اسرائيل تتأقلم لمرحلة ما بعد شارونالجمعة 20/1/2006 برهوم جرايسي- مجلة الوطن العربي
*أجندة أيهود اولمرت السياسية ليست بعيدة كثيرا عن شارون، ولكن على مستواه الشخصي، حسب محللين، فإنه مستعد الى أبعد بقليل مما خطط له شارون *اولمرت تقريبا اليميني الوحيد في بيته، زوجته يسارية وأحد نجليه رافض للخدمة العسكرية* استطلاعات الرأي الحالية لا تعكس النتيجة النهائية للانتخابات، ولكن فرص عودة الليكود للحكم شبه معدومة*
باتت اسرائيل تتعامل مع رحيل رئيس حكومتها اريئيل شارون عن الحلبة السياسية حقيقة واقعة، وبدل انتظار موعد رحيله كليا، حسب ما كان متوقعا في الايام الاولى لاصابته بالجلطة الدماغية، فإن عدسات الكاميرا تنتظر خروج شارون من المستشفى معاقا، من ناحية، ومن ناحية أخرى فهناك حالة ترقب شديدة لمصير تركة شارون السياسية، وهو الحزب الجديد الذي اقامه، "كديما"، وقلب الكثير من الموازين في الحلبة السياسية، وربط كل الحلبة بمصيره الشخصي، وهو أمر يحدث لأول مرّة في تاريخ السياسة الاسرائيلية، فلم تمر على اسرائيل أي فترة من الفترات كانت فيها الحلبة السياسية مرتبطة بمصير شخص واحد، كما هو الحال عليه في حالة شارون. وإن دلّ على شيء فإنه يعكس الأزمة السياسية التي تعصف باسرائيل منذ سنوات، باقترابها الى مفترق الطرق المصيري، في كل ما يتعلق بمستقبل الصراع الاسرائيلي الفلسطيني، فقد ظهر شارون في الساحة الاسرائيلية، وعلى أنه الوحيد القادر على تنفيذ خطوات مصيرية، مثل اخلاء مستوطنات قطاع غزة، رغم النوايا الخطيرة لهذا الاخلاء، وعلى رأسها تشديد السيطرة على الضفة الغربية المحتلة. من الصعب ان تتضح الصورة الحزبية على حقيقتها التي ستظهر في يوم الانتخابات البرلمانية في الثامن والعشرين من آذار/ مارس، فحتى الآن استطلاعات الرأي متأثرة من وسائل الاعلام الاسرائيلية، وحتى العالمية، المنشغلة بحالة شارون الصحية، وقسط كبير من نتائج هذه الاستطلاعات يعكس حالة "التعاطف" في الشارع الاسرائيلي مع زعيمهم الغائب سياسيا، ولكن لاحقا، حين تبدأ محركات الحملة الانتخابية تتحرك بسرعة اكبر فإن الكثير من المعطيات ستتغير. وقد دلت آخر الاستطلاعات على حصول حزب "كديما" على ما بين 40 الى 44 مقعدا، من أصل 120 مقعدا في الكنيست (البرلمان) بمعنى ان الحزب بدأ يحصل على نتائج لم يحصل عليها حتى حين كان شارون "معافى" وينشط سياسيا، وهذا ما يؤكد حالة اللامعقول في استطلاعات الرأي الواردة، وبات الكثير من المحللين الاسرائيليين يشككون كثيرا في مدى قدرة هذه الاستطلاعات على عرض الصورة الحقيقية ليوم الانتخابات، وذكرت صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية، على لسان من وصفتهم بـ "المقربين من شارون"، ان حزب "كديما" سيحصل في النهاية على 30 مقعدا كأبعد حد، إن لم يكن أقل. وحتى هذه التقديرات فإنها تبقي حزب "كديما" في الصدارة، وهو ما يعطيه فرصة تشكيل الحكومة القادمة، ولكن من الممكن جدا ان تظهر صورة مربكة في نتائج الانتخابات، بمعنى انه ليس بالضرورة ان يحتل حزب "كديما" الصدارة في الانتخابات البرلمانية، وقد يحصل"الليكود"، نظريا، أكثر منه بقليل، ولكن في المقابل فقد ينشأ تكتل جسم مانع ضد عودة الليكود الى الحكم، وتكون لديه أكثر من 60 مقعدا، تجمع احزاب "كديما" و"العمل" وكتلة "ميرتس" اليسارية الصهيونية، وبدعم خارجي، غير معلن، من الكتل البرلمانية التي تمثل فلسطينيي 48، التي بطبيعة الحال ستكون ضد حكم الليكود واليمين. وهذه فرضية على الرغم من انه من السابق لاوانها الحديث عنها، إلا انها اصبحت واردة بغياب اريئيل شارون عن رأس حزب "كديما"، وتولي أيهود اولمرت زعامة الحزب، ومرشحه لرئاسة الحكومة، وهذا يفسح المجال امام شراكة أوسع مع اليسار الصهيوني.
