الضحية تقلد جلادها"! وهكذا، وبعد أن أعلن الرئيس الأميركي بوش أن "من ليس معنا فهو ضدنا"، بات مطلوبا منا اليوم بشكل مُلحّ لا مجال للتهاون فيه أن نعلن، نحن العرب، موقفنا في مواجهة بعضنا بعضا بين "مع" و"ضد"!
إذن، لا بد من "الاعتراف!" أنني مازلت، رغم المؤامرة والهجمة الأميركية-الصهونية الحالية على سورية، ما زلت من المطالبين بالديمقراطية في هذا البلد. فوق ذلك، أعترف أنني أقف في صف النائبين السوريين رياض سيف ومأمون الحمصي، اللذين باعا وطنيتهما السورية بكل إرثها القومي بأن ارتضيا، مع ثلاثة آخرين، أن يكونا في صف أعداء سورية، من أميركيين وفرنسيين وبريطانيين وكل الصهاينة، فوافقا على الخروج من السجن برغم الهجمة التي يتعرض لها بلدهما؛ فيما كانت الوطنية والقومية، لو وجدت لديهما، تفرض عليهما البقاء في السجن إلى حين انتهاء مدة محكوميتهما على الأقل، بل وأن لم يطالبنا بتمديد سجنهما، وذلك حرصا على صمود سورية وهيبتها أمام العالم الذي بات يتربص بها!
هي اعترافات بخطايا لأن أصحاب الصوت الأعلى الذين يبدون التيار العربي العام اليوم، قرروا أنه ليس الآن أوان الحرية والديمقراطية في سورية. لن نسأل أين كان هؤلاء ووفودهم التي لا تنتهي لمساندة "ربيع دمشق" الذي أجهض مبكرا، رغم أنه لم تكن هناك "هجمة أميركية-صهيوينة" على سورية! إلا أنه يبقى مع ذلك ثمة سؤال آخر حاسم، ولا مناص من طرحه: ومتى يكون أوان الحرية والديمقراطية في سورية؟
الإجابة باتت طبعا بدهية لا تحتاج إلى تكرار، غير أنه ليس ثمة ضير من التذكير بها: "حين يتم رد العدوان الأميركي-الصهيوني على سورية".
لكن، ألا تفضي بنا هذه الإجابة المعقولة تماما إلى نتيجة منطقية تماما أيضا، مفادها أن مروجي هذه الذريعة هم إما مع غزو سورية أو أنهم ضد الديمقراطية فيها من حيث المبدأ؟! لأنه باستثناء كارثة غزو أميركي فعلي لسورية واحتلالها، ليقوم الشعب السوري بعد ذلك بتحرير أرضه، لن يكون بمقدور أحد القول بشكل قاطع جازم أنه قد تم صد العدوان الأميركي، وأنه قد آن بالتالي أوان الديمقراطية! وضع شبيه تماما بحالنا منذ بدء الصراع العربي-الإسرائيلي، بل هو تجديد لهذا الوضع، وبما يضمن لمروجي "صد العدوان الأميركي-الصهيوني" أن لا تقوم للديمقراطية قائمة في سورية لعقود قادمة أخرى!
دعونا نتوقف عن اجترار سذاجتنا والتضليل الذي حقن في أوردتنا على مدار عقود، وعند ذلك سنكتشف أن الحقيقة هي عكس النظرية الرائجة والمروَّجة؛ وبعبارة واضحة، فإن أنسب وقت للمطالبة بالإصلاح والحرية والديمقراطية إنما هو وقت الأزمة وليس سواه؟! ففي هذا الوقت خصوصا يفترض أن تستشعر القيادة، وهي تسعى إلى حماية الوطن، بأهمية الشعب أكثر من اي وقت مضى فتستعيده؛ أي أن ترجع إليه ويرجع إليها ويصبح شريكا لها في المسؤولية، فهو اهم حصون الوطن. أوليست هذه هي النتيجة التي يرنو إليها النظام السوري بطريقة تقفز على الداخل ومطالباته المحقة عندما ينفتح على إيران مثلا، ويعقد المؤتمرات القومية العربية الشعبية الطنانة والرنانة؟!
قضية أخيرة برسم التوضيح من قبل أصحاب نظرية "لا صوت يعلو على صوت المعركة"؛ إذ إن مسحا سريعا لما يكتبه المثقفون والكتاب السوريون (خارج بلدهم بالتأكيد وفي غير وسائل إعلامه المؤممة والمكممة) يظهر أن هؤلاء مازالوا مصرين على الديمقراطية والإصلاح، بل وحتى التغيير "إذ لم يعد ينفع الإصلاح" بحسب أول عبارات النائب رياض سيف عقب خروجه من السجن، فهل يعني هذا الإصرار أن السوريين، معبرا عنهم بأكثرية كتابهم ومثقفيهم، باتوا اليوم، بحسب معيار أنصار "صد العدوان أولا"، عملاء أميركا وفرنسا وبريطانيا والصهيونية؟!
لسنا أمام خياري "إما الديكتاتورية وإما الغزو والاحتلال الأميركي"، فبالنظر إلى العلاقة التبادلية بين هذين الوضعين، وحقيقة أن كلا منهما يفضي حتما إلى الآخر لا محالة، يبدو هذان الخياران المزعومان في الحقيقة -والشواهد أكثر من أن تعدد- خيارا واحدا بوجهيه السابقين، إنه خيار "تدمير" الوطن.
ومن ثم، فإن السوريين، كما العرب جميعا، هم فعلا أمام خيارين: إما التدمير ديكتاتورية واحتلالا وإما الديمقراطية؛ وعند هذه النقطة أعود أنا الآن لأتساءل: من معنا ومن ضدنا؟
manar.rashwani@alghad.jo