جاك سترو وأمن إسرائيلالاحد 15/1/2006 لميس اندوني- "الغد" الاردنية
وأخيراً سمعنا شرحاً رسمياً أوروبياً للفرق الصارخ في التعامل الدولي مع المقدرات النووية الايرانية والترسانة النووية الاسرائيلية، ولكن ما سمعناه كان عذراً أقبح من ذنب. نتوقف هنا لنعرض أهم النقاط التي قدمها وزير الخارجية البريطاني جاك سترو في لقاء مع قناة "الجزيرة". إذ لخص السيد سترو تباين موقف المجتمع الدولي تجاه ايران واسرائيل بأن الوضع في كلا الحالتين يختلف لاسباب قانونية وسياسية، اما الفرق القانوني فيتمثل بأن ايران قد التزمت بالمواثيق الدولية، بينما رفضت كل من اسرائيل، والهند، وباكستان التوقيع على المعاهدات الدولية، وتبعاً لذلك فان ايران مطالبة بالالتزام بالمواثيق الدولية التي وقعتها. أما الأسباب السياسية، وفقاً للوزير البريطاني، فهي ان منع ايران من استعمال اسلحة نووية سيشعر اسرائيل "بالأمن" والطمأنينة، وعندئذ يستطيع المجتمع الدولي الطلب من اسرائيل التخلي عن ترسانتها النووية. أي ان الدول التي تضرب بعرض الحائط المواثيق الدولية، تملك حرية غير مقيدة بتطوير الاسلحة النووية، اما الدول الموقعة مثل ايران فعليها التخلي عن معظم ابحاثها حتى لا تتمكن من تطوير اسلحة نووية! هذا المنطق الغريب الذي أورده الوزير البريطاني بجدية صارمة. لا يمكن الا ان يكون استهانة بالعقول. او حتى تشجيعاً غير مقصود للدول بعدم توقيع المواثيق الدولية، وعليه فإنّ عدم التوقيع (فهلوة) و(شطارة)، فيما يصبح التوقيع على معاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية قيداً يكبل مقدرة الدول على تطوير ابحاثها العلمية واستعمال الطاقة النووية في أغراض سلمية. لا أريد ان أبرر امتلاك الطاقة النووية. فهذا موقف معقد يترتب عليه الالمام اكثر بمدى سلامة استعمال الطاقة النووية لاهداف سلمية، وهذه الملاحظة معرض سجال دولي، سياسي وعلمي، لا اريد الخوض فيه الآن. في نفس الوقت لا استطيع الادعاء بأن ايران لا تملك خططاً لبناء أسلحة نووية، لكن كلام السيد سترو يفضح هشاشة الموقف السياسي المبني على ازدواجية المعايير وتجاهل المعاهدات الدولية. فإن كان هناك موقف دولي ينبع من الحرص على منع انتشار الاسلحة النووية، فستكون هناك معايير ثابتة ومتساوية لحظر هذه الاسلحة في جميع الدول، عدا عن صلاحيات عالية للوكالة الدولية للطاقة، بعيدا من الضغوط الاميركية لفرض الرقابة على جميع الدول التي تملك الطاقة النووية والاشراف على تصفية الاسلحة النووية. اما فيما يتعلق بالاسباب السياسية، فإنّ شر البلية ما يضحك. فهل يريد وزير الخارجية البريطاني ان يقنعنا بأن اسرائيل الدولة المحتلة، التي تمارس الاقتلاع والتدمير، لن تستطيع الشعور بأمان الا بعد تجريد ايران من مقدراتها النووية؟! الموقف الاسرائيلي من ايران، لم يبدأ مع تصريحات الرئيس الايراني وتهديداته، بل ان لاسرائيل موقفاً دائما ضد أي دولة عربية أو مسلمة تستطيع ان تشكل قوة رادعة، أو أن تحقق شيئا من التوازن العسكري المفقود. واذا تحددت السياسة البريطانية وفقاً للمنطق الذي اورده سترو، فإن ذلك يعني تدمير كل الجيوش العربية، بعد ان تم تدمير العراق، كجزء من معادلة الردع، وفرض الاستسلام الكامل على الفلسطينيين، لطمأنة اسرائيل ولمنحها فرصة انهاء مشروعها الاستيطاني والقضاء على "فلسطينية فلسطين" دون ان يزعجها أو يؤرقها احتمال، مجرد احتمال، ان تطور دول عربية أو مسلمة قدراتها العلمية أو الاسلحة النووية. بالطبع هناك استثناء اميركي لباكستان لأسباب سياسية تتعلق بالحرب على الارهاب. لكنها اسباب بدأت خلال الحرب الباردة اذ أيدت واشنطن تسليح باكستان وتقويتها من أجل غايات حصار "الخطر الشيوعي" والاتحاد السوفياتي. استثناء باكستان سيستمر وفقاً للظروف السياسية والاهداف الاستراتيجية الاميركية، وسينتهي يوماً وفقاً لنفس المعادلة، لكن ما يهمنا هنا؛ ان المجتمع الدولي قد يفرض عقوبات اقتصادية قاسية، أو حصارا شبيها بحصار العراق، أو حتى ضرب ايران عسكرياً، مباشرة، من خلال اسرائيل باسم حماية العالم من الخطر النووي. اريد ان أشير الى مقال كتبه كريس ديكي في News week وعارض بشدة فكرة فرض عقوبات على ايران أو اعلان الحرب عليها بناءً على "دلائل مجهولة" كما حدث في الحرب على العراق. ومما قاله ديكي أن فقراء ايران, الذين يشكلون القاعدة الرئيسية للرئيس الايراني، سيكونون الضحايا لمثل هذه المقاطعة الاقتصادية محذراً من كارثة اخرى تشبه الحرب على العراق. ليسمح لي السيد سترو، ان اذكره بأن اسرائيل هي ليست الطرف الوحيد أو الرئيسي في المنطقة، وأن المنطق الذي قدمه لنا يمثل تهديداً لمستقبل المنطقة، بخاصة اذا استمر في تسويق أمن اسرائيل، كما تحدده اسرائيل، لحروب تضرب أمن شعوب بأكملها.
تحضير للطباعة أرسل لصديق - |
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر
|