أجندة اولمرت السياسية
لم يكن أولمرت يحلم بتولي المنصب الذي هو فيه الآن، كرئيس الحكومة بالوكالة، وهو أقرب الى تشكيل الحكومة المقبلة من أي مرشح آخر، ولهذا فإن المفاجأة امسكته وهو ليس جاهزا كليا، ويعتمد المحللون على أجندته السياسية الشخصية، التي هي أبعد بقليل مما كان يخطط له اريئيل شارون، على صعيد حل القضية الفلسطينية، ولكن قد يتغير هذا مستقبلا ليعود الى القوالب التي فرضها شارون، وهذا مرتبط بمدى تقبّل المؤسسة العسكرية والأمنية لطروحات اولمرت الحالية. فيقول المحلل السياسي في صحيفة "هآرتس"، ألوف بن، ان اولمرت "تحدث قبل عامين عن انسحاب أحادي الجانب من الضفة الغربية، الى الخط الجغرافي الذي يسمح لاسرائيل باغلبية ديمغرافية بنسبة 80% لليهود مقابل 20% للعرب"، والنسبة التي يتحدث عنها الوف بن بالامكان الاحتفاظ بها ايضا من خلال الابقاء على احتلال القدس الشرقية، كما ان هذا لا يعني انسحاب اسرائيل من الكتل الاستيطانية الكبرى. ويضيف بن في مقالته، "إن اولمرت، يؤيد خروج اسرائيل من الاحياء والضواحي العربية في القدس المحتلة، وإلا فإنها ستتعرض لعزلة دولية، ولأغلبية عربية من البحر المتوسط الى نهر الأردن" (فلسطين التاريخية). ويتابع بن كاتبا، "إذا لم يطرأ أي تحول في مواقفه، فإن اولمرت قد يعمل على تسويق افكاره وبرامجه بين قادة "كديما"، وستحظى بموافقة واسعة في قيادة الحزب، وإذا كان شارون يعارض خطة فك ارتباط ثانية، فإن العقبة امام انسحاب آخر أحادي الجانب قد زالت الآن". وينتبه بن في مقاله، الى ضرورة ان يحصل اولمرت على موافقة المؤسسة العسكرية ويقول، "سيكون على اولمرت ان يجند الى جانبه جهاز الأمن، الذي تصدر عنه في الآونة الأخيرة اصوات الندم على الانسحاب من قطاع غزة، ومن بينهم الرئيس السابق لجهاز المخابرات العامة، "الشاباك"، الذي اصبح احد قادة "كديما"، فاولمرت يفتقر للمؤهلات العسكرية التي كانت لسلفه، وعليه ان يوظف كل مؤهلاته السياسية والحزبية ليقنع قادة المؤسسة العسكرية بآرائه، وموافقتهم ضرورية، لأن في نهاية الأمر فإن من سيخلي المستوطنين من بعض مستوطنات الضفة الغربية سيكون الجنود انفسهم، أما التحدي الآخر لاولمرت فهو اقناع الادارة الامريكية، بأن تقدم لاسرائيل ثمنا ملائما، هذا من جهة، ومن جهة أخرى طلب دعم دولي بأن لا يؤدي الانسحاب الآخر من الضفة الغربية زعزعة الاستقرار في المنطقة". ويرى محلل الشؤون العسكرية في صحيفة "هآرتس"، زئيف شيف، ان على اولمرت ان يغير جدول اعمال رئيس الحكومة الذي وضعه شارون، فعليه مثلا، "ان يقرر في ما إذا سيوقف الحرمان المفروض على الرئيس الفلسطيني محمود عباس (ابو مازن)، وان يلتقي به، في الوقت الذي تتفشى فيه مظاهر الفوضى في الشارع الفلسطيني، واحتمال مشاركة حركة حماس في السلطة الفلسطينية". ويقول شيف، إن العقبة الاساسية التي تقف امام اولمرت هو الفارق الكبير في الخبرة العسكرية بينه وبين سلفه شارون، "فالحكومة بقيت من دون شخص مجرّب وخبير في القضايا الأمنية، فحتى من لا يتفق مع شارون لا يستطيع تجاهل رؤيته الامنية السياسية، وان ينفي انه امام شخص له تجربة ضخمة في العمل الامني السياسي"، وهذا ما يفتقر له اولمرت. ويظهر من سلسلة مقالات اسرائيلية تحدثت عن شخصية اولمرت، انه في سنوات السبعين من القرن الماضي، حين دخل البرلمان (الكنيست) لأول مرّة، من خلال الكتلة اليمينية المتشددة، "حيروت"، (لاحقا الليكود)، كان اولمرت من مؤيدي الانسحاب من اجزاء واسعة من الضفة الغربية المحتلة، ولكن هذا الموقف لم يمنعه من مشاركة مكتب المحاماة الذي كان يملكه في سنوات الثمانين، في صفقات بيع الاراضي الفلسطينية المشبوهة في الضفة الغربية، التي شاركت فيها عدة اطراف اسرائيلية فلسطينية مشبوهة.
