مع بدء اكتمال القوائم الانتخابيةخطاب الأحزاب الاسرائيلية السياسي ينتقل للوسط لمنافسة كديما الاحد- 22/1/2006 برهوم جرايسي- العربي
*الليكود استبعد النواب الذين تمردوا على شارون بعنف *"العمل" استبعد الجنرالات وما تبقى من الرعيل الاول من الراتب الأولى *اسدال الستار على حزب الوسط "شينوي" *المنافسة الحقيقية على الابواب والبرامج السياسية بدأت تتشابه*
مع اقتراب الثامن من شباط/ فبراير القادم، موعد تقديم القوائم الانتخابية للجنة المركزية للانتخابات البرلمانية الاسرائيلية، بدا وكأن الأحزاب الكبرى، خاصة "الليكود" و"العمل" تتصارع بالاساس على اصوات الوسط السياسي (المركز)، وليس على اصوات معسكراتها التقليدية، بعد ان واصلت استطلاعات الرأي منح الصدارة من دون منافس لحزب "كديما"، الذي اسسه رئيس الحكومة اريئيل شارون، قبل ان يتهاوى على فراش النزاع الأخير بسبعة اسابيع، ونلاحظ جيدا ان حزب "الليكود" كالحزب الأكبر لليمين، و"العمل" كالحزب الأكبر لليسار الصهيوني، قد بدءا باجراء تغييرات في خطابيهما السياسي وتقريبه أكثر للأسس التي يطرحها حزب "كديما" برئاسة أيهود اولمرت. ويتضح من الوجوه الجديدة او الباقية من الكتل البرلمانية السابقة، اننا بصدد برلمان جديد سيتغير فيه على الأقل ثلث اعضاء الكنيست الحاليين (40 نائبا من اصل 120 نائبا) علما ان الانتخابات في اسرائيل هي انتخابات قطرية نسبية، وهذا رغم ان حزب "كديما" لم يشكل قائمته الانتخابية، ولكن بما ان استطلاعات الرأي تعطيه حاليا حوالي 40 مقعدا، فإن عدد النواب الحاليين فيه بالكاد وصل الى 17 نائبا، بمعنى انه سيجلب الى الكنيست 23 نائبا جديدا، هذا في حال تطبقت استطلاعات الرأي، التي سنهشد فيها الكثير من التغيرات في الاسابيع الاربعة الأخيرة، قبل يوم الانتخابات في الثامن والعشرين من شهر آذار/ مارس القادم. ونستعرض في ما يلي التغيرات الاساسية في الأحزاب الكبرى، الشخصية والسياسية.
"الليكود"
لقد ترك شارون حزب الليكود، الذي كان من ابرز مؤسسيه قبل 32 عاما، خرابا مُدمرا بعد انشقاقه عنه، وابرازه امام الرأي العام الاسرائيلي كحزب الفساد واليمين المتطرف، ورغم ان شارون لم يسحب الكثير معه من اللجنة المركزية للحزب التي تضم حوالي 3 آلاف عضو، وهي الهيئة التي تنتخب القائمة، فإن اعضاء اللجنة قرأوا الخارطة السياسية جيدا، وخلال انتخابهم لمرشحي القائمة استبعدوا من مقدمة القائمة أكثر النواب حدة في معارضتهم لشارون حتى قبل اشهر قليلة، وفلت منهم واحد أو اثنان، فيما تم اقصاء حوالي عشرة نواب من القائمة، أو انه تم تدريجهم في مواقع متأخرة جدا لا يمكن للحزب ان يحصل على مقاعدها. وهذا لا يعني ان كل المعارضين اختفوا من قائمة الليكود، على العكس، فقد تم انتخاب نواب عارضوا شارون في حدود المعقول ولم يظهروا بمظاهر العنف أمام الرأي العام الاسرائيلي، ولكن الأهم من هذا بالنسبة لليكود فقد تم استبعاد اكثر النواب الذين تورطوا بالفساد والمخالفات القانونية، ومنهم من ينتظر محاكمته لادانات مختلفة، وصلت الى حد السرقة من ارشيف الكنيست، كما استبعد نواب ارتبطت اسماؤهم بعائلات الاجرام في اسرائيل. ومن الملفت للنظر ان الجنرالات البارزين الذين كانوا عادة يتبوأون المراتب الامامية في القائمة الانتخابية قد غابوا عنها الآن، وهذه ظاهرة سنلمسها جيدا في حزب الجنرالات التقليدي، "العمل"، الذي سنأتي عليه هنا، فأبرز الجنرالات اليوم قد نجدهم في حزب "كديما" بصفته صاحب الاحتمالات الاكبر للفوز بالحكم في الدورة المقبلة ولكن الأمر الابرز هو التغير في خطاب زعيم الحزب، القديم الجديد، بنيامين نتنياهو، الذي بدأ بالحديث عن استعداده للانسحاب من اجزاء من الضفة الغربية، مع احتفاظه بالكتل الاستيطانية الكبرى، مدعيا ان هذا مخطط شارون الأصلي، وان خلفه اولمرت يسعى الآن الى ابعد مما اراده شارون. وتوقف نتنياهو بذلك عن مخاطبة اقصى اليمين الاسرائيلي، منتبها الى استطلاعات الرأي في اسرائيل التي يبدي فيها غالبية الاسرائيليين استعدادهم للقبول بحل دائم، قائم على انسحابات واسعة من الضفة الغربية، واشار أحد الاستطلاعات الى أن 63% من الاسرائيليين مستعدون للانسحاب من الاحياء العربية في القدس المحتلة.
