إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



الليكود والعمل: استبعاد الجنرالات وقلة الشرقيين

الثلاثاء 24/1/2006
برهوم جرايسي- المشهد الاسرائيلي

*الليكود حاول ابعاد صفة التطرف عنه، بابعاده شخصيات عارضت شارون بعنف، والعمل يخرج لأول مرة بعد سنين طويلة بقائمة تطغى عليها الوجوه الجديدة *الحزبان يحاولان الانتقاص من "كديما" كل من جهته السياسية، وهو تناحر يصب في صالح "كديما"*

انهى الحزبان التقليديان في اسرائيل، "العمل" و"الليكود" في الاسبوعين الماضيين تشكيل قائمتيهما، للانتخابات البرلمانية القادمة، ورغم الفوارق السياسية بينهما، إلا ان هناك خيوطا مشتركة في تركيبة القائمتين، ومن ابرزها غياب الجنرالات البارزين في الساحة الاسرائيلية عن مقدمة القائمتين، فيما لم يتعد تمثيل اليهود الشرقيين في العشرة الاوائل في كلا الحزبين نسبة 20% ، رغم ان نسبتهم في المجتمع في حدود 45%.
ففي حزب "العمل" الذي عرف عنه طيلة عشرات السنوات انه حزب الجنرالات، فإن الجنرال الاول حلّ في المقعد الخامس، وهو الرئيس الأسبق لجهاز المخابرات الاسرائيلية العامة، عامي ايالون، الذي لم يعد يظهر، أصلا، في حلة الجنرال والعسكري العنيد، بعد أن أعد وثيقة حول رؤيته للحل الدائم بالمشاركة مع البروفيسور سري نسيبة، والجنرال الثاني هو الحاكم العسكري الاسبق للضفة الغربية بنيامين بن اليعيزر، الذي احتل المقعد الثامن.
وبالنسبة للجنرالات فإن الليكود لم يُنتخب أي من الجنرالات في العشرة الاوائل في قائمته الانتخابية، وجرت العادة في الحلبة السياسية الاسرائيلية على اعتبار ان العشرة الاوائل هم الواجهة الاساسية لكل قائمة واعضاؤها الاوفر حظا في تولي حقائب وزارية.
وقد حاول زعيم الليكود بنيامين نتنياهو جلب عدد من الجنرالات الى الليكود وضمان مقاعد متقدمة لهم، ومن بينهم رئيس اركان الجيش السابق موشيه يعلون، الذي رفض على ما يبدو الانضمام لليكود، نظرا لوضعية الحزب في استطلاعات الرأي التي تدرجه في المرتبة الثالثة في الانتخابات القادمة، وككل رئيس اركان فإن طموحه في أي عمل سياسي لا يمكن ان يقتصر على كونه عضو كنيست عادي، بل يطمح لحقيبة أمنية رفيعة، ووضعية الليكود الحالية لا تؤهله للحصول على حقيبة كهذه في حال شارك في أي حكومة مقبلة، وبعد تشكيل القائمة حاول نتنياهو استيعاب رئيس الاركان الأسبق دان شومرون، لاشراكه في الحملة الانتخابية على الاقل، إلا ان الأخير رفض ايضا عرض نتنياهو.
ومسألة الجنرالات هي امر مؤثر في الحملة الانتخابية كون ان الملف الأمني هو المقرر بالنسبة للأحزاب الكبرى التي تنافس على الحكم، وحزب "كديما" هو الاقوى في قائمة الجنرالات، خاصة وانه على ما يبدو من سيشكل الحكومة القادمة، ففي العشرة الاوائل لديه هناك ثلاثة جنرالات، أولهم وزير الأمن، (الدفاع)، ورئيس الاركان الاسبق شاؤول موفاز، ورئيس جهاز "الشاباك" السابق آفي ديختر، ونائب رئيس "الشاباك" الأسبق، ووزير الأمن الداخلي الحالي (الشرطة) غدعون عيزرا.

