معارضة يمينية تتبلور في "كديما"الاربعاء 25/1/2006 برهوم جرايسي- المشهد الاسرائيلي
*ثلاثية يمينية تضم موفاز وديختر وهنغبي، أمام ثلاثية اولمرت وبيرس وليفني، وجناح اولمرت يبقى ألأكبر*
ما أن سقط رئيس الحكومة الاسرائيلية، اريئيل شارون، على فراش المرض مساء اليوم الرابع من الشهر الجاري، وما أعقب ذلك من هزّة سياسية في داخل اسرائيل، أدركت كبار الشخصيات السياسية التي أودعت كل تاريخها السياسي والعسكري، وهيبتها امام الشارع في حضن شارون، انها تقف مجتمعة على بساط واحد، وأي هزّة أخرى فسيقعون جميعا، واختاروا سياسة التوفيق في ما بينهم وعدم تعميق الخلافات في ما بينهم، خاصة على "الخلافة"، ويواصلوا "المسيرة"، وحتى الآن يظهر وكأنهم تجاوزا امتحان القبول، تاركين الكثير من الخلافات للمستقبل، ولكن بوادرها اصبحت ظاهرة منذ الآن. فقد وقع شارون بعد أيام قليلة جدا من حل خلاف بين الوزيرين أيهود اولمرت وتسيبي ليفني، حول المكان الثاني في الحزب الجديد "كديما" في قائمته للانتخابات البرلمانية، وقد حسمها شارون، صاحب القرار، بتعيين اولمرت ثانيا وتسيبي ليفني ثالثة، ولم يهب شارون من تعيين شمعون بيرس سابعا، دون تقديم أي ضمان لحصوله على حقيبة وزارية رفيعة، مثل الخارجية، التي على ما يبدو خصصها شارون قبل مرضه لليفني. وبعد سقوط شارون بثلاثة ايام، وحينما تأكد ان لا رجعة لشارون الى الحلبة السياسية على الأقل، طرح سؤال سريع حول من سيخلفه في زعامة الحزب ورئاسة الحكومة، ولم يقتصر الجدل على اولمرت وليفني، بل أطلّ عليهم أيضا بيرس، الذي اعتبر ان الموازين تغيّرت، وما كان يصح في عهد شارون، لا يصح في عهد اولمرت. ومن منطلق ان الشخصيات الكبيرة عرفت ان مصيرها بات على كف عفريت، في حال أصرت على تعميق الخلافات فجاء الحل سريعا، "بمبايعة" اولمرت خليفة لشارون، على ان يحتل المقعد الثاني شمعون بيرس، لئلا يعود الى حزبه "العمل" والمقعد الثالث لليفني، على ان تكون ليفني هي الشخص الثاني في الحكومة التي قد يشكلها اولمرت بعد الانتخابات بحصولها على حقيبة الخارجية، التي تسلمتها منذ الآن بعد استقالة الليكودي سلفان شالوم، أما بيرس فقد يكتفي بمواصلة ادارة المشروع العنصري لتهويد منطقتي الجليل والنقب. وقبل الدخول في الجانب السياسي، فقد سبق هنا بعض العبارات مثل "الخلافة" و"المبايعة"، وهذا عمليا واقع الحال في حزب "كديما" الذي لا يزال يفتقر لمؤسسات وقيادات منتخبة، وكل شؤونه تدار من خلال المشاورات بين من انضموا منذ البداية لشارون لدى اعلانه تأسيس الحزب، ولهذا سنرى في الأيام القليلة القادمة ان القرار النهائي في تشكيل القائمة سيكون بيد اولمرت، بعد ان يجري مشاورات مع زملائه، الذين "منحوه" من منطلق "اللامفر" امتيازات شارون، "صاحب الحزب"، ولا يبدو انه سيكون حرجا في هذه التشكيلة في هذه المرحلة، كون ان استطلاعات الرأي تمنح "كديما" اكثر من 40 مقعدا، وهو اكثر من ضعف عدد الشخصيات الاساسية في الحزب، التي اتسعت لها المقاعد لعشرة الأوائل
برنامج اولمرت السياسي