"العمل"
حين وصل رئيس اتحاد النقابات الاسرائيلية، عمير بيرتس، الى رئاسة الحزب في اوائل شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، هازما رئيس الحزب التاريخي شمعون بيرس، جرى الحديث مطولا عن أن اسرائيل مقبلة على "ثورة اجتماعية"، وان الملف الاقتصادي الاجتماعي سيتبوأ الصدارة في الانتخابات المقبلة، وغرقت اسرائيل في هذه الأوهام لمدة ثلاثة اسابيع الى ان شكل شارون حزبه الجديد، وسعى الى دهورة الاوضاع الأمنية في الساحة الفلسطينية، فعاد الملف الامني للصدارة، وإذا تحدثت استطلاعات الرأي قبل شهرين عن ارتفاع قوة "العمل" بنسبة 30%، ليصل الى حوالي 29 مقعدا، بدلا من 21 اليوم، فإن الاستطلاعات الأخيرة اصبحت تتنبأ له بحصوله على 17 مقعدا، بمعنى التراجع، رغم انه قد يعود للارتفاع قليلا حتى الانتخابات. وعرف عن "العمل" بصفته الحزب المؤسس لاسرائيل، على انه حزب الجنرالات الكبار، الذين كانوا في حال يخلعون بزاتهم العسكرية يتوجهون فورا الى هذا الحزب، الذي يتم تصنيفه على انه أكبر أحزاب اليسار الصهيوني، وفي الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشحي الحزب، التي جرت في السابع عشر من الشهر الجاري، كانون الثاني/ يناير، ظهرت القائمة ابعد ما يكون من أن تمثل الجنرالات الاساسيين في حياة اسرائيل. فالمرشحون الاربعة الاوائل، في قائمة "العمل"، هم من القطاع المدني، والخامس هو الرئيس الأسبق لجهاز المخابرات الداخلية العامة، "الشاباك" عامي ايالون، ورغم ان من الجنرالات، إلا انه اسمه ارتبط "بوثائق السلام"، باعداده وثيقة مقترحة للحل الدائم، بالمشاركة مع البروفيسور الفلسطيني سري نسيبة، ولهذا فإنه لم يعد يظهر امام الرأي العام الاسرائيلي بصفة جنرال. وهذا الأمر استدعى زعيم الحزب بيرتس، لاسترضاء الجنرال ورئيس الحكومة الأسبق أيهود براك، الذي رفض الترشح على لائحة حزب "العمل" بعد ان شعر ان بيرتس يعد له هزيمة، او على الأقل استبعاده عن مقدمة القائمة، ويجري الحديث في الاوساط السياسية عن أن بيرتس، الذي يريد دعم الجانب الأمني في قائمته، سيطرح على براك اقتراح تسليمه حقيبة وزارية في أي حكومة يشارك بها حزب "العمل" مقابل ان يظهر براك في الحملة الانتخابية للحزب. ولأول مرّة منذ عشرات السنين تغيب عن حزب "العمل" وجوه تقليدية في الحزب، من الرعيل الاول، وابرزها زعيم الحزب السابق شمعون بيرس، الذي شق طريقه نحو حزب شارون، "كديما" ضامنا لنفسه حقيبة وزارية، غير آبه بعمره الذي شارف على انهاء العام الثالث والثمانين، كما سيغيب عن القائمة لأول مرّة منذ 25 عاما الوزير السابق حاييم رامون وهو من ابرز الوجوه في الحزب، الذي التحق هو أيضا بحزب "كديما". وعلى لصعيد السياسي فأيضا بيرتس اختار التخلي عن خطابه اليساري الصهيوني، فمثلا هو من مؤيدي "وثيقة جنيف" التي اعدتها مجموعة نواب اسرائيليين يرأسهم الوزير السابق يوسي بيلين، ومجموعة شخصيات فلسطينية يرأسها الوزير الفلسطيني السابق ياسر عبد ربه، ولكن بعد انتخابه أراد ازاحة صفة "اليسارية" عنه، والقى خطابا يتمسك فيه باسس الاجماع الصهيوني الجديدة للحل الدائم، وهي رفض حق العودة الفلسطيني الى مناطق 1948، وابقاء القدس المحتلة "عاصمة لاسرائيل"، والاحتفاظ بالكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية المحتلة. وهو ما يعني انتقال بيرتس لمخاطبة اصوات الوسط الصهيوني، أيضا في اطار منافسة "كديما" وسيخلي بذلك بيرتس الساحة اليسارية، حاليا لحركة ميرتس، التي خسرت في الانتخابات السابقة نصف قوتها.