تراجع التمثيل الشرقي

وظهر في تركيبة "العمل" و"الليكود" تراجع واضح لتمثيل ابناء الطوائف اليهودية الشرقية في العشرة الأوائل، فكلا الحزبين اكتفيا باثنين في مقدمة العشرة، اما في "كديما" فإنهم ثلاثة، وإذا الأمر ليس ملفتا للنظر فإن حركة "شاس" الاصولية اليهودية الشرقية ستهتم بابراز هذا الجانب في حملتها الانتخابية.
ففي حزب "العمل"، ورغم ان رئيس الحزب والقائمة هو الشرقي ابن المغرب العربي عمير بيرتس، إلا أن الشرقي الثاني في القائمة يحتل المركز الثامن، وهو اليهودي العراقي بنيامين بن اليعيزر، أما في الليكود فإن الشرقيين الوحيدان في العشرة الأوائل يحتلان المركزين الثاني والثالث، ثم يتلوهم سبعة من الأشكناز، وقد يؤثر هذا بشكل ملحوظ على فرص الليكود، الذي كان حضوره قويا بين الشرقيين في الانتخابات القادمة.
وبعد اقل من ثلاثة اسابيع ستبدأ في اسرائيل الحملة الانتخابية الرسمية، وكما شهدنا في السنوات العشرين الماضية، بالاساس، فإن العامل الطائفي سيظهر بقوة، أو كما اصطلح على تسميته في اسرائيل "شيطان الطائفية سيرفع رأسه من جديد"، وسنشهد منافسة شديدة على "كسب عطف" الشرقيين، وهذا الأمر لمسناه جيدا في اللحظات الأولى التي انتخب فيها عمير بيرتس رئيسا لحزب "العمل"، فكانت الكلمات الأولى التي نطق بها في "خطاب النصر": "علينا اخراج شيطان الطائفية من داخلنا"، وردد هذه العبارة كثيرا، ولم يكف عن ترديدها في الأيام الاولى لانتخابه، وهذا لأنه فاز بزعامة الحزب الذي عرف عنه انه حزب الاشكناز، الذي حكم اسرائيل في سنواتها التسع والعشرين الاولى، فإن هذا الحزب بالذات هو الذي وضع ورسخ سياسة التمييز ضد اليهود الشرقيين، وكان سبق بيرتس في هذا المنصب في العام 2002 بنيامين بن اليعيزر، العراقي الأصل، ولكنه لم يصمد في منصبه لأكثر من عشرة أشهر.
لقد تخوف بيرتس من جنوح مصوتي الاشكناز الى احزاب أخرى بسبب تزعمه الحزب، وراهن المحللون على ان بيرتس سيعوض من اصوات الشرقيين الذين سيرون به قائدا، وحتى الآن لم ينعكس هذا المشهد على استطلاعات الرأي، ولكن حزب "العمل" سيدخل من خلال عمير بيرتس الى احياء الفقر التى "بناها" بسياسته، ، ويطلب اصواتهم.
إن العامل الطائفي هو عامل مساعد في حسم نتيجة القوائم، وعلى ما يبدو فإن أحد أسباب تراجع الليكود في استطلاعات الرأي هو ايضا تراجع قوته بين مجموعات اليهود الشرقيين، الذي دعموا الليكود بسخاء، خاصة منذ العام 1977 وحتى الانتخابات الماضية التي جرت في مطلع العام 2003.

