانون بتجنيد حوالي 200 الف دولار لكل عضو في منافسته الداخلية في حزبه، ولكن هذه المبالغ تتضاعف جدا لدى الكثير من المرشحين، وتصرف ميزانيات خيالية لا يمكن حصرها، ولهذا فإننا شهدنا في الجولات الانتخابية البرلمانية والبلدية، التي جرت خاصة في السنوات الخمسة عشر الماضية، الكثير من ملفات التحقيق ضد اعضاء برلمان او رؤساء مجالس بلدية، تبين انهم حصلوا على اموال غير مشروعة، وإذا اليوم اكبر هذه الملفات يواجهها رئيس الحكومة اريئيل شارون ونجلاه، فإنهم ليسوا الأوائل، بل سبقهم الكثير، ومن بينهم رؤساء الأخيرة. وقد فتحت هذه الظاهرة الكثير من الابواب امام تسلل العالم السفلي والاجرام الى السياسة الاسرائيلية، وفق تقارير بوليسية تصدر في اسرائيل تباعا منذ حوالي ثماني سنوات، كذلك فإن هناك جهات واطراف سياسية يمينية متطرفة في اسرائيل وخارجها، من جهة، وكبار اصحاب رؤوس الأموال من جهة أخرى، يدفقون اموال كثيرة في اطار "تبرعات" علنية وغير علنية، ليعمل المنتخب مستقبلا على خدمة اهدافهم. أما بخصوص ميزانيات الاحزاب، فإن الدولة تمول كل حزب فائز حسب عدد المقاعد التي فاز بها، وهذه السنة سيكون تمويل كل عضو منتخب بحوالي 254 الف دولار، ويسمح القانون بصرف ذاتي اكثر بنسبة محدودة من هذه الميزانية. والأمر الآخر الذي يميز الحملات الانتخابية في اسرائيل هو وسائل الاعلام، التي تتحرك في اسرائيل على مدار الساعة، ولها تأثيرها القوي على الرأي العام في اسرائيل، وهذا ما يتضح من استطلاعات الرأي الصادرة تباعا في اسرائيل، وتعكس عمليا التوجهات التي شهدناها في الايام الأخيرة، قبل أي استطلاع، إن كان على صعيد توزيع المقاعد البرلمانية المتوقعة، أو على صعيد الموقف من ذاك الزعيم السياسي او غيره. وتدعي وسائل الاعلام انها حيادية في الصراع السياسي الحزبي، ولكن ليس هذا واقع الحال، فلكل وسيلة اعلام توجهات سياسية مختلفة عن الأخرى، وإن اتحدت في مرحلة ما على نقطة ما، مثل مرض شارون، فإن هذا التشابه لا يمكنه ان يستمر لفترة طويلة، ففي النهاية كل وسيلة اعلام، وخاصة الصحف الكبرى الثلاث، ستختلف في دعمها المبطن لأي من الأحزاب، وليس هذا فحسب بل حتى ان استطلاعات الرأي التي سنشهدها لاحقا ستكون نتائجها قريبة من توجهات وسيلة الاعلام التي تنشرها. والميزة الثالثة، غير المعلنة في اسرائيل، هي العائلات السياسية، فالكثير من اعضاء الكنيست تربطهم صلة قرابة وثيقة جدا، من الدرجة الأولى او ابعد بقليل، بأعضاء كنيست حاليين او سابقين، ومن يدخل الى موقع الانترنت التابع للكنيست الاسرائيلي، ايضا باللغة العربية، يرى قائمة باعضاء الكنيست في السنوات الثماني والخمسين الماضية، الذين تربطهم علاقات عائلية، وهذه الظاهرة تشتد أكثر في السنوات الأخيرة، ونرى الكثير من الأخوة، او الوالد وابنه، والوالدة وابنها، وسابقا الزوج وزوجته، وابناء العم. وأصبح في الحلبة السياسية هناك مصطلح "الأمراء"، وهم ابناء أعضاء كنيست أو وزراء سابقين، دخلوا الى الحلبة السياسية، ومن ثم البرلمانية استنادا لرصيد قريب عائلاتهم، وليس رصيدهم الشخصي، ومن بينهم على سبيل المثال لا حصر، المرشح الاقوى لتولي رئاسة الحكومة بعد الانتخابات القادمة، رئيس الحكومة بالوكالة أيهود اولمرت. ولهذه القاعدة هناك بعض الشواذ في الاحزاب الصغيرة، خاصة في الاحزاب الفاعلة بين فلسطينيي 48. لقد دلت التجربة في السنوات الأخيرة على ان الانتخابات في اسرائيل، أيا كانت، هي "موسم" تفشي مظاهر الفساد.. ديمقراطية الفساد، ويصدر مراقب الدولة عادة بعد كل انتخابات تقريرا بحجم كتاب يوثق "ما تيّسر" ضبطه من فساد.
تحضير للطباعة أرسل لصديق - |
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر
|