يطرح رئيس الحكومة بالوكالة، أيهود اولمرت، هذا الاسبوع على مؤتمر هرتسليا الاستراتيجي الخطوط العريضة لبرنامجه وبرنامج "كديما" السياسي، وحسب ما نشر في وسائل الاعلام، فإن اولمرت سيركز في خطابه على "الثوابت" الثلاثة التي وضعها شارون، وتحولت الى اجماع صهيوني جديد، وهي: رفض حق العودة للاجئين الفلسطينيين الى مناطق 1948، وبقاء القدس موحدة عاصمة لاسرائيل، والاحتفاظ بالكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية وضمها لاسرائيل. فحتى الحزبين الآخرين المنافسين على الحكم، "العمل" و"الليكود" يوافقان هذه النقاط الثلاث، ويبقى الجدل في تعريف النقطتين الاخيرتين، وهما، "حدود القدس الموحدة" وما إذا ستشمل الاحياء والضواحي العربية، وتحديد حجم الكتل الاستيطانية، وحتى الآن لم يعرض أي من الأحزاب الثلاثة خرائطه في هذا المجال، ورغم ذلك هناك تباينات في التصريحات، فمثلا يعلن زعيم الليكود بنيامين نتنياهو يعلن انه يريد تغيير مسار جدار الفصل العنصري في اتجاه الشرق لاقتطاع اراضي أكثر من الضفة الغربية، وفي المقابل يوضح زعيم "العمل" عمير بيرتس، من خلال مقربيه، انه يريد "الانسحاب" من الاحياء العربية في القدس المحتلة. ومحور النقاش الثاني بين كبرى الأحزاب هو الاقدام على خطة أخرى احادية الجانب، وفي هذا المجال هناك عدة صياغات، بين رفض وتأييد في حال عدم وجود "شريك فلسطيني" من وجهة نظرهم. وفي الايام الاخيرة بدأ اولمرت بالتصريح حول رفضه لخطوة أخرى احادية الجانب واشتراط التقدم بالعملية السياسية، بتنفيذ الالتزامات الأمنية الفلسطينية بموجب خطة خارطة الطريق. ويقول المحلل السياسي في صحيفة "هآرتس"، ألوف بن، ان اولمرت "تحدث قبل عامين عن انسحاب أحادي الجانب من الضفة الغربية، الى الخط الجغرافي الذي يسمح لاسرائيل باغلبية ديمغرافية بنسبة 80% لليهود مقابل 20% للعرب"، والنسبة التي يتحدث عنها الوف بن بالامكان الاحتفاظ بها ايضا من خلال الابقاء على احتلال القدس الشرقية، كما ان هذا لا يعني انسحاب اسرائيل من الكتل الاستيطانية الكبرى. ويضيف بن في مقالته، "إن اولمرت، يؤيد خروج اسرائيل من الاحياء والضواحي العربية في القدس المحتلة، وإلا فإنها ستتعرض لعزلة دولية، ولأغلبية عربية من البحر المتوسط الى نهر الأردن" (فلسطين التاريخية). ويتابع بن كاتبا، "إذا لم يطرأ أي تحول في مواقفه، فإن اولمرت قد يعمل على تسويق افكاره وبرامجه بين قادة "كديما"، وستحظى بموافقة واسعة في قيادة الحزب، وإذا كان شارون يعارض خطة فك ارتباط ثانية، فإن العقبة امام انسحاب آخر أحادي الجانب قد زالت الآن". وينتبه بن في مقاله، الى ضرورة ان يحصل اولمرت على موافقة المؤسسة العسكرية ويقول، "سيكون على اولمرت ان يجند الى جانبه جهاز الأمن، الذي تصدر عنه في الآونة الأخيرة اصوات الندم على الانسحاب من قطاع غزة، ومن بينهم الرئيس السابق لجهاز المخابرات العامة، "الشاباك"، الذي أصبح احد قادة "كديما"، فاولمرت يفتقر للمؤهلات العسكرية التي كانت لسلفه، وعليه ان يوظف كل مؤهلاته السياسية والحزبية ليقنع قادة المؤسسة العسكرية بآرائه، وموافقتهم ضرورية، لأن في نهاية الأمر فإن من سيخلي المستوطنين من بعض مستوطنات الضفة الغربية سيكون الجنود انفسهم، أما التحدي الآخر لاولمرت فهو اقناع الادارة الامريكية، بأن تقدم لاسرائيل ثمنا ملائما، هذا من جهة، ومن جهة أخرى طلب دعم دولي بأن لا يؤدي الانسحاب الآخر من الضفة الغربية زعزعة الاستقرار في المنطقة". ويرى محلل الشؤون العسكرية في صحيفة "هآرتس"، زئيف شيف، ان على اولمرت ان يغير جدول اعمال رئيس الحكومة الذي وضعه شارون، فعليه مثلا، "ان يقرر في ما إذا سيوقف الحرمان المفروض على الرئيس الفلسطيني محمود عباس (ابو مازن)، وان يلتقي به، في الوقت الذي تتفشى فيه مظاهر الفوضى في الشارع الفلسطيني، واحتمال مشاركة حركة حماس في السلطة الفلسطينية". ويقول شيف، إن العقبة الاساسية التي تقف امام اولمرت هو الفارق الكبير في الخبرة العسكرية بينه وبين سلفه شارون، "فالحكومة بقيت من دون شخص مجرّب وخبير في القضايا الأمنية، فحتى من لا يتفق مع شارون لا يستطيع تجاهل رؤيته الامنية السياسية، وان ينفي انه امام شخص له تجربة ضخمة في العمل الامني السياسي"، وهذا ما يفتقر له اولمرت.
معارضة يمينية هادئة في كديما
على الرغم من ان الأمور تبدو وكأنها تسير بشكل انسيابي في حزب "كديما"، إلا انه من الواضح انه بدأت تتبلور ثلاثية يمينية في العشرة الأوائل في قائمة الحزب، وهم وزير الأمن شاؤول موفاز، والرئيس السابق لجهاز المخابرات العامة، "الشاباك"، آفي ديختر، والوزير من دون حقيبة تساحي هنغبي، الذين يطلقون تصريحات حادة أكثر في كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والمواجهات العسكرية. وهذه الثلاثية ستكون الند لثلاثية اولمرت وليفني وبيرس، التي تحاول الظهور بشكل "معتدل" أكثر، ولكل ثلاثية مجموعة من الوزراء والشخصيات، ولكن جناح اولمرت هو الغالب كما يبدو، حتى الآن، ولكن هذا التكتل المتبلور من شأنه ان يتطور أكثر بعد الانتخابات البرلمانية، على الرغم من انه يجمع متنافسين اساسين، موفاز وديختر، على حقيبة الأمن، ومنصب "الشخصية الأمنية الأولى" في الحكومة. وارتباطا بما ذكره المحلل زئيف شيف، فإن وحدة الموقف بين الجنرالين موفاز وديختر، أمام المدني اولمرت ستكون عقبة في الحكومة القادمة، أيضا في كل ما يتعلق بالعملية السياسية امام الفلسطينيين. وحتى الآن فإن استطلاعات الرأي لا تزال تعطي الصدارة لـ "كديما" من دون منافس، إذا يحصل على اكثر من 40 مقعدا، من اصل 120 مقعدا في الكنيست، ومقاعد كديما، هي أكثر من مقاعد "العمل" و"الليكود" مجتمعة حسب تلك التوقعات، ولكن إذا ما بدأ الخلاف بين توجهات موفاز وديختر من جهة، واولمرت وثلاثيته من جهة أخرى تظهر على السطح أكثر، فإنها ستنعكس مباشرة على تنبوءات استطلاعات الرأي القادمة، التي ستتأثر، لا محالة من عدة متغيرات، ومن بينها نتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية.
تحضير للطباعة أرسل لصديق - |
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر
|