تركيبة الليكود

لقد تم انتخاب قائمة الليكود من خلال اللجنة المركزية للحزب، التي تضم حوالي 3 آلاف عضو، ورغم انشقاق اريئيل شارون عن الحزب، وتشكيله الحزب الأقوى، حاليا، في اسرائيل، إلا ان نسبة الذين شاركوا في الانتخابات فاقت 90%، وهذا يعني واحدا من اثنين، فإما انه لم يخرج مع شارون الكثيرون من اللجنة المركزية، أو انهم سكتوا الى حين انتخاب قائمة الحزب ليتجهوا بعد ذلك الى الحزب الاقوى "كديما".
ولكن النتيجة الحاصلة لا تخدم بالضرورة "كديما"، كون ان أعضاء الليكود ابعدوا عن القائمة غالبية النواب الذين عارضوا رئيس الحكومة اريئيل شارون بعنف كلامي، وتسببوا بقلاقل في الكتلة البرلمانية خلال الدورة البرلمانية المنتهية، وعلى راسهم ثلاثة نواب، وهم ايهود يتوم وميخائيل رتسون وحتى النائب أيوب القرا، الذي لم يسعفه حفل عشاء ضخم اقامه بمناسبة بلوغ ابنه "سن الرشد" وذبح "اكراما" لضيوفه، وقسم منهم من المستوطنين، 57 كبشا، "على عدد سنوات اسرائيل"، كما صرّح بذلك لوسائل الاعلام.
والأمر الملفت للنظر انه حتى زعيم كتلة المتمردين على شارون، في الكنيست، الوزير السابق عوزي لنداو، الذي تنازل عن المنافسة على زعامة الليكود لصالح نتنياهو وجد نفسه مرميا في المقعد الرابع عشر، وقال المقربون منه في مطلع الاسبوع الجاري انه بات يشعر "بخيبة امل"، وعل ما يبدو فإنه قد يجعل مصيره السياسي في خانة المجهول، أما زملاؤه يتوم ورتسون والقرا، فقد قيل انهم يفكرون في تشكيل قائمة يمينية منفصلة عن الليكود، وانهم يفاوضون النائب السابق ميخائيل كلاينر، الذي خاض الانتخابات السابقة على راس قائمة حيروت، التي دعمتها حركة "كهانا" الارهابية والمجموعات المنبثقة عنها، ولكن مصير قائمة كهذه سيكون على الاغلب السقوط وعدم اجتياز نسبة الحسم، اعتماد على تجربة الانتخابات السابقة، وانحسار قوة اليمين المتطرف، نوعا ما في هذه المرحلة، وايضا نظرا لوجود قائمة يمينية لا اقل تطرفا، وهي قائمة "هئيحود هليئومي".
والمشهد الحاصل ان نتنياهو الذي ارتكز بداية في معركته امام شارون داخل الحزب على الجناح اليميني المتطرف، سارع للتنصل منه بعد انتخابه، لا بل بذل نتنياهو كل جهد لعدم ترشيح زعيم المتطرفين موشيه فيغلين، الذي اختار عدم الترشح اصلا في الانتخابات الداخلية، وليس هذا فحسب بل سعى نتنياهو لابعاد ثلاثة وزراء تركوا حقائبهم الوزارية للتو بأمر منه، عن واجهة القائمة وحصلوا على مقاعد متأخرة، وتقول مصادر اعلامية انهم يتوعدونه.
وعلى ما يبدو فإن الأزمات في الليكود لم تنته بانشقاق شارون، وعاد العراك السياسي بين نتنياهو ووزير الخارجية المستقيل سلفان شالوم، الذي استبعده نتنياهو عن الطواقم الانتخابية الاساسية، فاقام طاقما انتخابيا خاصا به، ودخلت الى خط المواجهة ايضا وزيرة التعليم ليمور ليفنات، التي وجدت نفسها مهمشة، واحتلت المقعد العاشر في القائمة بفضل حجز المقعد للنساء، بينما نتيجتها جاءت متأخرة أكثر.
ورغم محاولة الليكود، ابعاد صبغة التطرف عنه، إلا ان البرنامج السياسي الذي سيعتمده نتنياهو والليكود في الحملة الانتخابية القادمة هو مهاجمة حزب "كديما" من جهة اليمين، وسيدعي ان "كديما" يسعى للانسحاب الى حدود العام 1967، وأنه سيعيد تقسيم القدس، ويقول قادة الحملة الدعائية في الليكود ان نتنياهو يريد "اخافة" الجمهور من "كديما"، وهذا التعبير ليس مفهوما، امام سلسلة من استطلاعات الراي الاسرائيلية، التي دلت على ان الغالبية الساحقة من الجمهور الاسرائيلي تريد انسحابا واسعا من الضفة الغربية، وحتى أن 63% من اليهود الاسرائيليين "على استعداد" للانسحاب من الأحياء العربية في القدس المحتلة.