يميني وحيد في بيته
مما يلفت النظر في أيهود اولمرت (61 عاما)، انه اولا نشأ في بيت يميني متشدد، ووالده كان من قادة اليمين المتشدد في اسرائيل، في سنوات الخمسين والستين من القرن الماضي، إلا أن عائلته اليوم تختلف، فهو تقريبا اليميني الوحيد في بيته، فزوجته، عليزا، فنانة نحت وكاتبة أدب عبري، معروفة بمواقفها اليسارية، وهي اقرب لحركة "ميرتس"، اليسارية الصهيونية، وقيل انها كانت ولا تزال من مؤيدي حركة "السلام الآن" الاسرائيلية، وتؤيد الانسحاب من الضفة الغربية ومنح الفلسطينيين حقوقهم. ولا يتوقف الأمر عند زوجته، فابنته "دانا" (33 عاما) هي أيضا يسارية، واعلنت جهارة انها "سحاقية" وتعيش في تل ابيب، وهي محاضرة في الجامعة العبرية في القدس بالأدب العبري، أما ابنه اريئيل (24 عاما) فقد رفض الخدمة في جيش الاحتلال، ويدرس حاليا في جامعة السوربون في فرنسا، ونجله الأكبر شاؤول (30 عاما) مقيم في نيويورك، ويقال ان مواقفه السياسية أيضا ليست مطابقة لتلك التي لدى والده، وليس معروفا ما هي الهوية السياسية لابنته الكبرى ميخال (34 عاما) وللابنة الأكبر بالتبني شولا (37 عاما). ويقدر محللون اسرائيليون ان التحولات السياسية لدى اولمرت متأثرة بالاساس من اجواء بيته، الذي طغت عليه افكار الزوجة أكثر من الزوج. ولكن هذا لا يقول كل شيء، فكل رئيس حكومة في اسرائيل، وحين يصطدم بواقع المؤسسة العسكرية، وحتى السياسية، فإنه يبحث عن "الخطوط" المشتركة للاجماع الصهيوني، فمثلا حين انتخب رئيس اتحاد النقابات عمير بيرتس، رئيسا لحزب "العمل" في التاسع من تشرين الثاني/ نوفمبر، نسبت له الكثير من المواقف اليسارية، المؤيدة للانسحاب من غالبية مناطق الضفة الغربية، ولكن بعد عشرة ايام من انتخابه سارع لالقاء خطاب "الولاء الصهيوني"، فاعلن رفضه للانسحاب من القدس المحتلة، ورفضه لحق العودة الفلسطيني، وتأييده للابقاء على الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية، وقد يحذو اولمرت الخطوة ذاتها قريبا. ولا تكتمل الصورة إلا بالجانب الأمريكي، فقد بدأ الحديث في اسرائيل عن أن الادارة الامريكية متحمسة لتولي أيهود اولمرت رئاسة الحكومة، وحتى هناك حديث عن احتمال دعوته الى واشنطن، حتى قبل الانتخابات المقبلة، وهذا ما سيقرر مكانته، ويظهر امام الشارع الاسرائيلي كمن بدأ يحتل مكانته في أهم مركز في شبكة العلاقات الدولية.
تحضير للطباعة أرسل لصديق - |
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر
|