اسدال الستار عن "شينوي"
من أبرز معالم الانتخابات البرلمانية المقبلة هو اسدال الستار كليا، تقريبا، عن اكبر احزاب الوسط، "شينوي" الذي ظهر لأول مرة في العام 1999، بحصوله على ستة مقاعد، ليرفعها في انتخابات مطلع العام 2003 الى 15 مقعدا، فقد توقع له المحللون منذ البداية انهيارا في فترة ما، ولكن لم يكن احد يتوقع له الاختفاء عن الساحة السياسية بهذه السرعة، بعد ان ضربته الخلافات الداخلية، وهي اصلا ناجمة عن الأزمة السياسية التي خلفها نهج الحزب في السنوات الثلاث الماضية، وعدم وضوح خطابه السياسي، ولكن الضربة القاضية له كانت باقامة حزب "كديما" الذي ظهر وكأنه حزب الوسط رغم تزعم شارون له، وما زاد الطين بلّة، هو غياب شارون وظهور أيهود اولمرت، بشخصيته التي تبدو وكأنها أكثر "اعتدالا" قائدا للحزب، ليتمركز الحزب الجديد اكثر في وسط الخارطة السياسية، دافعا "شينوي" الى الهاوية النهائية. ومعنى سقوط "شينوي" هو جعل 15 مقعدا فارغا للمنافسة، وعلى ما يبدو فإن الفائز الأكبر بهذه المقاعد هو حزب "كديما"، ولكن قد يستفيد أيضا من سقوط "شينوي" حزب "ياحد- ميرتس"، في حال نجح في استرجاع مصوتي اليسار العلمانيين الذين يضعون على رأس اولوياتهم محاربة الاكراه الديني الذي تفرضه الأحزاب الدينية اليهودية الاصولية على كتاب القوانين الاسرائيلي بصفتها بيضة القبان الدائمة في موازين القوى السياسية في اسرائيل، فقد هجر هؤلاء العلمانيون "ميرتس" سعيا وراء "شينوي" الذي ظهر وكأنه أكثر صلابة في مهاجمة الاحزاب الاصولية اليهودية، مما جعل "ميرتس" تهبط في الانتخابات السابقة من عشرة مقاعد الى ستة حاليا.
الانتخابات الفلسطينية
في الايام القادمة سنشهد تطورات على الخطاب السياسي الانتخابي في اسرائيل بناء على نتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي تجري في هذا الأسبوع، مع احتمال صعود قوة حركة حماس في هذه الانتخابات، ويرى المراقبون ان هذه الانتخابات قد تنعكس بداية على استطلاعات الرأي في اسرائيل، ففي حال فوز حركة حماس بالأغلبية، أو ان تكون القوة الأكبر التي سيوكل اليها تشكيل الحكومة الفلسطينية القادمة، فإن ردة الفعل التي يتوقعها المحللون الاسرائيليون ازدياد قوة اليمين الاسرائيلي، على ألاقل في استطلاعات الرأي. وبطبيعة الحال فإن التوقعات تنقلب في حال حافظت حركة فتح والقوى الليبرالية واليسارية على الصدارة وكانت قادرة على تشكيل الحكومة الفلسطينية.
تحضير للطباعة أرسل لصديق - |
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر
|