تركيبة حزب "العمل"

من الصعب على من تابع حزب "العمل" منذ سنوات طوال ان يتعرف بسرعة على ان قائمة حزب "العمل"الحالية، التي انتخبها اكثر من 60% من اعضاء الحزب البالغ عددهم 120 الفا، انها بالفعل تمثل حزب "العمل" التاريخي بشخصياته التاريخية والتقليدية، ويعتقد للوهلة الاولى انه امام قائمة انشقاقية عن الحزب، فالوجوه الجديدة كثيرة، وقسم جدي منها انتسب في اللحظة الاخيرة للحزب، بمعنى انه لم يتأسس ويتبلور سياسيا في هذا الحزب.
ففي العشرة الاوائل لم يبق من الرعيل السابق في الحزب سوى بنيامين بن اليعيزر، وهناك ثلاثة من الجدد الذين انتسبوا للحزب حديثا، بالاضافة الى عمير بيرتس الذي عاد الى الحزب قبل عام، والنائبة (يولي تمير) التي ظهرت لأول مرة في قائمة الحزب في الانتخابات الماضي.
وهناك وجوه تقليدية في "العمل" تراجع تمثيلها الى مقاعد خلفية، ومن بينهم افرايم سنيه وغيرهم، ولأول مرّة من 34 عاما يغيب عن قائمة الحزب شمعون بيرس، الذي ظهر لأول مرة في قائمة الحزب في العام 1959، ثم انفصل عن الحزب في دورتين في سنوات الستين، حينما انضم الى دافيد بن غريون، كما اختفى عن القائمة لأول مرّة منذ 24 عاما الوزير السابق حاييم رامون، فبيرس ورامون، ومعهما داليا ايتسيك جنحا نحو حزب "كديما" حيث سيحظون بمواقع ووظائف متقدمة.
وليس من الواضح الى أي درجة ستساعد التركيبة الجديدة للحزب في تحقيق نتائج افضل من تلك التي تتنبأها له استطلاعات الرأي، فبعد ثلاثة ايام من ظهور نتائج الانتخابات الداخلية في "العمل"، توقعت الاستطلاعات ارتفاعا للحزب، من 17 مقعدا الى 21 مقعدا، وهذا تحسن بعد ستة اسابيع تراجع فيها الحزب في استطلاعات الرأي من 29 مقعدا، في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الى 17 مقعدا حتى منتصف الشهر الجاري.
من الناحية السياسية، فإن حزب "العمل" بزعامة عمير بيرتس، يحاول اظهار تميزه عن "كديما" من ناحية "يسارية" صهيونية، فلم يسعف الحزب مقولة ان "كديما" تبنى عمليا برنامج "العمل"، لأن الجمهور اصبح على قناعة بانه حتى وإن هذا برنامج "العمل" فإن الطاقم المنفذ موجود في "كديما"، ولهذا مهمة "العمل" اليوم اضفاء تفاصيل أكثر قد تحرج "كديما" في الحملة الانتخابية.
إلا ان بيرتس وفي خطابه الاول بعد فوزه بزعامة "العمل" كرر الثوابت التي وضعها شارون، مع اضافة بعض المتغيرات النسبية، وهي الاحتفاظ بالكتل الاستيطانية الكبرى، ورفض حق العودة للاجئين، وابقاء القدس محتلة عاصمة لاسرائيل، وفي الايام الاخيرة تشجع "العمل" من بعض استطلاعات الرأي حول القدس، وسبق ذكرها هنا، وبدأ الحديث عن أن "العمل"
"مستعد" للانسحاب من الاحياء العربية في القدس المحتلة.
حتى اللحظة، فإن "كديما" لا يزال يستفيد من طروحات حزبي "العمل" و"الليكود" بظهوره، وكأنه حزب الوسط، ولكن المزيد من التفاصيل في كلا الحزبين، قد تساهم في تغيير الوضع القائم، الذي من المفترض ان يبدأ بالوضوح اكثر مع تقديم القوائم للجنة المركزية للانتخابات في الثامن الشهر القادم وانطلاق الحملة الانتخابية الرسمية.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر