مصاري قوم عند بنك فوائدالاربعاء 18/1/2006 فؤاد ابو حجلة- الحياة الجديدة
ينبغي الا أتذمر، فقد نشأت في قرية لم تعرف الكهرباء الا في السبعينيات، ولم يكن بمقدوري أن أتخيل يوما ما تخبئه الأيام التي نقلتني بين المدن الكبيرة في البلاد القريبة والبعيدة، كما تتنقل أحجار الشطرنج قبل أن تسقط وتغادر مربعاتها الملونة كما حياتي.. أبيض وأسود فقط. في طفولتي التي كانت، بكل المقاييس، بائسة، كانت عيديتي تبلغ قرشا كاملا. في الواقع كانت العيدية عبارة عن تعريفتين واحدة منهما من خالي محمد سعيد يرحمه الله، والثانية من مصدر قريب أيضا لكنني نسيته بالتقادم. في ذلك الزمن الذي يختار الرومانسيون أن يسموه جميلا، لم أكن لأصدق أنني سأتزود، بعد حين، ببطاقة بلاستيكية تمنحني القدرة على سحب ما أشاء من النقود من ماكنة تنتصب على طرف الشارع بلا حراسة. لكن هذا ما حدث. وهنا تحققت الصدمة الحضارية المصرفية، فقد استهوتني فكرة الحصول على الكاش في أي وقت، ولم أتوقف كثيرا عند حقيقة صعوبة سداد الديون، رغم أنني صاحب تجربة عريقة في هذا المضمار. سحبت أكثر مما يمكن أن أسدد، وصرت مضطرا لدفع الفوائد الشهرية المكلفة على بطاقات الفيزا والماستر كارد، وما زلت مصرا على الاحتفاظ بالبطاقات التي تمنحني هيبة ضرورية في الفنادق والمطاعم رغم أنها لا تساوي عمليا ثمن البلاستيك الذي صنعت منه. في واقع الأمر انا لست منزعجا من الموضوع، فكلما انتهى عرض مصرفي ظهر ما هو أهم منه وأكثر إغراء للصرف.. والتسهيلات في كل مكان، وما عليك سوى الاختيار لتنتقي ما يناسبك من وسائل التطفير المبرمج. وإذا كنت أشكو الطفر أحيانا، فإن هذه الشكوى قديمة، وهي جزء من حالتي المزرية قبل ظهور البطاقات الائتمانية. لذا لا ألوم أحدا، وخصوصا مدير البنك المهذب الذي نبهني إلى ضرورة البريستيج المصرفي في حياة الانسان، والصبية الحلوة التي ورطتني في الحصول على البطاقات "لأنها تزيل الفروق بين الكاتب والمضارب في البورصة". ومهما كانت النهايات صعبة تظل "مصاري قوم عند بنك فوائد".
تحضير للطباعة أرسل لصديق - |
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر
|